كتبت فيرا بو منصف في “المسيرة” – العدد 1718
شيخ فريد بعدك شيخ الشباب
رفيق الحكيم وسند ستريدا «لآخر العمر كرمال قضيتنا»
يحاصر الحكيم بذراعه الشيخ فريد. يتمشيان قليلا، يهمس في أذنيه ما لم نعرفه حتى اللحظة، فيضحك الشيخ والحكيم من قلب قلب قلبيهما. راحت الأيام ودق الخطر الشديد ع البواب، صعد الشيخ فريد الى غدراس لينصح الحكيم بالرحيل «فريدين ما بدي إسمع صواتن اليوم، وأنا مش فالل من مطرحي، باقي هون» قال الحكيم، وكان «الفريدين» الشيخ فريد حبيب وفريد جعجع والد الدكتور جعجع، يحاولان إقناعه بالذهاب خارج لبنان لينجو من المصير الأسود الذي ينتظره «بتدير القوات والشباب من مطرح لـ بتكون فيه المهم ما يقربوا عليك»، قال له الشيخ فريد من خوفه الشديد عليه «يا شيخ الشباب ما بقدر أترك الشباب وحدن وفل، أنا مش أحسن منن». وصمت الشيخ عابسًا سعيدًا بوفاء هذا القائد، وحزيناً خائفاً لما سيتعرّض له على أيدي عملاء سوريا، إذ كان يعرف أن الحكيم على حق، لكن صوت عاطفته كان أقوى من منطق المواجهة، هو من عايش النضال منذ بداياته، وعايش الحكيم في كل مراحل المقاومة. فإبن الكتائب الأصيل كان يعلم تمامًا معنى النضال لأجل إستقلال الوطن، وبقي مناضلا الى أن أصبح نائبا عن «القوات اللبنانية» في البرلمان، عام 2005 ثم 2009 عن المقعد الأرثوذكسي في دائرة الكورة.
«قد ما نحكي عن الشيخ ما منوفيه حقو» قال سيمون حرقص، منسّق «القوات اللبنانية» السابق في منطقة الكورة، والذي رافق الشيخ منذ العام 2005 حتى الـ2009، أي مرحلة النيابة. «وجود الشيخ فريد في المنطقة شكّل نقطة تحوّل لناحية المعنويات العالية وروح الثقة التي كان يبثّها بين الرفاق. كان صادقاً الى أبعد الحدود يقول كلمتو وينفّذها، وكانت له سطوته الناعمة ومونة الإحترام». ويخبر حرقص عن ذاك اليوم الشهير في 23 كانون الثاني 2007 عندما حاول «حزب الله» وحلفاؤه، إجتياح بعض المناطق اللبنانية عنوة، وتحديدًا حيث الغالبية المسيحية القواتية، ومن بينها منطقة الكورة. يومذاك نزل الشيخ فريد الى الشارع وقال لأبناء الكورة «إنتو ممنوع تخافوا، إنتو بأرضكن والأرض بتوقف معكن»، «كان كلو معنويات وينقلا للأهالي والشباب خصوصًا، كان متل الأب للجميع، أب حنون جدًا صحيح إنما قوي وحازم بذات الوقت».
زمن الإحتلال السوري، وتحديدًا من الـ1990 حتى 2005 لبست الكورة طابعًا يساريًا لم يكن في العمق هو طابعها الحقيقي، لكن وجود الشيخ فريد قلب المعادلة. ويقول حرقص: «جولاته المكثفة في المنطقة غيّرت هذا الطابع وأظهرت الوجه الحقيقي للكورة، بعدما التف من حوله كثر بسبب أدائه النبيل وشفافيته وإخلاصه للقوات وللحكيم، ورعايته لكل أبناء المنطقة من دون أي تفرقة سياسية أو دينية وما شابه».
بعد اعتقال الحكيم أصبح الشيخ فريد صلة وصل بين القواتيين في المنطقة، وبين ستريدا جعجع التي لم يتركها لحظة، فكان السند الحقيقي في كل خطواتها وكان كل مساء يذهب الى بيتها في يسوع الملك، حيث يلتقي المقاومين على رغم المراقبة المشدَّدة على ستريدا والمكان، وملاحقة الأجهزة الأمنية. «كان يعمل إجتماعات هونيك ويرجع يحطنا بالأجواء ويوجّهنا، وخصوصًا بفترات الانتخابات البلدية أو النيابية ويخبّرنا بكل الحقائق مهما كانت صعبة».
أكثر من مرة حاول زيارة الحكيم ولم يسمحوا له بذلك إلّا قبل فترة قليلة من تحريره. تعرّض للملاحقة وحتى للإعتقال، وذات يوم وبعد خروجه من إجتماع مع ستريدا والرفاق، اعتقلوه مع مجموعة من الشباب من دون أي مراعاة لعمره أو أي إحترام لمقامه. صعد معهم الى الريو، ولمّا هجم الشباب إعتراضًا على اعتقاله صرخ بهم «لأ. وقفوا يا شباب ما تخافوا عليي، الحبس للرجال ورح يكتب التاريخ إنو نحنا اعتُقلنا لأننا طالبنا بالحرية للناس». وبعد يومين أخرجوه بعدما تأكدوا أنهم لن يتمكنوا من الحصول منه على أي معلومة ضد الحكيم.
في انتخابات الـ2005، حصل الشيخ فريد على نسبة أصوات عالية جدا وشكّل صدمة للآخرين، وكذلك الأمر العام 2009، إذ فاز بفارق كبير على منافسيه. يجول في القرى، وكل قرية كأنها قريته. كان محترمًا من الخصوم قبل الرفاق والحلفاء، وكان يشارك الجميع أفراحهم وأتراحهم. إنتماؤه القواتي جعله منفتحًا على الجميع عكس ما كان يظنّ كثر. صحيح أنه واجه القوميين والمردة في المنطقة بالسياسة، لكنه تعاطى معهم بالإنماء أو الخدمات أو الواجبات كأنهم من أفراد العائلة القواتية. حوّل النفور الواضح بين أبناء المنطقة، الى جو من الألفة والإنفتاح، تواضعه أشعر أهل المنطقة أنه فرد من أفراد العائلة «شو ما قول عنو قليل، كان إلي الشرف إنو ترافقنا بهيديك الفترة واكتسبت منو خبرة كبيرة، الشيخ فريد عن جد ما بيتكرر» يقول حرقص.
العام 1975 تعرَّف الشيخ فريد الى صبيّة جميلة من بلدة كوسبا، حيث التقاها لدى أصدقاء مشتركين، اسمها ماريا فياض. «بس شفنا بعضنا طبق الحبق» تقول وتغرق في ضحكتها اللطيفة. وصارت تلك الصبية رفيقة عمره ونضاله أيضًا. 18 أيار 1975 تزوج الكتائبي العتيق من الصبية الحلوة وكانت تصغره بأعوام عديدة «كان حنوناً قوياً شجاعاً ولو تجوّزت شب من عمري ما كنت عشت معو كل هالحب الكبير والإيام الحلوة لـ عيّشني ياها. كان فعلاً شيخ الشباب» تقول السيدة التي واكبت نضال زوجها مذ لحظة تعرفت إليه. واكبته لما كان مع الحكيم في القطّارة حتى مرحلة النيابة والمرض والرحيل. «بالبدايات كان يضلّ فوق بالقطارة مع الحكيم والشباب، يحب يضل يستفقدن خصوصًا بالأعياد، ويطلب منا ستات البيوت والأمهات إنو نحضرلن دايمًا حلويات صنع أيدينا وياخدن معو ويقلي هيك بينبسطوا بشغل أمهاتن، ولما يوصل لعندن يصيروا يندهولوا إجا الشيخ فريد إجا الحلو».
رفيق الحكيم كان معجبًا جدًا به وبنضاله وشجاعته، وأكثر من ذلك كان يخاف عليه من أيادي الغدر والإحتلال السوري وعملائه. «يتعاطى مع الحكيم كأنو إبنو تماما ويضلّ خايف عليه، ويبقوا من وقت للتاني يجوا سوا من القطارة لعنا ع البيت ويتغدوا معنا» تقول ماريا حبيب.
لما اعتُقل الحكيم كأنَّ لون الأيام تغيّر. انقلبت الحياة بين الرفاق راسًا على عقب، وأيضًا انقلبت حياة الشيخ الشاب الطريف جدًا على عكس ما كان يظنّ كثر. حزن الشيخ على ما وصلت إليه الأمور، لكنّه لم يستسلم. خاف الشيخ على الحكيم والشباب، لكن لم يتردد بالبقاء لحظة مع ستريدا وصار رفيقها الدائم في النضال والمواجهة، ولم يكن لوحده، بل رافقته الزوجة المناضلة أيضًا، أم زياد ولارا «كل يوم بعد الضهر كان يكون وقت زيارتو لستريدا، أوقات إلحقو وأوقات روح معو، كان يروح لعندها ع يسوع الملك ويجتمع بالكل. كتار تخلوا عنها يومها، بس الشيخ متل كتار من الرفاق كمان بقيوا حدّا، الشيخ تعرّض لكتير من الضغوطات والتهديدات، بس ما فرقت معو لأنو كان مؤمن بالقوات اللبنانية وببراءة الحكيم، وكان يضلّ يقول لستريدا إنت وحدك رح تقدري تخلّصي الحكيم ونحنا حدِّك ومعك لآخر العمر كرمالك وكرمال الحكيم وكرمال قضيتنا وبلادنا».
تدمع السيدة عندما تحكي عن زوجها وعن قهر وعذاب ذاك الزمن المشوب بالخوف والإعتقالات «وجود الشيخ حدّ ستريدا أعطاها كتير من المعنويات، وكان يعطيني إلي ولكل لـ حواليه، شعور الأمان والحنان والقوّة بذات الوقت». تقول بتأثر واضح.
المناضل أنجب مناضلين، ولأجل كل ذاك الإرث الإنساني الكبير، ماذا تقول ماريا لفريد، هكذا من دون ألقاب، إنما بلغة قلب عاشقة حتى اللحظة تجاه قلب من أحبت، «منقلوا إنو نحنا منحبّك كتير وفخورين بكل لـ عملتو وتركتو إلنا، ونحنا بالبيت باقيين ع الطريق لـ إنت رسمتها، وما رح نخيّب أملك لا أنا ولا ولادك».
أم زياد عندك صور إلك وللشيخ؟ تضحك، تغيب قليلا وها هي بالصورة كما في الحياة من خارج الإطار والألوان، تعيش صورها مع رجل عمرها الذي صبغ حياتها بالحب والإحترام، وصبغ حضوره في القوات اللبنانية بكل معاني النبل والمواجهة والشجاعة وكل كل ذاك الوفاء. بعدك شيخ الشباب يا شيخ فريد.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]