الصناعة اللبنانية: شجاعة الميت على تأجيل دفنه

حجم الخط

كسائر القطاعات، تعاني الصناعة اللبنانية من شراسة الأزمات التي لحقت بها. وعلى الرغم من ذلك، التقطت أنفاسها في محاولة للنهوض والتضحية من أجل الاستمرار، حتى جاء الإقفال التام، ليخنقها ويكبدها خسائر فادحة. ناهيك عن انعدام القدرة الشرائية لدى معظم المواطنين، كما تراجع كميات الإنتاج وحجم الصادرات بشكل كارثي إلى جانب ما فعله تراجع الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي. بمختصر، الأزمة الاقتصادية الراهنة لم ترحم القطاع الصناعي، لكن الحرب لا تزال قائمة، وقد يخسر القطاع جولة لكن لا بد من الانتصار في بلد أولى أولوياته تحويل اقتصاده من ريعي إلى منتج.

“الأرباح بالأرض والشغل تحت الأرض”

“بتسكير وبلا تسكير الخسارة واقعة”، هكذا يعبر أحد الصناعيين عن وجعه ومعاناة هذا القطاع في معرض حديثه لموقع القوات اللبنانية الالكتروني، قائلاً، “قبل الإقفال كنا نواجه مشاكل كبيرة إذ ان أسعار المواد الأولية حتى المحلية منها ارتفعت بأشكال جنونية، ما دفعنا إلى رفع أسعار السلع النهائية، لكن هذا لا يعني أن صناعاتنا لا تزال مربحة”. ويتابع، “بهدف المحافظة على أسعار تنافسية، وعلى الرغم من رفع الأسعار اضطررنا إلى اقتطاع نسب من الأرباح لصالح سعر المواد الأولية ما جعل العمل مردود العمل رمزي بالكاد يكفي تكلفة الإنتاج ورواتب الموظفين”.

ويردف الصناعي، “الأرباح بالأرض والشغل تحت الأرض”، في إشارة إلى ان كمية الإنتاج تراجعت بسبب الأزمة الراهنة وما يتم انتاجه لا يعود بالربح مما يهدد استمرارية العديد من المصانع، مشيراً إلى أن “نسبة الربح الذي تناقصت أصلاً، عما كانت عليه أيام الـ1500، لم تعد تكفي لإصلاح الأعطال الطارئة، فكيف إذا تكلمنا عن تطور أو تقدم أو توسع؟”.

ويطالب الصناعي الدولة اللبنانية بدعم المواد الأولية وتأمين أقله دولار الـ3900 بسهولة للصناعيين بهدف تأمين الاستمرارية وعدم “انقراض” العديد من السلع الوطنية وتشرد أعداد كبيرة من العائلات اللبنانية التي قد يضحى أربابها عاطلين عن العمل.

خطر عارم يتهدد القطاع

ويظل القطاع الصناعي الأكثر قدرة على تأمين الـ”Fresh money” لبلد بأمس الحاجة لعملة خضراء تكبح جموح السوق الموازية، عبر التصدير، لكن منع الإنتاج والتصدير في ظلّ الإقفال التام خلق معضلة، خصوصاً أن القطاعات الصناعية والخدماتية تعيش جموداً غير مسبوقٍ. “كنا نعوّل على القطاع الصناعي لكنه تعرض لضربة قوية”، بهذه الكلمات يختصر الخبير الاقتصادي جوزف فرح وصف المشهد في حديث لموقع “القوات”.

ويشرح فرح في حديثه عن تأثير ارتفاع سعر الصرف على الصناعة اللبنانية، قائلاً إن “ثلث السلع الصناعية تعتمد على استيراد المواد الأولية، بالتالي أزمة الدولار أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الوطنية، لكن ليس بقدر ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة، لذلك يحاول القطاع الصناعي تأمين الاستهلاك المحلي، إذ ان الكثير من السلع باتت تصنع محلياً”، لافتاً إلى أن “المصانع كانت مستثناة في الإقفالات السابقة، أما الاقفال الأخير، فأجبرت المصانع باستثناء الصناعات الغذائية والدوائية على الإقفال، ما زاد معاناة القطاع. فبعد إقفال قاربت مدته الـ4 أسابيع، يهدد اتفاقات التصدير خطر عارم نتيجة تخلف المصانع اللبنانية عن التزام بتعهداتها، ما قد يؤدي إلى إلغاء بعضها ووقف الاستيراد من لبنان”.

تراجع الاستيراد: “نعمة مش نقمة؟”

تراجعت الصادرات بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، بحسب فرح، الذي يضيف، “حجم الصادرات الصناعية تراوح ما بين الـ2 و3 مليار دولار قبل انتشار جائحة كورونا، لكن بعد الأزمة، صحيح أن قيمة السلع ارتفعت لكن في المقابل تراجع حجم التصدير”.

ويؤكد الخبير الاقتصادي تراجع حجم الإنتاج المحلي ويعيده لأسباب شتى، يبقى أبرزها ضعف القدرة الشرائية وتصنيف حوالي 65% من العائلات اللبنانية تحت خط الفقر. لكن على الجهة المقابلة، يتحدث فرح عن بارقة أمل قد تأخذ القطاع إلى مكان آخر، إذ يشير إلى أنه “منذ أعوام معدودة بدأنا بمحاولات لتحويل الاقتصاد من ريعي إلى منتج”. تراجع الاستيراد من 20 مليار دولار إلى 10 مليارات، فتح المجال أمام الإنتاج المحلي لتلبية حاجات السوق وبأسعار تنافسية، “وأثبتت الصناعة نفسها من خلال انتشار سلع جديدة في السوق اللبنانية مبرهنة قدرتها على الإنتاج حين تلاقي الدعم المطلوب”.

خطة “المركزي” لدعم الصناعة “كلامية”

“مصرف لبنان أمن 100 مليون دولار لدعم الصناعيين بهدف استيراد المواد الأولية ضمن تعميمه رقم 566، لكن المعطيات تشير إلى ان 16 مليون دولار فقط تم صرفها للصناعيين، وهذا المبلغ ملك الصناعيين وموجود في المصارف لتلبية حاجاتهم”، ويعيد فرح الأسباب “لتأخر الرد على تلبية طلبات الصناعيين، كما تلبية الشروط التي وضعتها الخطة”؛ معتبراً أنه “على الدولة اللبنانية دعم الصناعيين وفتح المجال أمام تألق ونجاح القطاع الصناعي”.

ويوافق الخبير على وصف خطة الدعم تلك، بـ”الكلامية”، موضحاً أن من شروط الخطة “إدخال الـfresh money إلى لبنان بعد إتمام عمليات التصدير، إذ لبى بعض الصناعيين هذه الخطوة وارتأى آخرون الإبقاء على أموالهم في الخارج لسهولة التصرف بها”.

“يتركوا يشتغل”، بهاتين الكلمتين يختصر الخبير الاقتصادي السبل التي قد تؤدي إلى تألق القطاع الصناعي في لبنان، غير متناس ضرورة دعم الدولة للقطاع، ومشدداً في الوقت عينه على قدرة الصناعيين على الارتقاء بالقطاع شرط عدم وضع العراقيل بوجههم.

غياب الرؤية والتخطيط أساس المشكلة

كل القطاعات تأثرت بالإقفال التام، والقطاع الصناعي ليس استثناءً، إذ ان السياسات التي تم اعتمادها لتطبيق الاقفالات لم تكن ناجحة ولا مدروسة، برأي عضو كتلة التنمية والتحرير النائب فادي علامة، الذي يشارك في اجتماعات لجنة الاقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط البرلمانية، يعتبر أن الصناعة الوطنية بحاجة للتشجيع خصوصاً في ظلّ الأزمة التي تعيشها البلاد مع غياب أي حوافز وتسهيلات مقدمة للقطاع الصناعي.

ويعلّق علامة في حديث لموقع “القوات”، على تعميم مصرف لبنان رقم 556 الذي بحسب وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال عماد حب الله، تستفيد منه المؤسسات الصناعية في عمليات شراء جميع المواد الأولية الصناعية ذات المنشأ والمستوردة من خارج لبنان كما على صرف 16 مليون دولار من أصل 100 أمنها التعميم، لتسهيل هذه العمليات، قائلاً “هذه التجربة نعاني منها بالدولة اللبنانية ونعيشها في قطاعات ثانية، كالقطاع الصحي على سبيل المثال، إذ نعلن عن تحفيزات أو مستحقات يجب دفعها لنجد لاحقاً أن ما صرف مبالغ جد صغيرة، بسبب الوضع المالي والنقدي السيئ في لبنان”.

“دعم الصناعة المحلية في الظروف الراهنة، فرصة للبنانيين للاستفادة من منتجات محلية ذات أسعار تنافسية كما تخفيض كلفة التصدير والاستفادة منه ومعالجة ميزان المدفوعات”، ويتأسف علامة لعدم قدرة دعم هذا القطاع ومساعدته، عازياً الأسباب “لغياب الرؤية والتخطيط إذ ان بلد كلبنان يجب أن تكون أول وزارة سيادية في حكوماته هي وزارة التخطيط، ففي ظل غياب الخطط سنظل نشهد التخبط بين السياسات”.

ويوضح النائب علامة، أنه “ليتمكن القطاع الصناعي من المنافسة محلياً وخارجياً علينا دعم بعض المواد الأولية كما الحماية وإعطاء الأولية للمنتجات المحلية، فأنا أتأسف عندما تجري مؤسسات الدولة مناقصات لشراء أي سلعة ولا نعطي الأولوية للمصانع اللبنانية، إذ كل ما أعطينا أولوية للمصنع المحلي تمكن الأخير من زيادة حجم الإنتاج، بالتالي ينتج بأسعار أرخص وتتحسن شروط المنافسة”.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل