ثمة قاعدة لبنانية ترسَّخت على مرّ الأيام مفادها أنه ليس بالضرورة أن يكون الصوت العالي دليل قوة، بل هو في أحيان كثيرة محاولة للتعويض عن خوف صاحبه. وقد لا تشذّ الإطلالة الأخيرة للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، عن هذه القاعدة “الذهبية” التي استخلصها اللبنانيون بعد التجارب التاريخية. ولعلَّ في حكاية “الماشي بين القبور”، اللبنانية الشهيرة، أبلغ توصيف لحالته.
بهدوء لافت، تعلِّق جهة سياسية فاعلة على “خطاب القوة الخائفة” الذي أطل به نصرالله مساء الأربعاء. علماً أن هذه الجهة، الفاعلة والقادرة، يمكنها، وبسهولة، مجاراة نصرالله في تصعيده، لكنها “تفضِّل، في ظل أوضاع الناس المأسوية جرّاء الانهيار الذي أوصلهم إليه بهيمنته على البلد وأخذه رهينة لمشروعه الإقليمي، سَكْبَ القليل من المياه الباردة على رأسه الحامي، علَّه يستفيق من لوثة الاستكبار ووهم القوة الماحقة الذي يسيطر عليه، بما يناقض الخوف الذي يعيشه”.
وتؤكد المصادر ذاتها، لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “نصرالله يعيش وضعاً مأزوماً، إذ إنه لا يملك حلاًّ جدياً يقدّمه لجمهوره أولاً قبل سائر اللبنانيين، المختنقين بفعل الأزمة المعيشية والاقتصادية المتدحرجة إلى ما هو أسوأ. بالتالي، هو يهرب إلى الأمام ويعتمد لغة التعالي وتنصيب نفسه فوق الجميع، وكأنه الآمر الناهي الذي لا ردَّ لقراره. فلا وجود لدولة أو رئيس، أو حلفاء، أو للبنانيين يملكون رأياً مختلفاً، على طريقة نفِّذوا ولا تعترضوا”.
وتلفت، إلى أن “نصرالله لم يوفِّر حتى أقرب حلفائه، في ما يشبه الإهانة، بتحديد المسموح والممنوع. فلا يمكن فهم رفضه وضع تواريخ لتشكيل الحكومة إلا رسالة رادعة لرئيس البرلمان نبيه بري الذي وضع هذا الأسبوع مهلة لمبادرته مدَّدها لأسبوعين كحدّ أقصى قبل أن يسحب وساطته. بالإضافة إلى وقوفه ضد الانتخابات النيابية المبكرة واعتبارها مضيعة للوقت، إذ هو، في العمق، وجَّه رسالة زجرٍ قاسية مباشرة إلى حليفه الأبرز النائب جبران باسيل الذي يلوِّح بهذا الخيار للخروج من المأزق الحكومي، وإن بدا أنه يتوجَّه إلى جهات أخرى في الظاهر”.
وترى، أن “نصرالله يخاف الانتخابات، سواء المبكرة أو في موعدها لاستشعاره تبدل المزاج العام. فالانهيار الذي طاول مختلف الشرائح اللبنانية لم يوفِّر بالطبع بيئته الحاضنة. ومن المستحيل لحزب الله أو لأي فريق آخر ردم الهوة الاجتماعية السحيقة الناتجة عن الانهيار العام والمرشحة لتتعمَّق أكثر. فنصرالله مدرك أن الضائقة المالية التي يعانيها حزب الله تضيِّق الخناق عليه يوماً بعد يوم، وهو يخشى من انقلاب بيئته عليه في ظل تراجع تدفقات الدولار إليه، بحسب المعلومات المتوافرة، فالجوع لا يميِّز ولا يقيم وزناً لمقامات متى بلغ معاجن الأطفال”.
وتعتبر المصادر عينها، أن “امتهان نصرالله لكل المقامات غير مقبول، بغض النظر عن التفاهمات أو الخلافات السياسية. فتحدِّيه الدولة مباشرة وعدم احترام مرجعياتها الدستورية وعلى رأسها رئيس الجمهورية، حليفه، أمر معيب. عدا عن أن معزوفة التخوين المعهودة باتت مقزّزة لكثرة ما استُهلكت. ونظرة سريعة على مواقف أخلص حلفائه على مواقع التواصل تؤكد كمية الغضب العارم على حزب الله من السياسات التي اتبعها وأهلكت البلد”.
وتلفت، إلى أن “تهديد نصرالله بجلب بواخر البنزين والمازوت من إيران إلى لبنان، ولتمنع الدولة إدخالها، مرفوض في المبدأ، فليس هو من يقرِّر. هذا بغضِّ النظر، وعلى سبيل البحث النظري، عن جدية هذه الأضحوكة وفعاليتها في حل الأزمة، إذ تكفي الإشارة إلى ما شاهده العالم على محطات التلفزة ومواقع التواصل، قبل أيام قليلة، من طوابير السيارات أمام محطات المحروقات في طهران ومدن إيرانية كثيرة نتيجة شحّ البنزين لتبيان بهتانها. بالفعل، مضحكٌ مبكٍ أن يحاول غريقٌ استرضاء جمهوره الغريق واستيعاب نقمته والضحك على اللبنانيين، بالادعاء أن فريق إنقاذٍ غريقٍ سينقذهم من الغرق”.
وتشير الجهة السياسية الفاعلة، إلى أنه، “يمكن تفهُّم مأزق نصرالله إذا ما نظرنا فعلاً إلى سقوط رهانات المحور الذي ينتمي إليه، على تحوُّلات جذرية لصالح نفوذه في المنطقة ولبنان بطريقة كاسحة، مع الإدارة الأميركية الجديدة، وإدراكه أن المستقبل الذي ينتظره ليس وردياً كما وعد. وتصريح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قبل يومين، عن أن مئات العقوبات التي تشمل سلوك إيران المضرّ باقية، حتى في حال التوصل إلى تسوية في مفاوضات فيينا، ماثل للعيان. وبالطبع، يفهم نصرالله أن حزب الله يتصَّدر لائحة واشنطن لسلوك إيران”.
وبالإضافة إلى ذلك، يتوجَّس نصرالله، وفق المصادر ذاتها، من “دخول الفاتيكان بقوة على خط الأزمة اللبنانية ودعوته لقمّة روحية في الأول من تموز بحضور رؤساء الطوائف المسيحيّة. فهذه القمة تعني في مكان ما استجابة فاتيكانية لبحث دعوة بكركي لعقد مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان بهويته وتقاليده التاريخية الكيانية العريقة. بالتالي، هو يخشى من تفلُّت قبضته ومن خلفه إيران عن لبنان، واضطراره في نهاية المطاف للاعتراف بالحقائق اللبنانية والرضوخ لموجباتها”.
وتشدد، على أن “نصرالله وطهران، يدركان المعاني العميقة لدخول الفاتيكان على الخط. فالكرسي الرسولي، وقبل أن يقرِّر الإقدام على خطوة ما، يكون عملياً قد استجمع مختلف جوانب القضية التي يتصدَّى لها، وبات يملك تصوُّراً معيناً حول الحلول المطلوبة. أضف إلى أن الفاتيكان متى أقدم، يذهب إلى النهاية”.
وتلفت، إلى أن “لنصرالله شواهد تاريخية لا تزال حاضرة، مع البابا القديس يوحنا بولس الثاني والسينودوس من أجل لبنان في تسعينيات القرن الماضي”، مشيرة إلى “الاستنهاض الذي أحدثه في المجتمع اللبناني المطالب بالحرية والسيادة وخروج الاحتلال السوري من لبنان والحشد الدولي المتراكم، وكل ما تبعه مما بات معروفاً وصولاً إلى تحقيق هذا الهدف في العام 2005”.
وإذ تشير المصادر، إلى أن “الصوت العالي لنصرالله يخفي الخوف الكبير من الآتي، بعد سقوط وعوده وفشله بإدارة البلد عبر حكومته وأكثريته النيابية وانهياره بين يديه”، تؤكد أن “الحل يكون بتسليم نصرالله بمنطق الدولة بالمفهوم الفعلي، والإقلاع عن مشاريعه المستحيلة التي أودت بالبلد إلى التهلكة”، مجددة النُصح، ممازحة، “بالقليل من الماء البارد الذي يفيد حتماً في خفض الحرارة في الرؤوس الحامية، وقد يساعد على تخطي السيد حسن وعكته الصحية في وقت أسرع”، متمنية له “الشفاء العاجل”.