الساحة طريق الصواب

حجم الخط

 

(ساحة 17 تشرين)

“من يثور، بلا منة، فإنه يقضي على نسل الشياطين”.

بعد خمول تواق الى الظلم، والخمول خطيئة، ما من وثاق أشد تقييداً منها، تمت النقلة النوعية من المعركة الخاسرة، الى ساحة أنعشت سرائر النفوس، لأنها نزيلة العنفوان الغاضب، وناتج معمول الرفض. ولو كان ثمن هذا الإنجاز باهظاً، والوقائع الدموية والسجنية خير شاهد، لكن نتيجته النفسية، على الأقل، إيجابية، وهي الانتصار على الخوف. فقد عاد جمهور السيادة، والكرامة، الى ساحته، مقتحماً القهر، مفعماً بالحنين الى الحرية، وغير متقشف في أنماط المواجهة، لأنه منحاز الى الحق.

الطرح ـ المطلب: “فلتسقط السلطة الفاسدة”، شعار ثنائي التوجه، فمطلقوه الثورين يسعون الى أن يسمعه، وبإمعان، من في الداخل، هؤلاء القابعون في عقارات النهب، وأيضاً، من في الخارج، أولئك الواقفون وراء التسلطيين، وكأن هؤلاء وكيلهم الحصري. وليس يفهم من هذه الانتفاضة، سوى أن “السياديين” شعروا بالحاجة الى فرض تسويتهم، على الداخل، وعلى الخارج القريب والبعيد، على حد سواء. فبعدما مارسوا، ولفترة غير قصيرة، سياسة الصمت، أو نهج ردة الفعل، ما ألزمهم تقديم تنازلات مميتة، استفاق، في إبائهم سؤال أقلقهم: “هل كنا على حق، في خسارة معركة الحق”؟ وكانت عودة للتمسك بشرارة الحراك، فعادت الكرامة الوطنية الى أخذ نفس.

أما استراتيجية الساحة، فهي الالتزام بهذا التحرك الفاعل، حتى اندثار مقولة السلطة الفاسدة، التي أجادت في فنون السلب وإذلال الناس، ليشرق فجر الدولة العادلة، النقية، القادرة. من هنا، تطرح الإشكالية الآتية: هل يشكل هذا الرهان الثوري مفترقاً مفصلياً، في حاضر الوطن، ومستقبله؟ وما هي الآلية المتاحة للتوصل الى جعل النظريات المتعلقة بهذا الرهان، حقيقةً ملموسة؟ إن الجواب، في هذا المجال، سهل وخطير، في آن واحد. فإذا توكلنا على استعداد القوى السيادية، وطموحها الى الحراك الفاعل للتغيير، يمكن أن نضع أيدينا ” في الماء الباردة”، كما يقول المثل الشعبي.

أما إذا أمعنا النظر في استعدادات الفريق المستولي على مقدرات البلد، وضعنا أيدينا على قلوبنا. فالمواجهة، شئنا أم أبينا، هي بين الطرح المستند الى مفهوم الوطن والدولة، كما في سائر الأمم، وبين معادلة القوة والحق، حيث الحق لمن يمتلك القوة، ليفرض المستقوي معاييره، في لعبة السلطة، محاولاً اختزال الدولة، ومصادرة قرارها، حتى ولو كان سبيله الى ذلك، الاصطدام، على الأفل، بنصف اللبنانيين. وعلى هذا، يتبين، بوضوح، أن سقف القبول بالوطن السيد، لدى فريق السلاح، وفريق السلطة المختبئة وراء فوهات غير شرعية، منخفض، تماماً، فما تسويق إعلانات المشاركة، والوفاقية، والميثاقية، سوى تمويه ممنهج، لم يعد ينطلي على أحد، فالحقيقة التي لا تقبل الجدل، هي السعي الى هيمنة أيديولوجية مستوردة، أمن اصحابها تأييد شريحة من مهووسي السلطة والمال، ولو على حساب وطنيتهم، ولا عجب، فهم غير مستطعمين بها.

الفاعلية الميدانية تكمن في احتلال الساحات، والثبات فيها، من دون خلفية فولكلورية، حتى تسقط السلطة. إن الشعب لم يعد جندياً مجهولاً، ولن يريد أن يكون، فهو أقوى الأسلحة، وأحدها، وهو الصامد الذي ينبغي ألا تصيبه الخيبة، وهو عامل النجاح الأوحد في المواجهة بين الخوف والإقدام، بين الأبرار والأبالسة. لقد انقضى موسم التشاطر على هذا الشعب، وتكريس شطبه، فلا نضيعن، إذاً، فرصة عودة الوطن الى الوطن.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل