في الثالث من شباط الحالي، اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية، السلطات اللبنانية بـ”التقاعس” عن تحقيق العدالة في انفجار مرفأ بيروت، مطالبة بإجراء تحقيق دولي مستقل بالحادث. لم تتأخر السلطة السياسية كثيراً بإعطاء المنظمة الحقوقية الدولية خدمة “أنت على حق”، على طبق من فضة. فالملف عود على بدء بعد سحبه من يد المحقق العدلي القاضي فادي صوان، ووضع أكثر من 214 شخصاً بين قتيل ومفقود، و6000 جريح وعشرات الآلاف من العائلات المشردة، في اللامبالاة، استجابة لطلب نائبين استُدعيا الى التحقيق.
لم يعد خافياً على أحد، كيف يتمادى “الفجور” السياسي مع القضاء، خدمة لمصالح الطبقة الحاكمة والتستر على فضائحها. وفي هذا السياق، تؤكد مصادر قضائية عبر موقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني أن رائحة الضغط السياسي تزكم الأنوف في هذا القرار، بعد تجرُّؤ صوان على رؤوس كبيرة.
لكن كيف تتحقق العدالة إذا باتت كل المنظومة السياسية والقضائية، تدور في حلقة مفرغة، ومن ينقذ اللبنانيين وينصفهم، إذا بات القضاء اسير سلطة لا تعمل الا لحماية نفسها؟
مقابل التطورات الأخيرة والثقة المفقودة، علت مجدداً المطالبة بتحقيق دولي في ملف انفجار المرفأ، علماً أن تكتل “الجمهورية القوية” بصدد رفع عريضة الى الأمم المتحدة يطالب فيها بلجنة تقصي حقائق دولية في الملف.
وأمام امتناع حكومة تصريف الأعمال عن تقديم طلب الى الأمم المتحدة تطالب فيه بتعيين هكذا لجنة، يمكن للكتل النيابية إن أرادت، أن ترفع بنفسها عريضة تعلل فيها اسباب مطالبتها بالمساعدة “الدولية” التقنية للوصول الى العدالة. فهل هناك استعداد نيابي؟
ينفي نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علوش الانطباعات السائدة الرافضة للتحقيق الدولي في انفجار المرفأ، مذكراً بأن رئيس الكتلة سعد الحريري كان واضحا منذ البداية بقوله إنه لن يكشف الحقيقة الا تحقيقاً دولياً للأسباب التي نعرفها.
ويرى عبر موقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، أنه بحال تمكن القضاء اللبناني من إجراء تحقيق شفاف، فإننا لن نتمكن من الوصول الى نتائج، لان هناك اموراً تتخطى قدراتنا التقنية، ولأننا نعلم أيضاً، بوجود تدخلات سياسية وسلطوية وطائفية في كل الملفات، مضيفاً، “هذه المنظومة مهترئة ولا يمكنها تسيير الأمور”.
ويشير الى أنه في حال طُرح توقيع عريضة نيابية لرفعها الى الامم المتحدة، فتيار المستقبل سيوقعها.
عضو تكتل لبنان القوي النائب ادكار طرابلسي، يلفت بدوره الى أن سحب الملف من المحقق العدلي القاضي فادي صوان، لا يعني إطلاقاً توقف التحقيق، مشيراً الى أن التكتل سيناقش رسمياً هذا الأمر في اجتماعه المقبل.
ويشير في حديث لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، الى أن لجاناً دولية فرنسية والمانية وأميركية شاركت الأجهزة الأمنية في عملها، ورفعت تقاريرها الرسمية، إلا أن اللبنانيين لم يتمكنوا من معرفة النتيجة، وهذا أمر غير مقبول، وبالتالي ما النفع من التحقيق الدولي إذا كان سيحصل بهذه الطريقة؟ مضيفاً، “أنا ضد يروح الملف لمحاكم خارجية”.
عضو كتلة التنمية والتحرير النائب ميشال موسى، يضع الملف بعهدة القضاء اللبناني الذي يفترض به متابعة تحقيقاته، وإذ يعتبر أن التحقيق الدولي سيكون مادة خلافية وسجالية جديدة بين اللبنانيين، يبدي اعتقاده بانه سيتم التشكيك بنتيجته، في حال تم السير به.
ويحث، في حديث لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، القضاء اللبناني، على القيام بواجباته والإسراع في هذا الملف، لان الكارثة كبيرة ويجب صون حقوق الناس بمعاقبة المسؤولين، داعياً الى الدراسة المعمقة لقانون استقلالية القضاء الذي وصل الى لجنة الادارة والعدل.
عضو اللقاء الديمقراطي النائب فيصل الصايغ، يرى أن تجربة لبنان مع التحقيق الدولي ليست مشجعة، وإذ يبدي اعتقاده بأن القضاء الدولي لن يؤتي بنتيجة سريعة بهذه المرحلة، يتوقف عند المناخ الدولي العام، الذي لا يضع لبنان في سلم اولوياته، مستبعداً موافقة الخارج اصلاً على التدخل القضائي.
ويشير في حديث لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، الى أن لبنان حصل على مساعدة دولية فنية في تحقيقات المرفأ، وإذ يلفت الى أن بقاء التحقيق في يد القضاء اللبناني أفضل بكثير، يطالبه بأن يبعد عن نفسه التسييس في هذا الملف “المأساة”، مؤكداً أن جزء من الانهيار الحاصل في لبنان، هو انهيار في منطق العدالة.
ويشدد على أن الحل الأساسي يبقى في انجاز قانون استقلالية القضاء، وتطبيقه بشكل فعلي، كما بتوقيع رئيس الجمهورية على التشكيلات القضائية والسماح لمجلس القضاء الأعلى بتحمل مسؤولياته.