مجددا الى قانون الانتخاب… وكأن هذه المسألة مجرد ذكرى تتجدّد دوريا. ربما تفاجأ عدد من النواب حين دعا رئيس المجلس نبيه بري الى جلسة للجان المشتركة قبل يومين، للبحث في قانون الانتخاب.
كانت هذه المحاولة الثانية لدرس اقتراحات قوانين الانتخاب، اذ كانت المحاولة الأولى في تشرين الأول من العام الفائت، قبيل اندلاع الثورة، وها هو بري يعيد اليوم الدعوة الى جلسة للجان، والتي للمصادفة أتت في الذكرى السنوية للاجتماع الأول.
كان على جدول اعمال جلسة اللجان ثلاثة اقتراحات، الأول مقدم من بري او كتلة “التنمية والتحرير” والذي يطالب بالدائرة الواحدة خارج القيد الطائفي، وعلى أساس النسبية.
الاقتراح الثاني مقدم من “كتلة الوسط” التي يرأسها الرئيس نجيب ميقاتي.
الاقتراح الثالث هو قانون انشاء مجلس للشيوخ مقدم من النائبين أنور الخليل وابرهيم عازار.
والنتيجة ان النواب لم يناقشوا أياً من الاقتراحات بالتفاصيل والعناوين المحددة، فماذا حصل فعلا داخل الجلسة؟
“شراكة عفوية”
يجيب عضو تكتل الجمهورية القوية النائب جورج عقيص “النهار”، “النقاش كان عامّا، وبشراكة حقيقية انما عفوية. تلاقى نواب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر على رفض فكرة النقاش بقوانين الانتخاب الآن”.
لماذا؟
في نظر عقيص “ثمة مسألة مهمة هي ملاءمة التوقيت. هل هناك بالفعل أولوية الآن لمناقشة قوانين الانتخاب قبل تشكيل الحكومة والتصدي للازمة المعيشية غير المسبوقة؟
ثانيا ان القانون الحالي استغرق وقتا وجهدا، واتى خلاصة اتفاق بين مختلف الكتل النيابية، وهو لا يزال يؤمّن صحة التمثيل لكل الاحزاب والطوائف، وبالتالي فان هذا القانون اعطى فاعلية. ثم هل تغيرت الطبقة السياسية التي كانت موافقة على القانون حتى تبدل رأيها الان؟”.
بالنسبة الى “القوات اللبنانية” المعادلة واضحة: “لاجراء انتخابات نيابية مبكرة على أساس القانون الحالي، كون هذا المطلب نادت به الثورة وافقدت السلطة الحالية شرعيتها”.
وفي هذا الصدد يأتي اقتراح القانون الذي قدمه عقيص نفسه، والداعي الى تقصير ولاية المجلس الحالي. “الان الأولوية هي للسير بالانتخابات، قبل اعداد قانون للانتخاب، لانه موجود أصلا”.
المفارقة ان النواب في جلسة اللجان الأخيرة، لم يناقشوا التفاصيل ورفعت الجلسة من دون التوصل الى أي تفاهم او حتى شبه تفاهم حول تحديد الأولويات أولا. وكأن الجلسة كانت عابرة في وقت عابر.
وما يدعو الى العجب أيضا، ان الاقتراح الثالث الذي وضع على جدول الاعمال هو المتعلق بانشاء مجلس للشيوخ.
يعلّق عقيص: “التقيت انا والنائب نقولا نحاس على البحث في أساس الدعوة الى انشاء مجلس الشيوخ، اذ ان المادة 22 من الدستور تحدد ان يتزامن انشاء المجلس مع انتخاب اول مجلس نواب من خارج القيد الطائفي، وبعد تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية، المحددة في المادة 95 من الدستور. من هنا، ثمة مسار واضح لانشاء مجلس الشيوخ، وكأننا في هذه المحاولة نضع العربة قبل القطار”.
وفي السياق نفسه، التقى النائبان جورج عدوان وهادي حبيش على ضرورة البحث في صلاحيات مجلس الشيوخ أولا وفي دوره، قبل البدء بانشائه.
صحيح ان الدستور ينص على ان يبت مجلس الشيوخ في القضايا المصيرية، لكنه لم يحددها، فأي مقاربة ستكون لمجلس الشيوخ، اذا لم يُصر الى تحديد دوره أولا؟
هذه هي مقاربة “القوات” لمناقشات قانون الانتخاب، وكأنها مضيعة للوقت.
ربما حتى الامس ، تأكد عقيص من ان عدم الاستقالة من النيابة كانت مجدية. هو الذي كان ميالا الى تقديم استقالته، بُعيد انفجار 4 آب، انما النقاش الذي جرى بالأمس، وان كان عاما، اظهر له ان العمل من الداخل يمكن ان يؤدي الى نتائج. يقول: “ثمة مواضيع لا تزال تستحق النقاش من الداخل”، غامزا في الوقت نفسه من قناه الثورة، وقال: “الثورة بانطلاقتها أعطت نتائج، ولكن بعد ذلك أصبحت ثورات ولم تعد تحقق العناوين الكبرى. وما يدعو الى العجب ان اركان الثورة لم يعودوا متحمسين لاجراء انتخابات مبكرة، ربما لا بد من العمل من الداخل مع أهمية استمرار المواجهة السلمية في الشارع، لكن هذه الأخيرة لا تكفي وحدها”.
بالطبع، لا تعوّل “القوات” على جلسات مناقشة قانون الانتخاب، “انما في الوقت نفسه تريد تصويب الأولويات اليوم عبر التوجه الى الإسراع في تأليف حكومة تستطيع ان تجلب للبلاد مساعدات، وتخرجنا من الازمة المستفحلة والسير لاحقا بانتخابات مبكرة لاستعادة الشرعية الشعبية”.
باختصار، هي تفضل القانون الحالي، كيف لا، وقد أعطاها 15 نائبا ، وباصرار ترفض العودة الى “قانون المحادل”، كما يقول عقيص، “أي القانون الاكثري الذي ولّى زمنه”.
هي معركة فتحت مجددا وسط معادلة: “ايهما سيسبق وضع قانون للانتخاب ام اجراء انتخابات؟!”.
البلاد مقبلة على اشهر حاسمة، ولعل كلمات نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم كانت واضحة في خيار “حزب الله” حين قال: “الوقت ليس مؤاتيا لتعديل أو تغيير موازين القوى ولا للانقلاب على نتائج الانتخابات النيابية ولا لابتداع صيغ لحكومة لا تمثل الكتل النيابية”.
فأي معركة فتحها مجلس النواب اليوم عبر مناقشة ثلاثة اقتراحات “دسمة” دفعة واحدة؟ ربما هو نقاش من اجل لا شيء!