تمكّنت المنظومة الحاكمة من الحصول على شهرة واسعة بفضل عملها المتواصل لسحق أي أمل بخلاص البلد وأهله. كأن رجالها وجدوا في لبنان عن طريق الخطأ، يعملون لمصالح دول الإقليم طمعاً بمكاسب شخصية. فبدا واضحاً للبنانيين أن تصرفات ساستهم ليست هفوات دبلوماسية، بل سياسة تتبعها السلطة وهي بكامل قواها العقلية ولو على حساب لبنان ومصالحه وتاريخه.
تارةً يبحثون في “علب” الكلام عن حجج لتبرير التطبيع مع الأنظمة المعزولة، وتحديداً سوريا، وطوراً يحاولون إيهام الناس أن خطواتهم هذه، ستعيد النازحين وتحل المشاكل غير ابهين بتداعيات خطاباتهم وخططهم على البلد على الرغم من التحذيرات الدولية. وبدأت الخطوات مع النائب جبران باسيل الذي طالب بإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، كما ضرورة التواصل مع النظام السوري لإعادة النازحين، واستشهد بالأسد لتحصيل حقوق المسيحيين. وآخرها، حجة وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبي الذي أوضح للسفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا والتي ذكّرته بقانون قيصر، أنه بصدد الإعداد لزيارة يقوم بها لوزير الخارجية السوري وسيلبيها بالوقت المناسب، لمناقشة ترسيم الحدود.
فما أهداف العلاقات اللبنانية بالنظام السوري في ظل تداعيات قانون قيصر والعزلة الدولية؟
“لا يزال عهد رئيس الجمهورية ميشال عون يعتبر أن نظام بشار الأسد هو الدولة السورية وهو صاحب القرار السوري داخلياً وخارجياً وهذه مقاربة خاطئة”، يعتبر المحلل السياسي الكاتب أسعد بشارة، ويلفت في حديث لموقع “القوات” الالكتروني إلى أن “هذا النظام محاصر دولياً وعربياً وهكذا خطوات من السلطة اللبنانية تدخل لبنان رسمياً بالحصار الدولي وكأنه لا يكفي ما عانه اللبنانيون من نظام الأسد حتى جاء اليوم، من كانوا يدعون في السابق مواجهة الاحتلال السوري وأشد المعارضين للنظام في الخطابات والتصريحات، يريدون الآن تطبيع العلاقات معه، لا بل أكثر يحاولون إضافة شرعية غير موجودة لهذا النظام مطالبين بإعادته إلى جامعة الدول العربية”.
ويضيف بشارة، “أي تحد لقانون قيصر وأي محاولة لإعطاء النظام السوري متنفساً عبر لبنان، اقتصادياً أو سياسياً مشروع انتحار جديد لا بل قتل لمستقبل لبنان وشبابه، يضاف إلى مشاريع الانتحار التي أرهقت لبنان وأدخلته في الانهيار”.
“وفي هذا السياق لا يمكن النظر إلى كلام جبران باسيل ومحاولات للتطبيع مع النظام السوري إلا على أنها تمثل استمراراً لسياسة النزعية الشخصية على حساب مصلحة لبنان واقتصاده.
فبدل أن يطالب باسيل بوقف التهريب عبر الحدود ها هو يدعو لإعطاء النظام السوري الذي هو جزء من محور إيران، دوراً وتأثيراً في لبنان من خلال الانتخابات الرئاسية وغيرها. وبدل أن يسأل باسيل عن مسؤولية النظام السوري بقضية نترات الأمونيوم وتفجير بيروت، ها هو يسير في الاتجاه المعاكس الذي يؤمن مصالحه ومصالح عمّه”.
وعن التذرع بقضية النازحين، يعتبر بشارة أن “استخدام هذه الحجة هو أكبر عملية تضليل يمارسها هؤلاء لأن النظام السوري هو من يمنع عودة النازحين فإذا هم فعلاً يعولون على النظام فليطلبوا منه إعادتهم بعدما هجرهم بمساعدة حزب الله إلى لبنان وكل دول العالم، هذا الأمر لن يحصل لأنه وكما بدا واضحاً التغيير الديمغرافي الحاصل في سوريا الآن يلعب لصالح النظام وهو يريد الإبقاء عليه وهذا ما يمنع عودة اللاجئين”.
“هذه معارك وهمية شعبوية تهدف لإثارة العواطف والأداء يشي بأن كارثة تلو الأخرى تنتج عن هذا العهد”، يقول بشارة، مضيفاً، “فكل هذه التصرفات الدبلوماسية ليست بهفوات إنما هي حقيقة ما يفكر به هذا الفريق. وزير الخارجية شربل وهبة مثلاً كان صادقاً مع نفسه وترجم عملياً ما يفكر به العهد وأربابه”.
وعن قانون قيصر، يؤكد بشارة أن “القانون قائم ونافذ ويعاقب كل من يحاول تعويم نظام الأسد ومساعدته اقتصادياً لكن محور الممانعة هنا في لبنان لا يكترث لخراب البلد وانغماسه أكثر فأكثر بوحول الصراعات الإقليمية والعقوبات الدولية”.
أما خبير الشؤون الاقتصادية والسياسية سامي نادر يعتبر في حديث لموقع “القوات” الالكتروني أن علاقة النظام السوري بلبنان لم تكن يوماً علاقة طبيعية، بل دائماً كانت متشنجة غير متوازنة لكن في الوقت ذاته هذه العلاقة ضرورية إنما بأشكال أخرى لأن موقع لبنان الجغرافي يحتم عليه نسج علاقات متينة مع البلدان العربية المجاورة، إنما على أساسات واضحة المعالم بعيدة عن تفضيل مصالح سوريا على مصلحة لبنان”.
ويلفت نادر إلى أن “مسألة عودة النازحين أمر ملحّ وضروري. وإذا كان النظام السوري فعلاً جاد برغبته بعودة النازحين إلى سوريا فالتواصل لن يكون صعباً والمسألة لن تأخذ الكثير من الوقت وإلا فسيصبح جلياً أن النظام السوري لا يرغب بعودة النازحين”.
“فالتواصل مع النظام السوري ممكن في ما يتعلق بالمسائل الدبلوماسية أما الأمور الاقتصادية وعودة التبادل التجاري فهي سترتب على لبنان تداعيات خطيرة من جراء قانون قيصر، فهكذا خطوات ليست في مكانها اليوم وغير مفيدة بل على العكس مضرة بالمصلحة اللبنانية العامة”، يجزم نادر.