لا عجب إن سمع اللبنانيون في هذا الوضع، أفكاراً نخبوية، نفت استنزاف “حزب الله” لودائع اللبنانيين، وساقت دليلاً على زعمها بأنّ “المقاومة” هي الوحيدة القادرة على حماية الثروات. إلا أنّه، ومع كلّ ادّعاء بمناصرة المواطن المنهوب، تقع حادثة على الحدود اللبنانية ـ السورية، وتفتح باب المساءلة على مصراعيه. آخرها، وقوع انفجار ضخم مساء الأحد، بالقرب من مستودع، بداخله خزّانات للوقود وقوارير للغاز، في بلدة القصر الحدودية مع سوريا – قضاء الهرمل، تبيّن أنّها تُستخدم للتهريب العلني!
سُمِعَ دويّ الإنفجار بقوّة في أرجاء المنطقة والبلدات المجاورة، وانضوت المعضلة التهريبية في إطار “البلبلة الواتسابية” بين الرعب من سقوط 10 جرحى، نقل 7 منهم الى المستشفى وعلاج 3 مصابين في موقع الحادث، وتخوّف السكّان من إمكانية حدوث انفجار آخر، في ما لو لم تتمّ السيطرة على النيران، وتوسّعت بقعة الإشتعال نحو نقاط أخرى تجري فيها عمليات التهريب المنظّم والمحميّ. فهل جرى استهداف هذه النقطة الحدودية؟ وما هي المعلومات المتوافرة حول هذا الإنفجار؟
تزامن الانفجار مع حديث الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ومع تحليق كثيف للطيران الإسرائيلي فوق أجواء مناطق لبنانية عدّة، وعلى علوّ منخفض جداً، من ضمنها المنطقة التي حدث فيها الإنفجار، في ظلّ حديث عن إمكانية حدوث قصف إسرائيلي للمستودع الذي يملكه شخص قريب من “حزب الله” يُدعى غازي عبيد، بحسب تسجيلات صوتية تمّ تداولها بين أبناء المنطقة، للتحذير من الإقتراب من المستودع، وطلب النجدة لإخماد الحريق ومنع امتداده والسيطرة عليه.
واقع الحال
“هذا الواقع التدميري تحرسه شبكات حزبية تعمل بين البلدين على تهريب البضائع”، بهذه الكلمات شرح أحد أبناء منطقة القصر لـ”نداء الوطن” واقع الحال، وتابع: “قبل اندلاع الثورة السورية، كان تهريب قوارير الغاز السوري إلى لبنان يتمّ عبر المسالك البرّية، أمّا اليوم فالوضع معكوس، والتهريب يحصل من لبنان إلى سوريا. فتأتي صهاريج الغاز إلى المستودعات هنا في القصر، تقدّر حمولة كل واحدة منها بنحو 17 إلى 20 ألف ليتر من الغاز، ويتمّ تعبئة ما فيها من محتوى في قوارير غاز “سورية” فارغة، ومن ثمّ يتمّ تحميلها من المستودعات إلى نقطة الهجانة (حرس الحدود) سابقاً، وبعد أمتار بسيطة تصل الشحنة إلى نقطة “مطربا” وهي قرية لبنانية – سورية متداخلة، تسكنها غالبية شيعية ويبلغ عدد سكّانها نحو 200 نسمة، وهي تقع على بعد 1500 متر من الحدود”.
وأضاف: “وبعد ذلك، تصل الشحنة إلى منطقة اسمها “زيتا” وهي الملقّبة ببؤرة “حزب الله” في القصير، حيث أنّ زيتا تقع تحديداً في الريف الغربي لمدينة القصير التي يحمل معظم سكّانها الجنسية اللبنانية، وبعضهم مزدوج الجنسية بين لبناني وسوري، وتمتاز بأنّ سكّانها من الطائفة الشيعية بالكامل وفيها معسكر معروف لـ”حزب الله” يقع ضمن البلدة، وفيه مستودعان، أحدهما يضمّ طائرات استطلاع إيرانية الصنع، والآخر يضمّ خمسة وأربعين عنصراً من أهالي المنطقة يقودهم قيادي تابع لـ”حزب الله” مباشرة من آل الجمل. ومن خلال هذه النقطة، أي زيتا، يتمّ إمداد المجموعات بالمواد المدعومة أو السلاح أو غيره. وليس مرجّحاً أن تتوقّف حماية المهرّبين. فالمواد المدعومة، من محروقات أو غاز أو طحين أو أعلاف حيوانية وغيرها، تُستَورَد بطريقة شرعية، وتُدفع رسومها، ولا تخرج من المرافئ إلى السوق المحلي إلا بموجب بيانات جمركية شرعية، وبمجرّد أن يصبح الغاز مثلاً في الصهاريج الخاصة بالموزّعين “يعطيكم العافية”، تختفي من على خريطة المواطن اللبناني وتذهب إلى ابتزاز المواطن السوري”.
وحول دوافع التهريب قال: “فيما يشتري المواطن اللبناني قارورة الغاز بسعر 25 ألف ليرة لبنانية، تُباع قارورة الغاز في سوريا في السوق السوداء بسعر 35 ألف ليرة سورية أو ما يفوق الـ 100 ألف ليرة لبنانية أو 12 دولاراً أميركياً، أي بهامش ربح مرتفع جداً، فالكلفة أساساً أقلّ من 25 ألف ليرة لبنانية على المهرّبين”، مشيراً إلى أنّ “ما حدث نهار الأحد كان إمّا رسالة لـ”حزب الله”، أو دليلاً على انعدام المسؤولية في اتّخاذ أدنى معايير السلامة حتى في عمليات التهريب”.
حواط: لا جديد في الإخبارات
حملت السنة الماضية للبنانيين ما يكفي من دلالاتٍ على أنّ وقف التهريب المنشود لإيقاف استنزاف “حزب الله” لودائع اللبنانيين ليس من ضمن الخيارات المطروحة، وذلك بسبب ضمور الوعي بأهمّية هذا الملفّ الدقيق لدى أطياف العمل المعارض للسيادة اللبنانية”، كلمات قالها عضو تكتّل “الجمهورية القوية” النائب زياد حوّاط لـ”نداء الوطن”، وأسف لعدم وجود أي جديد في الإخبارات التي قدّمها للنيابة العامة التمييزية بشأن المعابر غير الشرعية والتهريب. فبرأيه، “لبنان ضعيف بفعل المسالك غير الشرعية المرعية للتهريب. وفي حين يفضّل كثيرون الركون إلى أنّه من الصعب أن يُتّخذ قرار سياسي لوقف مزاريب الهدر، فإنّه لن يتوقّف شخصياً عن ملاحقة هذه المزاريب التي تدعم النظام السوري، فيما يُذلّ المواطن اللبناني، صاحب الحقّ، في هذه المواد المهرّبة والمدعومة من ماله، فالخسائر اليومية تقارب نصف مليون دولار، وهذه عمليّة سرقة موصوفة لا مثيل لها في التاريخ ولا في مكان آخر عالمياً. والمخيف أنّ القضاء لم يتحرّك لأنّه ليس هناك قرار سياسي بالأمر!”
في المحصّلة، ومع دخول لبنان عام 2021، موسم صيد المواطن اللبناني بدأ، والشعب المهدّد في لقمة عيشه أكثر فأكثر، لا يعرف كيف يقتات. واذا كان أحد يسأل عن لبنان ويشعر بأنّ له وجود على الخريطة، فلأنّ شعبه يلفظ أنفاسه الأخيرة بين وطأة إحتلال القرار السياسي ومشقّة الإستمرار في “مقاومة” توجّهها ايران.