الثورة الثورة ماذا نكتب عنك في ذكرى ميلادك الرسمية الاولى؟ نعتذر منك، نُحجم عنك، نوقدك من جديد، نجحتِ، اخفقتِ، ماذا نقول، والاهم ماذا نفعل بك وبنا معك ومع بلادنا؟
احتفل الثوار بعامهم الاول. أضاءوا شعلة ضخمة عند موقع التفجير الارهابي في المرفأ. نزلوا الى الساحات، رفعوا الصوت والشعارات. كان يوم وعبر وشخصيا لم يستوقفني فيه سوى شعار واحد واقعي، ومجموعة واحدة من بين كل تلك المجموعات، كانت تحمل لافتات كُتب عليها “تنفيذ القرار 1559 ولا سلاح الا سلاح الشرعية”. هذا شعار قد تشتعل لأجله ثورة بحد ذاتها. هذا شعار يختصر مأساة لبنان في كل شيء، السياسة والاقتصاد والامن، ومن ينكر الامر كمن يكذب على حاله وعلى الثورة وعلى الثوار الحقيقيين الذين انتفضوا غضبا لأجل وطنهم.
نزل ثوار للاحتفال بمرور عام، عبر الكثير الكثير بنا في عام واحد، واسوأ ما حصل فيه تاريخ 4 آب اياه. كان “هدية” دموية خلاّقة للثورة وللبنانيين المؤمنين بوطنهم، وبكيان لبنان النهائي، الاخرون المفسدون المحتلون المفجّرون، ليسوا معنيين على الاطلاق بهذا الكيان، اذ ثمة “اخرين” في لبنان لا تؤمن حتى اللحظة بنهائية هذه الارض وبقداستها وبحقها بالحرية والكرامة، فتحتل وتستبيح وتقتل وتعطّل وتنهب لتعمر اوطان الغرباء على حساب اجساد اللبنانيين وارزاقهم وارضهم المبللة من استشهادهم.
هذه ارض مقدسة ومدنسة في آن واحد، مقدسة بتاريخها ونضالها وكبارها وقديسيها وشهدائها، ومدنّسة بسلطة ومستزعمين ومحتلين لا يليقون بأرض لبنان. كانت الثورة وميض الامل الوحيد. الافكار الجميلة الخلاقة، صف الثوار الذي ربط بالأيادي لبنان في كل محافظاته، كان مشهدا اكبر من ان يوصف. العرض المدني يوم عيد الاستقلال، كان قمة الابداع. اللقاء الدامع والعنيف بين الثوار والجيش في زوق مصبح، حين بكى عناصر الجيش لأنهم اضطروا إلى قمع الثوار وهم غير مؤمنين بذلك، كان ثورة بحد ذاتها. جسر جل الديب المضاء بالآلاف يلوحون بالعلم اللبناني ويرسمون مشهدية نادرة عن لبنانيين لا يريدون شيئا سوى وطنا مستقيما لأولادهم. مشاهد كثيرة رائعة وساحات انزلت اليها كل الاعمار من دون استثناء وكل الفئات والطوائف… ولكن ايضا شابتها مشاهد اخرى مناقضة تماما لمفهوم الثورة الفعلي.
لن انسى حين هجم الرعاع ودمروا ما بناه الثوار في ساحة الشهداء واستباحوا بالسلاح الابيض كرامات الشباب والصبايا، وتكرر المشهد تباعا وتباعا وتباعا، ودخلت الثورة في الفوضى. ادخلوها في الفوضى المتعمدة لإفشالها، او لعل بعض من بعض “الثوار” انتحلوا صفة الثوار ليفشلوها وليفرغوها من مضمونها.
أحلى ما انتجته الثورة انها عممت فكرة المحاسبة وألزمت مجلس النواب على اقرار مشاريع تتعلق بمكافحة الفساد، واسقطت حكومتين، واخافت الطبقة السياسية في مكان ما، ودخلت تلقائيا في صلب حساباتهم، وصارت مطالب الشارع كأنها بنود الزامية لهم. عرّت الثورة السلطة كليا، ما حدن كبير، لا الفاسد ولا المحتل، وتحولت صفحات التواصل الاجتماعي الى منصات للمحاكمة ولفضح كل افعالهم ولو كانت حتى اللحظة من دون نتيجة، لكن حسب الناس انهم صاروا بنظر الشعب آفة الوطن مهما علا شأنهم ومراكزهم.
حصل الكثير مما لا يمكن الاحاطة به لكن، من يقول ان الثورة فشلت، نقول لهم حسبها انها حاولت، وان الثورات تحتاج سنين قد تكون طويلة لتحقيق اهدافها، ومن يقول انها نجحت، فهي لم تفعل بعد. لا تعلن ثورة نجاحها ما لم تحقق الهدف الرئيسي، الاطاحة بالسلطة المستبدة الفاسدة المحتلة، والاهم الاطاحة بالاحتلال الايراني، ومن بعد هذا تندرج باقي المطالب، والسبب واضح ان كل المطالب المعيشية غير المحققة هي بسبب تلك السلطة.
لم تنجح الثورة بعد لان ثمة متسللين كثر اليها، لبسوا قضايا غير اوطان، وجعلوا الفاسد يتساوى مع غير الفاسد وصار شعار “كلن يعني كلن” نقطة الضعف بدل ان تكون نقطة القوة والتلاقي، وتحول الثوار في مكان ما، الى أسرى هذا الشعار الذي أفقدهم بعضا من مصداقيتهم لأنهم اعتمدوا سياسة التعميم الخاطئة. “يسجّل على الثورة توقّفها عند شعار واحد “كلّن يعني كلّن” من دون تطوير النظرة والرؤيا لما بعد هذا الشعار، وبقدر ما احرجت الطبقة السياسية عند اطلاقه، اصبحت بعد سنة من اطلاقه اسيرةَ هذا الشعار، وأكثر جمهورها صافي النية يعرف في قرارة النفس، انه كما ان التعميم السلبي على الطبقة السياسية لا يصحّ، كذلك التعميم الايجابي على جميع فصائل الثورة وتلاوينها لا يصحّ ابداً، خصوصا تلك الاصوات بين الثائرين التي لا تجد من الطبقة السياسية من يستحق الانتقاد والتهجّم سوى القوات اللبنانية، كما كتب النائب جورج عقيص.
أجمل الثورات حين ترفع علم بلادك معلنا عليها الحرية. فعلناها مرة في 14 آذار ذاك. ثورة اليوم أصعب بكثير، الاحتلال من اهل البيت أنفسهم، ولن تنجح الثورة مهما عظم شأنها ما لم تسقط الاحتلال لتسقط معه السلطة الفاسدة كأوراق خريف على رصيف وطن. سلامي يا 17 تشرين… ثورة ثورة ثورة.