قُضي الأمر. إما تكون حكومة بشروط حزب الله، أو لا حكومة. مرشد الجمهورية الأمين العام للحزب حسن نصرالله حسمها الخميس الماضي. أسقط كل الاقنعة التي اختبأ خلفها لأشهر، وقال “لا” كبيرة للمبادرة الفرنسية وللاختصاصيين مطالبا بتكنو ـ سياسية، ما يعني ضمنياً أنه لا يريد التأليف الآن لأن الحكومة لا تزال ورقة تحتاجها طهران، خصوصاً أنه يدرك جيداً أن الرئيس المكلف سعد الحريري من المستحيل أن يرضى بإدخال سياسيين الى مجلس الوزراء العتيد.
هذا ما تقوله مصادر سياسية عليمة بخفايا التأليف، في حديث لموقع القوات اللبنانية، لافتة إلى أن الحكومة المطلوبة اليوم قبل الغد، رُحّلت الى اجل غير مسمى، منذ ساعات قليلة، وتكرّست هذه الحقيقة المُرّة، إثر لقاء الـ22 دقيقة بين رئيس الجمهورية ميشال عون والحريري، الذي نسف كل جهود رأب الصدع والوساطات التي بُذلت للتوفيق والتقريب بينهما.
الانفجار الذي انتهى إليه اللقاء 18 ليس في الواقع إلا هزة ارتدادية لمواقف نصرالله، تتابع المصادر. فبعدما رصّت الضاحية الصف مع حليفها الرئاسي ـ البرتقالي، ارتاح الأخير في تموضعه، وعاد ليستأنف، بقوة أكبر، مخطّطه الأساسي: التخلّص من الحريري كرئيس مكلف. هذه المرة، ذهبت بعبدا بعيداً وحاولت إغضابه واستفزازه، علّ هذه الوسيلة تفيد في دفعه الى الاعتذار، فأرسل عون تركيبة وزارية للحريري، في سابقة من نوعها دستورياً وقانونياً. وهذه الخطوة، ما كان ليُقدم عليها القصر لولا الغطاء أقلّه المعنوي، الذي أمّنته له الضاحية، وتردد أن الصيغة العتيدة نُقلت الى بيت الوسط عبر حزب الله كوسيط.
الأكيد، وفق المصادر، لا يريد الحزب إلا الحريري رئيساً للحكومة. غير أنه في الوقت “الاقليمي” الضائع، لا يمانع أن تستعر المواجهة بين بعبدا وبيت الوسط، فيتعطّل التشكيل، أي يكون له ما يريد، من دون أن يضطر هو إلى تلويث يديه بهذه العملية الانتحارية للدساتير والبلاد والعباد، ولا أن يضع نفسه هو، في بوز المدفع، وهل يطلب الحزب أكثر من أن يتولّى طرف آخر، مهمّةَ العرقلة والتأخير، نيابةً عنه؟
من هنا، إلى أين؟ المصادر تتوقع أن تتكثف الاتصالات بين بعبدا وميرنا الشالوحي والضاحية لتفعيل نشاط حكومة تصريف الاعمال، كبديل من التشكيل الضائع، وقد يلجأ عون في هذا المسار إلى دراسات واستشارات قانونية “جريصاتية”، لإجبار رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب على “التجاوب”.
هذا في الداخل. أما في الخارج، فقد يزور عواصمَه مسؤولون لبنانيون مدنيون وغير مدنيين. لكن هذه الحركة ستكون كلّها بلا بركة، لأن المجتمع الدولي، العربي والأوروبي والأميركي والأممي، وإزاء رعونة المنظومة التي أوصلت لبنان الى الحضيض ورمته في أتون الفقر والجوع والمرض التي ستتفاقم في قابل الايام، يعد العدة اليوم لنزع الكف المخملي الذي ارتداه لأشهر في التعاطي مع الطبقة الحاكمة، ليستخدم مكانه “القبضة الحديدية”، تؤكد المصادر.