بدأت الأسواق تعاني في الآونة الأخيرة من شحّ السيولة بالليرة، نقداً، بعدما طبع المرحلة السابقة منذ اندلاع الأزمة المالية والنقدية في تشرين الأول العام 2019 شحّ السيولة بالدولار، المستمر والمتصاعد على وقع اتساع التراجع الاقتصادي والمالي واستفحال الأزمة. وبلغت أزمة الشحّ بالليرة في السوق أعتاب عدد من الصرافين الذين يجدون صعوبة في تأمين المبالغ المطلوبة في حال كانت كبيرة، على عكس الطلبات على الدولار.
ولتبيان حقيقة ما يحصل، توضح مصادر مصرفية ومالية، أن “أزمة السيولة بالليرة اللبنانية مرتبطة بعوامل عدة، منها محاولة مصرف لبنان تدارك ترددات عملية تكبير حجم السيولة بالليرة بنسب كبيرة في الفترة السابقة، والسيطرة على الكتلة النقدية الضخمة التي ضخها في السوق على فترات عدة منذ انفجار الأزمة نهاية العام 2019، والتي باتت تفوق الـ40 تريليون ليرة اليوم فيما لم تكن تتجاوز الـ17 مليار ليرة نهاية ذلك العام. وذلك في محاولة، من ضمن أهداف عدة، للحد من تفلت سعر الدولار في السوق السوداء”، مستبعدة “نجاح البنك المركزي في تحقيق هذه الغاية في المدى المنظور”.
وتشير المصادر ذاتها، لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أن “هذه الكتلة النقدية تُستغل من قبل بعض كبار المضاربين في السوق السوداء للتلاعب بسعر الدولار. بالإضافة إلى أن توفرها بهذا الحجم بين أيدي الشركات والمؤسسات والمواطنين، يؤدي إلى ارتفاع الطلب على شراء الدولار من السوق الموازية، كعملة مضمونة أكثر جرّاء تراجع عامل الثقة بالليرة، ما يؤدي بالتالي إلى مزيد من تراجع قيمتها”.
وتؤكد، أن “سحب الليرة من السوق قائم ويتصاعد، خصوصاً منذ اتخاذ قرار دعم المحروقات على سعر 3.900 ل.ل بدلاً من 1.500 ل.ل. فالمستوردون الذين كان يطلب منهم تأمين 15% من فاتورة المحروقات بالدولار النقدي ومصرف لبنان يغطي الباقي بالدولار على سعر 1.500 ل.ل، بات مطلوباً منهم اليوم تأمين كامل الفاتورة بالليرة على سعر 3.900 ل.ل للدولار، ما يعني أنهم باتوا بحاجة لتأمين سيولة أكبر بالليرة من السوق”.
بالإضافة إلى ذلك، “منصة صيرفة حتَّمت على المستوردين وأصحاب الشركات تأمين كامل قيمة مستورداتهم بالليرة اللبنانية على سعر 12.000 ل.ل للدولار، سلفاً وعند تقديم طلب الاستيراد، لكي تقوم المصارف ومصرف لبنان بفتح الاعتمادات، وبالتأكيد هذه المبالغ ستُجمع من الكتلة النقدية الموجودة في السوق، ومن الطبيعي أن الطلب على الليرة النقدية سيزداد لتلبية مختلف الحاجات”.
وترى المصادر المصرفية والمالية عينها، أنه “من الواضح اعتماد مصرف لبنان سياسة تخفيف السيولة بالليرة في السوق Cash، إذ إنه مضطر لضخ كتلة جديدة من الليرات النقدية لتنفيذ مندرجات التعميم 158 تبلغ حوالى 27 تريليون ل.ل، لتغطية سحوبات الـ400 دولار نقداً شهرياً و400 دولار بالليرة على سعر منصة صيرفة”، لافتة إلى أن “البنك المركزي يحاول تخفيف حجم هذه الكتلة المطلوبة قدر المستطاع، من خلال امتصاص ما أمكنه من الكتلة النقدية بالليرة الموجودة اليوم في السوق، لمحاولة تصغير حجم كتلة الليرة الملزم بطباعتها لتغطية هذا التعميم”.
وفي هذا السياق، تضع المصادر “إقدام بعض المصارف اللبنانية على تحديد سقوف جديدة للسحوبات الشهرية بالليرة، سواء من الحسابات بالليرة أو من الحسابات بالدولار على سعر التعميم 151 (3.900 ل.ل للدولار). وكذلك اشتراط بعضها الآخر تأمين قيمة رواتب موظفي الشركات والمؤسسات نقداً بالليرة ووضعها في حساباتها لتحوّل لاحقاً إلى حسابات الموظفين الموطَّنة. ومن البديهي أن هذا يزيد الطلب على الليرة النقدية، مع الاعتبار، منطقياً، أن هذه العملية تجري بالتوافق مع مصرف لبنان”.
وبرأي المصادر نفسها، “من غير المستبعد في الفترة المقبلة ازدهار تجارة الشيكات بالليرة على غرار تجارة الشيكات بالدولار التي شهدناها ولا نزال منذ انفجار الأزمة. فالشيكات بالدولار تُصرف اليوم، نقداً، في السوق بـ25% تقريباً من قيمة الشيك المسجّلة، بينما بدأنا نشهد عمليات صرف في السوق للشيكات بالليرة، نقداً، مع حسم ما بين 10 إلى 20% من قيمة الشيك حسب العرض والطلب”.
وتلفت، إلى “عنصر جديد في هذا السياق يتعلَّق بإقرار البطاقة التمويلية، إذ من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان مبلغ الدعم النقدي للمستوفي الشروط سيُدفع بالدولار أو بالليرة، إذ إن الحسابات تختلف بين هذا وتلك. فإن كانت ستُدفع بالدولار هذا يعيدنا إلى السيولة بالدولار والمخاوف والشكوك حول ما تبقى من الاحتياطي الإلزامي والانعكاسات على سعر الصرف، وإذا كانت بالليرة هذا يتطلب تأمين التغطية النقدية لها ما يعني ارتفاع الطلب على الليرة الـCash. علماً أنه حتى لو تم دفعها بالدولار، سيقوم المستفيد بصرف المبلغ في السوق السوداء بالليرة، بالتالي سيزداد الطلب على الليرة ونكون في حلقة مفرغة”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية