في ظل هذه الظروف الصعبة والايام الحالكة، وكأن مصائب اللبنانيين المعيشية والحياتية والصحية لا قيمة لها، يخرج عليهم بعض المسؤولين مخاطباً إياهم، كأنهم يعيشون في المدينة الفاضلة، مقترحاً عليهم عناوين لا تغني ولا تسمن الا في زيادة الشرخ وتأجيج الخلافات.
قبل سنتين تقريباً من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، علت أصوات في التيار الوطني الحر، نواب ومناصرون، مطالبين بـ”التمديد” لرئيس الجمهورية، “لأن عكس ذلك هو ظلم بحقه وبحق قسم كبير من الشعب اللبناني”. لكن فات أصحاب الاقتراح أن جسّ النبض السياسي هذا، ومحاولة إطلاق معركة التمديد، دونه تعدٍ على الدستور اللبناني الذي لا يجيز لرئيس الجمهورية الترشح لولايتين متتاليتين.
فالمادة 49 من الدستور واضحة، إذ يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة 6 سنوات غير قابلة للتمديد او التجديد. ولا يمكن له العودة الى سدة الرئاسة الا بعد انقضاء 6 سنوات على مغادرته.
وعلى الرغم من أن الدستور يجيز لمجلس النواب تعديل الدستور، كما حصل سابقاً مع الرئيسين الراحل الياس الهراوي والأسبق اميل لحود، إلا أن هذا الامر دونه عقبات، لأن آلية التعديل معقدة، تبدأ من الحكومة، مروراً بثلثي أعضاء مجلس النواب، وصولا الى ¾ من عدد اعضاء المجلس النيابي، إذا كان هناك خلاف بين الحكومة والسلطة التشريعية على التعديل.
أكثر من ذلك، عالجت المادة 62 من الدستور موضوع خلو سدة الرئاسة، إذ أوكلت مجلس الوزراء، بأعمال وصلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة، حتى انتخاب رئيس بديل.
وفي السياق، تقول مصادر دستورية لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، إن تعديل الدستور “للتمديد” غير متاح اليوم، خصوصاً إذا عكسنا هذا الاقتراح على الوضع الراهن وما يعانيه من كباش حقيقي حاصل داخل الشرائح اللبنانية، لا سيما أنّ لهذا التعديل أصول وآلية وطريقة ونصاب، تعالجهم المادتان 76 و77 من الدستور، لافتة الى أن ظروف اليوم تختلف عما كانت عليه إبان الاحتلال السوري، الذي كان يمدّد لرؤساء الجمهورية، بطريقته المعروفة. هذا في الدستور، فماذا عن السياسة؟
كرم: استمرار لتدمير الدستور والدولة
يؤكد أمين سرّ تكتل الجمهورية القوية النائب السابق فادي كرم أن الحديث عن التمديد لرئيس الجمهورية، ليس إلا استمراراً للعقلية المدمرة لمنطقي الدستور والدولة، وطرحها من شخصيات لا ينطبق عليها توصيف السياسيين، غير مستغرب.
يشدد في حديث لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، على أن “القوات” لن توافق على التمديد لأنه مخالف للدستور ومدمّر لما تبقى منه، لافتاً الى أنه لو تم احترام الدستور لما كنّا وصلنا الى ما نحن عليه اليوم.
يضيف، “لقد تعدوا على سيادة البلد وسمحوا للدويلة بضرب مفهوم الدولة، وعلى الرغم من مطالب الشعب بالاستقالة وبانتخابات نيابية مبكرة لانتخاب رئيس جمهورية جديد منبثق من روحية الشعب، يمعنون بالقبض على السلطة، رغماً عن اللبنانيين، إن من خلال رفض الانتخابات النيابية المبكرة أو من خلال عدم السماح بوصول رئيس يمثل الناس ويحمي سيادة المؤسسات الدستورية”.
مصادر مقربة من حزب الله: التمديد غير مطروح
مصادر مقرّبة من حزب الله تستغرب بدورها توقيت هذا الطرح، الذي يعتبر موضوعاً خلافياً بين اللبنانيين، جازمة بأنه غير مطروح في الافق، وتذكّر بأن ولاية الرئيس لم تنتهِ أساساً وأن الظروف غير مهيأة اصلاً للتمديد.
وتشدد في حديث لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني على أن المرحلة تتطلب سعياً جدياً للخروج من الأزمة بدل اقحام أنفسنا في إشكاليات جديدة، مضيفة، “التمديد يطرح في الاشهر الاخيرة من الولاية، ومن الآن حتى ذلك الحين يخلق الله ما لا تعلمون”.
وترى أن الدعوة الى استقالة رئيس الجمهورية ليست بدورها الحلّ، الذي يكمن في تشكيل حكومة تحظى برضى المجتمعين الدولي واللبناني، وإجراء انتخابات نيابية وفقاً لقانون انتخابي جديد، والأهم انقاذ لبنان من الازمة الاقتصادية والمعيشية وترتيب الوضع الداخلي، مشيرة الى أن المبادرة الفرنسية لا تزال قائمة بغض النظر عن كل التفاصيل المحيطة بها، كما أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم يسعى لمعالجة الأمور.
ابو الحسن: فكرة جهنمية من عالمهم
“اللقاء الديمقراطي” بدوره هاله الطرح. النائب هادي ابو الحسن، يرى أن هناك من يعيش في الخواء منفصلاً عن واقع لبنان المأزوم، ويلفت الى أن اللبنانيين يفكرون في كيفية الخروج من جائحة كورونا والمحافظة على حياتهم وحياة من يحبون، وتأمين رغيف الخبز ومحاولة العيش الكريم، ليأتي من يعيش في مكان آخر، معاقباً إياهم بأفكار اقل ما يقال فيها إنها جهنمية تنتمي الى العالم الذي وعدونا به.
وإذ يشدد في حديث لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني على أن التمديد اصلاً يجافي الواقع والدستور، يجزم بأن “الاشتراكي” يعد الايام المتبقية من ولاية الرئاسة، بالساعة والدقيقة، وهي 640 يوماً حتى الساعة، سائلاً، “كيف لعاقل أن يطرح هكذا موضوع ويفكر بالتمديد لعهد لم يسبب سوى الخيبات والكوارث للبنانيين؟”.
نجم: الوطن قبل التمديد
تيار المستقبل لناحيته يتأسف لهذا النوع من الطروحات، وفي السياق يسأل النائب نزيه نجم، “هل من تحدث بهذا الأمر أكيد من طرحه”؟، وإذ يرفض التجديد لأي كان، يدعو لانتخابات حرّة سليمة والعمل على بناء بلد ووضع أسس لدولة ترعى شؤون مواطنيها وتكون الى جانبهم وتبحث عن مصلحتهم.
ويرى في حديث لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني ان الطبقة السياسية فشلت وعلى لبنان أن يحظى بوجوه جديدة ونظيفة، تحمي المواطنين وتعطيهم حقوقهم وتعالج مشاكلهم وتحقق بانفجار بيروت وتعيد الإعمار، متسائلاً، “هل يعقل الحديث عن التمديد قبل الحديث عن الوطن؟”.
ويشير الى أن هذه السلطة، بعدما ضربت الاقتصاد والصناعة والمصارف والليرة والمدارس والجامعات وقطاع الخدمات وحرقت بيروت، وفشلت في حماية الناس من كورونا، تستحق أن تكون في السجن وأن تخضع للتحقيق الجنائي، متسائلاً، “أين القرار ببناء الدولة وأين ضمير الحكام؟”.
زخريّا: لطالما ركّز التيار على استمراريّة العهد بدل نجاحه
تيار المردة، يتأسف بدوره لهذه الاجواء، وتقول عضو المكتب السياسي في التيار ميرنا زخريا، أن من أسباب فشل ولاية الرئيس عون، منذ الانطلاقة حتى الساعة، التركيز على “استمراريّة العهد” بدل التركيز على نجاحه، ما أوقع هذا الفريق خلال السنوات الأربع الماضية بمغالطات لا تعدَ ولا تحصى، معتبرة أن خبر تمديد ولاية ميشال عون، على لسان النائب ماريو عون، ليس بالخبر المستغرب.
وترى في حديث لموقع “القوات اللبنانية” الالكتروني، أن لعل توقيت خبر التمديد، جواب على الحملة المضادة التي طالبت وتطالب باستقالة عون بعد كمّ الأخطاء التي حصلت، ما يشير إلى مستوى اليأس الذي وصل إليه فريق الرئاسة، لكأنه يشكو للشعب بأنه لم يتمكن من تحقيق أي إنجاز في السنوات الست الأولى، وعليه، فهو بحاجة لولاية ثانية كاملة.
وتشدد على أن التمديد لرئيس الجمهورية يحتاج إلى تعديل دستوري، حيث يقوم عندئذ رئيس مجلس الوزراء بإرسال اقتراح تمديد إلى رئاسة مجلس النواب، وبعد الموافقة يتصاعد الدخان الأبيض، ما يضع رغبة التيار الوطني الحر أمام أكثر من عقدة بسبب سوء علاقته مع الجميع، باستثناء حزب الله.