هل تُنعش الزيوت العطرية دير الأحمر؟

حجم الخط

 

لطالما عانت منطقة دير الاحمر من الحرمان المزمن المتفشي في بعلبك – الهرمل ككل، الى جانب دفعها فاتورة ثباتها في خطها “السيادي” في زمن النظام الامني اللبناني- السوري من جهة وعدم وجود إطار تنظيم رسمي فعال قبل إنشاء إتحاد للبلديات التي تمثل السلطات المحلية المنتخبة وقد تأسس بناء على المرسوم 6852 تاريخ 17-11-2011 من جهة أخرى.

 

بعد إنتهاء الحرب، شكلت وعود الدولة بزراعات بديلة في البقاع الشمالي وفشلها على الرغم من توفر التمويل الدولي، عينة عن عدم وجود إدارة رشيدة وشفافية وعدم اعتماد سياسات مستدامة بحيث لم يكن الأمر أكثر من إجراءات خبط عشواء ومن باب للفساد والنهب على حساب معاناة المواطنين كما جرى في تحويل مشاريع الصرف الصحي التنموية الى كوارث صحية وبيئية وإقتصادية من محطة إيعات الرئيسية الى محطات فرعية في اليمونة ودير الاحمر وغيرها… من هنا يفهم فقدان الثقة بالدولة المركزية القائمة واداراتها، أكان من قبل الدول المانحة والمنظمات الدولية أو من قبل المواطنين وإنتقال الطرفين الى التعاون المباشر بينهما.

 

اليوم بلدات دير الاحمر أمام فرصة ستثبت الأشهر المقبلة جدواها ومدى إمكانها المساهمة في إنعاش المنطقة ومساعدة المزارعين على البقاء في ارضهم والعيش بكرامة وربما تأمين مداخيل لهم بالـ”فريش دولار”.

 

بين دير الأحمر وهولندا

 

ففي إطار التعاون القائم بين اتحاد بلديات دير الاحمر ووكالة التعاون الدولي لاتحاد بلديات هولندا VNG International كواحدة من أربعة شركاء في برنامج مسار للحكومات المحلية MASAR تم إطلاق حقل زراعي تجريبي السبت 22/5/2021 لتعريف المزارعين على زراعات بديلة وتقنيات حديثة من ضمنها النباتات الاكثر إنتاجاً للزيوت العطرية التي قد تستخرج منها. يندرج هذا المشروع ضمن سلسلة مشاريع ينفذونها في المنطقة، بناء على مذكرات التفاهم والشراكة والتي تمتد لسنتين 2021-2022.

 

مسؤولة منطقة البقاع في برنامج “مسار” الممول من صندوق مدد الاستئماني للاتحاد الأوروبي السيدة ملاذ قوّاس تشدد على ان أهمية مشروع الحقل الزراعي التجريبي الذي يتم إطلاقه تكمن بأنه يعطي الانسان سنارة ويعلّمه الصيد عوض الاكتفاء بإعطائه سمكة.

 

كما تشير قوّاس الى تركيزهم في المشاريع التي ينفذونها في منطقة دير الاحمر على التخطيط الاستراتيجي البلدي والتي يندرج ضمنها:

 

• نظام المعلومات الجغرافية GIS (Geographic information system) وهو‏ نظام قائم على جمع وصيانة وتخزين وتحليل وإخراج وتوزيع البيانات والمعلومات المكانية، والسعي لتجهيز إحدى البلديات بـ management softwareلادارة الشؤون الادارية والبلدية، مع تدريب مجموعة من النخب الشبابية المهتمة بالشأن العام وبهذا النظام، ومختصة بعلم المساحة والهندسة والاحصاء والكمبيوتر… كذلك تحسين إدارة الخدمات العامة مثل البنى التحتية لمياه ري من البرك والتدريب على نظام التنقيط والترشيد والتوزيع والصيانة.

 

• المساهمة في مشروع تحويل منطقة الاتحاد الى بيئة نظيفة من خلال الفرز وإعادة التدوير للنفايات الصلبة: من الدراسة التشغيلية لمركز المعالجة (هو قيد الانجاز بتمويل من الشعبين الياباني والهولندي عبر برنامج الامم المتحدة الانمائي UNDP)، الى الفرز من المنزل عبر التوعية والتدريب للجان محلية، وإستكمال التجهيز المنزلي بمستوعبات خاصة تساعد على الفرز. هذا المشروع يهدف الى خلق فرص العمل.

 

• مساعدة الاتحاد في بناء القدرات وتقديم المساعدة التقنية بإنشاء وتدريب الوحدة التقنية لإدارة مياه البرك وصيانة الشبكات المرتبطة بها من التخزين الى التوزيع بالتعاون مع البلديات المعنية والتعاونيات الزراعية، وتنفيذ قسم من شبكات التوزيع مع فلاتر ضرورية لبركتي بتدعي وبشوات القائمتين لحل مشكلة إنسداد النقاطات.

 

من ناحيته، يثني رئيس اتحاد بلديات منطقة دير الاحمر المحامي جان فخري على التعاون القائم ويوضح ان هذا الحقل أقيم في نطاق مدرسة العائلة المقدسة – سيدة البرج بناء على مذكرة تفاهم وشراكة مع جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد، ليكون بمثابة مركز تدريب تجريبي حيث سيتم زرع اصناف عدة كالخزامى( lavender) والصعتر وأكليل الجبل والزعفران لمعرفة مدى القدرة على الانتاج بمنطقة شبه جافة وطقس متقلب واستخراج الزيوت العطرية بما فيها من جودة ونوعية واستصدار هوية لها تحمل إسم المنطقة الى العالم، وتعريف المزارعين على الزراعة المائية داخل الخيم البلاستيكية والتي هي جديدة على المنطقة.

 

مواكبة

 

قوّاس التي تؤكد أنهم كـ”مسار” سيواصلون مواكبة هذا المشروع حتى نهاية العام 2022، تشير الى انهم استعانوا بخبير زراعي زار المنطقة ودرس طبيعة التربة وبناء على دراسة جدوى اعدّها اقترح الزراعات التي لا تحتاج الكثير من مياه الري ويمكن ان يكون مردودها مرتفعاً.

 

تضيف: “اليوم سنعتمد على شخص متخصص لتنفيذ مشروع الحقل التجريبي الذي يشمل مراحل عدة بدءاً من الزرع الى كيفية الري بالتنقيط و hydroponics والحصد والتدريب على الآلة المتخصصة التي تم استيرادها من الصين خصيصاً لاستخراج هذه الزيوت وكذلك فتح الخيارات امام المزارعين الذين يقررون اعتماد هذه الزراعات البديلة لتصريف الانتاج إما كمواد خام او بعد التصنيع في الاسواق المحلية او الخارجية. كما سيتم ربطهم بالشركات المتخصصة التي تستخدم الزيوت العطرية ضمن منتجاتها والموجودة في السوق اللبناني فإما يتم التعاون معها او يستفاد من خبرتها لخلق هوية لمنتجات المنطقة وتسويقها داخل وخارج لبنان”.

 

كما تشدّد قوّاس على ان الشراكة بين المزارعين وتوحيد الجهود يساعدان على تسهيل تصريف المنتوج ومن المفترض عشية انتهاء مهمتهم ان يكون تبلور تصور عن الزراعات المنتجة وسبل تصريف الانتاج.

 

زراعة جديدة

 

أما فخري فيعوّل الى نتائج ايجابية من هذا الحقل ستشجع على ممارسات زراعية جديدة تساهم في التنمية الاقتصادية المحلية وزيادة فرص العمل. يضيف: “نحن امام مشروع متكامل من الزراعة الى استخراج الزيوت الى خلق منتج وبيعه في الاسواق المحلية او الخارجية. سيتم تعريف اهلنا على تقنيات جديدة وزراعات جديدة. مثلاً هناك من يقطّرون “بالكركة” ماء الورد وماء الزهر وعبر هذا المشروع سيتم الانتقال من الزراعات وانتاجها بشكل بدائي الى إحترافية في الزراعة والتصنيع والتسويق كحلقة مترابطة في الاقتصاد الدائري. كذلك ستتم الاستفادة من الفضلات التي ستخرج بعد التصنيع اذ ستستخدم كسماد للارض وتعالج لاحقاً في مشروع فرز النفايات الذي يتم تنفيذه بالتعاون مع الـ UNDP. وهنا اشكر ايضاً “الوكالة الدولية لإتحاد بلديات هولندا” الذي قدم لنا 8140 مستوعب نفايات للفرز من المصدر ويعطوننا من خبرتهم في التوعية على الفرز والترويج لذلك”.

 

كذلك، تشيد قوّاس بجدية عمل الاتحاد وتحديده للاولويات بشكل مدروس وتشير الى ان هذا ما شجعهم على توسيع مروحة التعاون معه، وتختم: “كبر قلبي بالمبادرات التي تشهدها المنطقة وبطيبة وإندفاع وحماسة أهلها. بعضهم يتكبد عناء الانتقال مراراً من بيروت للعمل في سبيلها”.

 

30الف دولار لحقل الاختبار وتنفيذ المشروع و50 الف دولار ثمن آلة استخراج الزيوت، اي المجموع 80 الف دولار قد يطور وجه منطقة دير الاحمر وينعشها فيما مليارات الدولارات هدرت وسرقت في دولة لم تسأل يوماً عن مواطنيها واقصى ما قامت به الاهتمام بالازلام. فعسى ان تكون الزيوت العطرية قارب بقاء للمزارعين في ارضهم، الى جانب كروم العنب وصناعة النبيذ، عوض بحثهم عن قوارب للهجرة من “جهنم” التي بشّرهم بها الحكام.

 

بِرك ضد الهدر

 

نجحت منطقة دير الاحمر بإقامة برك إصطناعية خلال العقدين الاخيرين وتجاوز عددها الثلاثين، تستوعب تخزين حوالى مليون متر مكعب وتعتمد تعبئتها على شبكات مقفلة تنقل المياه المهدورة في فصلي الشتاء والربيع من مواقع الهدر للمياه، وساهم في إنشائها العديد من الجمعيات المحلية والدولية أبرزها:USAID, ILO, EU, ICU, UNDP, VNGI, GIZ, OSAD, TALAL MAKDESSI FONDATION, LEBANESE ARMY, GREEN PLAN, COOP OF AGRICULTURE, MEW, …

 

بحسب دراسة لمنظومة المياه في منطقة الاتحاد أعدّها مكتب المعوشي المتخصص (بناء لطلب الاتحاد وموافقة وتمويل من وزارة الطاقة) تحتاج منطقة الاتحاد الى استكمال تخزين 5 ملايين متر مكعب من مياه الفيضانات في برك متوسطة وصغيرة الحجم وتمديد شبكات مقفلة لمنع الهدر، والتحول الجذري من الري بالجر والتعويم الى الري بالتنقيط مع إدارة رشيدة وعادلة بالتوزيع ومدركة لمخاطر سنوات الجفاف المحتملة والتغير المناخي.​

المصدر:
نداء الوطن

خبر عاجل