كيفما تلتفت في مجتمعنا اليوم، تغرقك نظرات البؤس في عالم من الهموم اللامتناهية. الوجوه الشاحبة مسيطرة بلا منازع على الساحة اللبنانية، وعلى الرغم من التزام معظم المواطنين بيوتهم، الحالة النفسية لا يخفيها “الاختباء” بالمنزل، فهي تنسحب على نظراتنا وكلماتنا، حتى على منشوراتنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
هذه الحالة “السلبية” المسيطرة، لم تأت من عدم، لكن إلى أي حد وصل “تغلغلها” في المجتمع اللبناني؟
“فقدان الأمل”، بهذه الكلمات بدأت المعالجة النفسية سيسيليا ضومط حديثها لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، حول صحة اللبنانيين النفسية، معتبرةً أن المجتمع يعاني من فقدان الأمل بسبب مجموعة عوامل أبرزها: الوضع الاقتصادي والبطالة. غياب الرؤية وضبابية المستقبل، أكثر ما يعاني منه الشباب اللبناني، ما ضاعف سعيه إلى الهجرة، بعدما فقد الشعور بالأمان والاستقرار، بحسب ضومط.
ولا يمكن التغاضي عن جائحة كورونا والحجر المنزلي عند تناول ملف الصحة النفسية، إذ ترى المعالجة النفسية أن “الحجر المنزلي فاقم الشعور بالإحباط لدى الأشخاص كما الشعور بالفراغ وأخيراً الوصول إلى الاكتئاب لدى عدد منهم”.
“الاكتئاب في لبنان على مستوى الوطن”، تقول ضومط، إذ ان “عدداً كبيراً من الأشخاص يعانون من الاكتئاب ما أدى إلى خلق ميول انتحارية وتم توثيق العديد من حالات الانتحار، وأسوأ ما في الأمر، أن المصابين لا يستطيعون اللجوء إلى المعالجة النفسية بسبب الأوضاع الاقتصادية”.
الحاجة للمعالجة النفسية ضرورية وكبيرة، توضح ضومط، مؤكدة ان “العيادات تشهد إقبالاً متزايداً، لكن الوضع الاقتصادي الراهن يمنع الكثيرين من متابعة علاجهم النفسي. أبرز حالة نفسية تتزايد أعداد المصابين بها في لبنان هي القلق الشديد، ومعظم اللبنانيين يعانون من القلق، إن كان بسبب الوضعين الاقتصادي والاجتماعي أو بسبب الخوف من الوباء وحتى “الخوف من بكرا”.
وتشير إلى الإدمان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما ازدياد حالات التحرش الالكتروني واستغلال الصور الحميمة، بسبب الحرمان والفراغ. تضيف، “غياب العمل والأمل كما سيطرة الضجر أديا أيضاً للجوء إلى المخدرات على كافة أنواعها”.
الإحباط والفراغ ليسا حكراً على الراشدين، لا بل حتى الأطفال في مجتمعنا أصبحوا يعانون بسبب تغيير روتين الحياة، إذ توضح ضومط، أن “غياب النظام والالتزام بالذهاب إلى المدرسة على سبيل المثال أدى إلى تغيير في نمط الحياة والتنصل من التزامات عدة، ما أبعده عن الاستقرار. وعندما تسيطر العصبية والانفعال تغيب الإلفة ويختفي الهدوء، وتضمحل المحبة والحضانة الصحية”.
أما المراهقون الذين يكوّنون شخصياتهم، فأهاليهم ليسوا بمزاج يسمح لهم بتلقف التغييرات التي يمر بها أبناؤهم، ما يؤدي إلى صدامات كبيرة بين المراهقين والأهل. بالإضافة إلى الحرمان المادي، وتغيير المسؤوليات المنزلية مع غياب العاملات في المنازل.
تفاقُم هذه المعضلات يخلق صدامات داخل العائلات ما يؤدي إلى انشقاقات، بحسب ضومط، “لكن أفراد العائلة مرغمون على البقاء سوياً بسبب الحجر المنزلي المفروض، لذا نشهد تزايداً في حالات العنف المنزلي، كما من المتوقع أن يرتفع عدد حالات الانفصال والطلاق بمجرد انتهاء الاقفال التام”.
أما كبار السن الذين يشعرون بالوحدة في ظل الحجر المنزلي، ولم يتمكنوا من استيعاب فكرة أن أبناءهم لا يزورنهم بهدف حمايتهم من كورونا، يعيشون الإحباط والاكتئاب في ظل ظروف هم أكثر حاجة لأولادهم فيها.
أما الشباب، هم أكثر المتضررين نفسياً، برأي ضومط، التي تعيد الأسباب “للمخاطر التي تحيطهم من عدة جهات، كعدم الاستقرار كما القلق الشديد والاكتئاب، والخوف من المخدرات والإدمان السلوكي، إذ ان الشباب قد يلجؤون إلى التنفيذ ما يعني أنهم ربما يقدمون على الانتحار، وهذا أخطر ما في الأمر”.
من ناحية أخرى، تشرح أن “الإدمان على الانترنت ازداد بشكل كبير، وهو أرخص وأسهل هروب، بظل ارتفاع أسعار الكحول والمخدرات ما لا يلغي الإدمان على هذه المواد أيضاً لكن الأزمة الاقتصادية تجعل الإدمان على الانترنت هو الأكثر شيوعاً. كما أن نسبة التدخين ازدادت بشكل كبير خصوصاً في صفوف الشباب”.
أما الانفجار الذي لم تتبين أسبابه بعد ولم تحدد المسؤوليات فيه، وكشف هذه الحقائق الوحيد الذي يشفي غليل اللبنانيين، فآثاره لا تزال حاضرة في مجتمعنا، إذ ان الكثير من الأشخاص لا يزالوا يعانون من صدمته، وآخرون يشعرون بالخوف والقلق الشديد مما حصل، كما أن من شاهد الأحداث لا يزال تحت تأثيرها، والبعض لا يزال يعيش الاكتئاب بسبب الخسارات، أما أسوأ ما يحصل، بحسب ضومط، فهو خيبة الأمل والعجز التي يعيشها الناس بسبب غياب الاستنتاجات حول من يتحمل المسؤولية، من أجل الشعور بالأمان.