في 27 شباط الماضي، قال البطريرك الماروني بشارة الراعي كلمته، وانتظر قليلاً علّ المعنيين في ملف تشكيل الحكومة يصلون الى حلّ، فما كانت النتيجة، بعد أكثر من 24 يوماً، إلا مزيداً من التأزم وضرباً للدستور. وصلت بكركي الى قناعة ثابتة أن من يديرون شؤون البلاد غير قادرين على انتشاله من الهاوية التي وصل اليها، فما كان منها إلا أن رفعت مبادرتها بطرحين أساسيين، “مؤتمر دولي من أجل لبنان والحياد”، ومن هذين البندين تتفرع كل البنود الأخرى.
انتقل سيد الصرح من الإعلان عن الخطوط العريضة لطرحه، الى التطبيق، متمسكاً بكل الأدوات المتاحة لإعادة لبنان الى الدور الذي من أجله كان، ولفتح باب العالم أمام المسيحيين واللبنانيين وتحرير البلد من القيود والاحتلال الذي يتخبط بهم.
في مشاورات هاتفية بينهما، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن اهتمامه الشديد بالوضع اللبناني وبضرورة تأليف حكومة والحفاظ على لبنان بعيدا من الصراعات، فيما أبلغ البطريرك الراعي، الأمين العام، أن اللبنانيين ينتظرون دوراً رائداً للأمم المتحدة، لا سيما أن لبنان عضو مؤسس وفاعل في المنظمة الدولية منذ تأسيسها.
في هذا السياق، تكشف مصادر كنيسة رفيعة المستوى، عن أن غوتيريش استمع الى الأسباب الموجبة لدعوة الراعي الى عقد مؤتمر دولي، مشيرة الى أن التواصل على هذا المستوى، يؤكد أن المسألة لم تعد ملكاً لبكركي وللقوى السياسية المؤيدة لها، إنما اصبحت داخل أروقة مجلس الأمن وبيد الأمين العام، وترى أن هذا التطور النوعي لا يجب التعامل معه إطلاقاً بخفة، مشددة على أن مجرد حصول المحادثات الهاتفية بين الراعي وغوتيريش، يعني أن مسألتي الحياد وعقد مؤتمر دولي للبنان، ستبحثان رسمياً من قبل الأمين العام وستعرضان على مجلس الأمن لاتخاذ القرار المناسب.
وتشير المصادر، في حديث لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، الى أن الراعي أكد خلال مشاوراته الهاتفية، أن لبنان منذ أن رعت الأمم المتحدة القرارات الدولية ووثيقة الوفاق الوطني واتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الى اليوم، هو دولة متعثرة غير قادرة على تحمل مسؤولياتها، وأن التلكؤ في تطبيق الدستور أدى الى هذا الانهيار. كما لفت الراعي الى أنه انطلاقاً من كون لبنان عضو مؤسس في منظمة الامم المتحدة، فعلى المنظمة الدولية تحمل مسؤولياتها تجاهه، منعاً لانزلاقه نحو حرب وفوضى شاملة، لجهة تطبيق الدستور الذي لم يطبق منذ العام 1990، الى الالتزام بالقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن، وتحديداً تلك التي ذكّر بها السفير السعودي وليد بخاري منذ يومين من قصر بعبدا، الـ1559 والـ1680 والـ1701.
وتكشف عن أن العرض الهاتفي المفصل بين الجانبين، تطرق أيضاً الى غياب المرجعية اللبنانية القادرة على منع البلاد من الانزلاق نحو الفوضى، مع الإشارة الى أن أولوية الفريق الحاكم، تتمثل بإعلاء مصالحه ونفوذه ومكاسبه على مصلحة اللبنانيين العليا، الأمر الذي أدى الى فراغات متواصلة قادت لبنان الى الهلاك والفقر والمجاعة، إضافة الى عدم تطبيق الدستور والقرارات الدولية، لذلك اصبحت الحاجة ملحة الى عقد مؤتمر دولي برعاية الامم المتحدة، من أجل تطبيق الدستور وعودة الدولة اللبنانية الى ممارسة مسؤوليتها، وبقاء لبنان كدولة قائمة بحد ذاتها.
وتجزم المصادر الكنسية أن البطريرك الراعي شدد على مسألة الحياد، باعتبار أنه في اللحظة التي سقط فيها الحياد، سقط لبنان والاستقرار فيه، مشيرة الى أن هذه المسألة تعتبر تكوينية في نظام لبنان السياسي بفعل التعددية السياسية. تضيف، “كان البطريرك واضحاً بشرح هذه النقطة، إذ عندما طُبق الحياد، كان لبنان سويسرا الشرق، وعندما سقط الحياد، تحول لبنان الى ساحة مستباحة للقوى الخارجية، وسقط الاستقرار”، مؤكدة أن بكركي ستستكمل مشاوراتها مع الأمم المتحدة، وستعمل على خطين متوازيين:
الأول، اجتماعات البطريرك الراعي بشكل منفصل، مع سفراء مجموعة الدول الخمس زائد واحد، لشرح أسبابه الموجبة تلافياً لأي فيتو، والثاني، دخول الفاتيكان بقوة من دون الإعلان عن ذلك، من أجل الدفع لعقد مؤتمر دولي، لأن الوضع لم يعد يحتمل لا وطنيا ولا سياسيا ولا ماليا.
تستغرب المصادر الكنسية كل ما يحكى عن رفض للتدويل من قبل فئات معينة، تريده menu a la carte، إذ تطبق مثلاً ما يخدم مصالحها من القرارات الدستورية واتفاق الطائف، وتمتنع عن السير بما يتعارض مع مصالحها، مشددة على أن منطق الازدواجية في التعاطي مع القرارات الدولية والدستور انتهى، وإذ تلفت الى أن لبنان دخل في مرحلة جديدة، بعدما رأى العالم بأسره أن الوصاية الخارجية والسلاح غير الشرعي أوصلا البلاد الى الهلاك، تؤكد أنه على المجتمع الدولي التحرك للحفاظ على لبنان خصوصاً ان انهياره وذهابه الى الفوضى والحرب ينعكسان سلباً على الجوار.