أكثر من مرة نعى الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، القرار الدولي 1701 الذين صدر عن مجلس الأمن بعد حرب تموز 2006، معتقداً أن بالتصويب عليه، قد يتمكن من اسقاطه، لكن الرعاية الدولية لهذا القرار ليست وليدة ساعتها، والقرارات الدولية تصدر لتنفذ، بغض النظر عن الظروف التي تحيط بها. ما يعزز هذه الفرضية، التقارير الدورية التي لم تتوقف يوماً والتي تحث على ضرورة السير قدماً بتطبيق كل بنود القرار. ما يلفت في التقرير الأخير توقفه عند القلق العميق إزاء الأزمة الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والمالية في لبنان، التي استمرت في التدهور منذ الاجتماع الأخير لمجلس الامن في تشرين الثاني الماضي، الأمر الذي كانت له تداعياته أيضاً على أمن البلاد واستقرارها، وشدد التقرير على تحرك السلطات اللبنانية بشكل عاجل لوقف الأزمة المتفاقمة وضمان الحكم الرشيد.
تزامن التقرير الدوري للأمم المتحدة، مع إعلان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، تغيير النهج والأسلوب في الأسابيع المقبلة في ما يتعلق بلبنان. فماذا يجري فعلياً على الخط الأممي، وهل من ترابط بين التصعيد الفرنسي ومضمون الرسالة الدورية المتعلقة بالـ1701؟
يؤكد مستشار رئيس حزب القوات اللبنانية لشؤون العلاقات الخارجية ايلي خوري، أن من أبرز ما تطرق اليه القرار الدولي 1701، في الفقرة العاشرة، ترسيم وحماية الحدود الدولية للبنان، وليس فقط حدوده الجنوبية، موكلاً هذه المهمة الى الدولة والجيش اللبنانيين اللذين عليهما بسط سلطتهما على كامل الحدود اللبنانية، وإذ يوضح أن لبنان بإمكانه الإستعانة بقوات اليونيفيل لمساعدته على ضبط حدوده، وصولاً الى الحدود الشرقية، يؤكد أن هذا الأمر لا يحتاج الى قرار دولي ثانٍ، لأن الـ1701 يعطي الدولة اللبنانية حقاً حصرياً ببسط سلطتها بقواها العسكرية والأمنية، على كامل حدودها.
ينطلق خوري، في حديث لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، من هذه النقطة، ليعلق على أهمية ما ورد في تقرير الأمم المتحدة لناحية الأزمة الإقتصادية. يرى أن عملية ضبط الحدود اللبنانية منوطة بالسلطة الشرعية والجيش اللبناني، وبالتالي، ينظر المجتمع الدولي بقلق بالغ، الى الملف المعيشي ـ الاقتصادي وإلى وضع القوى العسكرية، بعدما أعلن قائد الجيش جوزيف عون جهارة أن “العكسري يعاني ويجوع”، لافتاً الى أنه من البديهي أن يتناول تقرير الأمم المتحدة (1701) الذي يراقب الوضع اللبناني عن كثب وحذّر السلطات اللبنانية (رئيسا الجمهورية والحكومة وحاكم مصرف لبنان منذ أكثر من 5 سنوات استناداً الى تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي)، من تدهور الوضع المعيشي، لا سيما أنه تحسس الاهتراء الاقتصادي التام، وعجز مؤسسات الدولة عن القيام بمهامها، مضيفاً، “ما نفع القرارات الدولية، إذا كان مستقبل دولة معنية بأحد هذه القرارات مهددة بالزوال؟، من هذا المنطلق تأتي تحذيراتهم ومناشداتهم”.
لكن كيف لضبط الحدود والإصلاح أن يتحققا في ظل هذه الظروف، ومن يتابع تنفيذ القرارات الدولية؟ يعطي خوري مثلاً عن موقف رئيس الجمهورية ميشال عون الذي قال منذ أشهر قليلة إنه سيدعو إلى جلسة لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية، إضافة الى إطلاقه عملية إصلاح الدولة. ويوضح أن أي عملية إصلاحية للوضع الاقتصادي، لا بد أن تمر بالاستراتيجية الدفاعية التي تعيد القرار السياسي والعسكري الى الدولة اللبنانية المركزية، من خلال إغلاق المعابر غير الشرعية وإصلاح الدولة ومؤسساتها المتعثرة، مؤكداً أنه بعد الاستراتيجية الدفاعية، يمارس حزب الله، الذي يمثل شريحة من اللبنانيين دوره السياسي، فيكون لاعباً سياسياً في السلطة والدولة حتى تتمكن اي حكومة من تطبيق الإصلاحات، وتقديم الخطط التنموية، لأن اي إصلاح لا يمكن إلا أن يبدأ بضبط الحدود والجمرك ومنع التهريب.
“لا يمكن للمجتمع الدولي التدخل مباشرة لتطبيق قراره الدولي، إلا بناء على طلب الشرعية اللبنانية إن وجدت”، يقول خوري، لكن قلق المجتمع الدولي يبدأ بالتنامي، إذا أمعنت إسرائيل بتهديد لبنان وخرق سيادته مبتدعة حجج وجود صواريخ دقيقة ومسلحين ومصانع أسلحة، ما يشكل خرقاً للقرار 1701، متحدثاً عن تخوف أممي من اشتباك داخلي بمفهوم اقتصادي كالذي حصل في السوبرماركت والمواجهات المحدودة في الشارع، اذ تكون الدولة اللبنانية عاجزة عن القيام بمهامها.
يرى خوري أن الهدف من الـ1701 هو تطبيقه، علماً أنه أتى بعد حرب تموز، وقبل حزب الله ببنود كان يرفضها، مقدماً تنازلات كثيرة، قد يكون أبرزها إقامة منطقة بين الخط الأزرق والليطاني خالية من أي مسلحين أو ممتلكات أو أسلحة غير تلك التي تنشرها في المنطقة الحكومة اللبنانية وقوة الطوارئ الدولية، إضافة الى تطبيق كامل لبنود اتفاق الطائف والقرارين 1559 و1680 اللذين يطالبان بنزع أسلحة كل المجموعات المسلحة في لبنان، لتصبح الدولة اللبنانية وحدها تملك أسلحة وتمارس سلطتها في لبنان.
هل من تقاطع بين تقرير مجلس الأمن وموقف ماكرون؟ يشير خوري إلى أن الضغوط الفرنسية ستزداد، وهي تتزامن مع التحرك الروسي وزيارة وفد حزب الله الى موسكو وآخر تطورات الحكومة، معتبراً أن الرئيس الفرنسي سيكون منشغلاً في المرحلة المقبلة بالانتخابات الفرنسية، وبمصالح دولته. ويضيف، “لست واثقاً من الحماس الفرنسي لقيام حكومة لبنانية في هذه الظروف، فهم لديهم اعتباراتهم، ويعلمون أن الملف اللبناني مرتبط بالملف الإيراني ـ الأميركي، وبالتالي لا تزال أميركا بحاجة إلى عدة أشهر، حتى تعيد رسم أولوياتها وخطتها وسياساتها الخارجية، علماً أن أولويتها اليوم في الشرق الاقصى ومواجهتها السياسية مع الصين، ومن هناك يبدأ كل شيء”.