كتبت جومانا نصر في “المسيرة” – العدد 1718
“قوات” الإنتشار: نحن هنا… وهناك!
“إرفعوا أيديَكم عن لبنان”
من أقطار الإنتشار تحركوا. صلوا على نية لبنان وشعبه الرازح تحت أثقال منظومة الفساد والفاسدين، وحملوا وثيقة تضمنت أربعة عناوين هي بمثابة خارطة طريق لخلاص وطن وشعب من أزمة أغرقهم فيها فساد المنظومة السياسية ووضع شعبًا بماضيه ومستقبله تحت سابع جهنم.
هي ليست المرة الأولى التي تتحرك فيها «قوات» الإنتشار مدعومة من الإغتراب اللبناني الذي طاله وجع الفساد في وطنه الأم. فلطالما لعب اللوبي اللبناني دوراً في الدفع باتجاه المساعدة في إيجاد حلول لأزمات لبنان التي لا تنتهي. في الأزمة الحالية، لم ولن يقف مكتوف الأيدي، ويعمل من خلال علاقاته واتصالاته مع دول القرار لما هو أفضل، لبلد اضطر الى مغادرته بحكم ظروفه المعقدة.
من قلب وجع نازف كان تحرك “قوات” الانتشار، مدعومًا بالجاليات اللبنانية، على اختلاف أحزابهم وانتماءاتهم وطوائفهم للضغط أممياً، على تصويب البوصلة السياسية والمعيشية وإعادة لبنان إلى خارطة الأمم وقلب علاقاته التاريخية.
كان مقررًا أن يستمر التحرك الذي نظمته «قوات» الإنتشار 3 أيام. السلسلة ترابطت وامتدت لثلاثة أيام أخرى و3 من بعدها وليست الأخيرة. وكما في الحرب كذلك في السلم… “قوات” الإنتشار… “قوات”!
الحدث ليس بعادي ولا هو مجرد تحرك زمني عابر. إنطلاقاً من ذلك توثق “المسيرة” عبر صفحاتها تفاصيله قداديس وتحركات شهادة للتاريخ والأجيال الصاعدة.
الأمين العام المساعد لشؤون الإنتشار مارون سويدي، أوضح “توقيت التحرك ارتبط بظروف كورونا، وتحديدًا بالظروف التي فرضتها الجائحة لجهة القيود التي فرضتها حكومات دول الإنتشار لمنع إنتشار العدوى. فارتبطت روزنامة المواعيد بتاريخ فك هذه القيود في غالبية الدول الأوروبية»”. ويقول: “بدأ الإعداد للتحرك الذي نظمته “قوات” الإنتشار منذ فترة، لأن الوضع السياسي والمالي العام والمعالجات الرسمية إزاء إنفجار مرفأ بيروت، لم يعد يحتمل السكوت عنه، وهو تحرك وطني شامل على مستوى لبنانيي الخارج وليس حزبيا داخليا”.
“الجاليات اللبنانية تعوّل بشكل أساسي على “القوات” لأنها تختزن إرثاً وطنياً وتاريخياً، ومعروفة بقدراتها التنظيمية، إضافة الى قربها من جميع المجموعات الإغترابية”، ويضيف سويدي “التحرك بدأ في سيدني ـ أستراليا وامتد إلى الولايات المتحدة، وشملت النشاطات أكثر من عشرين ولاية أميركية، إضافة الى بلجيكا، فرنسا، إيطاليا، لندن، نيجيريا، الإمارات العربية، وكان يمكن له أن يكون مضاعفاً، لولا وجود بلدان لا تزال تخضع لقيود الحجر الصحي المتعلق بفيروس كورونا.
منذ اللحظة الأولى على طرح فكرة التحرك وفق الوثيقة كان هناك إصرار على أن يكون مدويّا بحيث يشمل كل دول الإنتشار. ومجرد فك القيود التي فرضتها جائحة كورونا بنسبة 50 في المئة في عدد من الدول الأوروبية اتُخذ القرار بوضع البرنامج وروزنامة التحرك. ولفت سويدي إلى أن الدافع الذي أطلقته “قوات” الإنتشار انسحب على الجاليات التي تحركت بدورها لأنها معنية بالنقاط التي تشملها الوثيقة وإن على مستويات مختلفة، لكن النقطة التي تجمعهم كانت قضية وضع اليد على ودائعهم التي فقدت 80 في المئة من قيمتها بسبب انهيار قيمة الليرة اللبنانية”.
عناوين التحرك وما تتضمنه الوثيقة حددها سويدي بالتالي: الإحتياطي الإلزامي، الحياد اللبناني، النازحون السوريون وانفجار مرفأ بيروت. ويقول:»ليس خفيًا على أحد أن الودائع اللبنانية التي تفوق الـ150 مليار دولار، ليست من إنتاج اقتصاد لبنان وحده، وهي في غالبيتها من ودائع الإغتراب اللبناني المتراكم على مدى أجيال، من هنا كان الضرر مباشرة على المنتشرين لجهة خسارة ودائعهم. ويأتي التحرك بهدف المحافظة على ما تبقى من ودائع واستعادة ما أمكن، بضغط سياسي ـ قانوني». ولفت إلى أن التحرك «لن يقف عند حدود رفع شكوى، إذ سيتم التواصل مع المصارف المراسلة والهيئات الأممية حتى يتمكنوا من منع التصرف بهذا المبلغ القليل، الذي لم يعد يمثل أكثر من 15 في المئة من تعب وجنى المودعين المنتشرين».
يعيش الإنتشار على نبض لبنان ويتنفس قضاياه، وهو يتابع الأحداث ويعيش هواجس وهموم لبنانيي الداخل نفسها، لا بل يتقدم عليهم خصوصًا في مسألة الحياد. والثابت أن ممارسات السلطة عبر إدخال لبنان في سياسات المحاور وحروبه باتت تؤثر مباشرة على المنتشرين وبشكل مضاعف. وإضافة الى الحصار الذي يعيشه لبنان اقتصاديًا وسياسيًا، فإن التداعيات وصلت إلى أصقاع دول الإنتشار وبات يهدد إستقرارهم الإجتماعي ومصيرهم العملي ومصير عائلاتهم التي تعتاش من أموال الإغتراب.
وتوقف سويدي عند ملف اللاجئين والنازحين السوريين، الذي سيكون بنداً أساسياً في التحرك الإغترابي، مذكراً بأن الأرقام التي تفوق المليون ونصف المليون ليست واضحة، بعدما تبيّن أن هناك الكثير من اللاجئين من منتحلي صفة لجوء سياسي، ولا مشكلة لديهم مع النظام القائم في بلدهم، مطالباً الدولة بإزالة عبئهم الأمني والسياسي والإستخباراتي والاقتصادي والإجتماعي عن لبنان، وإعادتهم الى بلدهم، بانتظار الحلول التي يمكن التوصل اليه.
إلى محطة 4 آب در…. وعشية الذكرى الأولى على تفجير مرفأ بيروت، إعتبر سويدي أن هذه النقطة “من أكثر المواضيع حساسية إنطلاقاً من كيفية تعاطي الجهات الرسمية اللبنانية مع هذه الكارثة”، مؤكداً أن “القاضي المولج بهذه القضية، لن يتمكن منفرداً من حلّ لغزها، مهما تمتع بكفاءات، فهو عاجز عن القيام بواجبه من دون دعم الدولة التي عليها أن تضع إمكانياتها في خدمة التحقيق. والمؤسف أنها لا تملك نية وضع الجهد المطلوب لمعرفة التقصير الناجم عن تفجير بهذا الحجم، وهي لا تزال تتعامل مع نتائجه كأنه حادث سيارة عادي”.
سويدي شدد على أن هدف التحرك القول إن من يدير شؤون الداخل في لبنان ليس كفؤاً، ولا يستطيع مد يده على أموال الناس بالقوة، لافتاً الى أن هذا التعاطي يحتاج الى مواجهة من خلال الضغط السياسي والتواصل مع المجتمع الدولي والمصارف المراسلة، للقول كفى.
الإنتظارات كثيرة “لكننا في النهاية نؤمن عن حق وقناعة بالعمل السياسي وإزاء الظلم الحاصل في إدارة شؤون البلاد لا يمكننا إلا أن ننتظم لرفع الصوت في وجه الظلم الحاصل في طريقة إدارة شؤون البلاد باسلوب حضاري”.
وأكد “أن وثيقة الجاليات اللبنانية و”قوات” الانتشار سترفع الى السفارة اللبنانية في البلد المضيف، إيماناً منا بضرورة بناء الدولة، إضافة الى وزراء خارجية البلدان المضيفة، كما الى الهيئات الأممية، (الاتحاد الأوروبي في بروكسل، والأمم المتحدة في نيويورك وممثلية جامعة الدول العربية في الإمارات ووزارة خارجية الفاتيكان)، جازماً بأن الإنتشار لن يعدم وسيلة وسيستمر برفع الصوت حضارياً، للوصول الى نتيجة”.
مسار التحرك مستمر يختم سويدي “ومن المقرر أن يشمل التحرك دول كندا والسويد وملبورن في أستراليا، بعد فك قيود جائحة كورونا، على أمل أن يسمع المسؤولون صوت الضمير وصرخات شعبهم في الداخل والإنتشار”.
وثيقة النقاط الأربع
نتقدّم من حضراتكم بكتابنا هذا شارحين النقاط الأربع التي نعتبرها من وجهة نظرنا الوطنيّة اللبنانيّة البحتة الأكثر تأثيرًا في وجوديّة وطننا، كما نعتبرها الأسس التي وجب معالجتها من المنتديات الدّوليّة وذلك على الشكل الآتي:
1- الإحتياطي الإلزامي
– ليس من حق أي مسؤول في الدولة مهما علا شأنه، أكان رئيسًا للجمهورية، أم رئيسًا للحكومة، أم وزيرًا للمالية، أم حاكمًا للمصرف المركزي، أن يفكر مجرد تفكير باستعمال ما تبقّى من مقتنيات ومدخرات المواطنين وجنى عمرهم.
– أيّ محاولة للمساس بالإحتياطي الإلزامي ستعرّض مرتكبيها مهما علا شأنهم للملاحقة القضائية.
– سيكون للبنان إما عاجلاً أم آجلاً سلطات قضائية تلاحق من تسوّل له نفسه مدّ اليد إلى ما تبقّى من مقتنيات الناس.
– لقد سبق لتكتل “الجمهورية القوية” أن تقدّم منذ شهرين باقتراح قانون معجّل مكرّر يرمي الى منع المساس بالإحتياطي الإلزامي.
– طالبنا هيئة مكتب مجلس النواب بإدراجه على جدول أعمال الجلسة الأولى للهيئة العامة، كي تقترن المطالبة السياسية بالنص القانوني المانع والواضح .
2- لجنة تقصّي حقائق
– طالبنا رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال بإرسال طلب فوري إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يطالبان فيه بتشكيل لجنة تقصّي حقائق دولية لكشف ملابسات جريمة المرفأ.
– نهار الإثنين 22 شباط 2021 سلّم كل من النواب جورج عقيص، فادي سعد، عماد واكيم وماجد إيدي أبي اللمع نائبة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان د. نجاة رشدي عريضة موقّعة من نواب تكتل «الجمهوريّة القويّة» تطالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتشكيل لجنة تقصي حقائق دوليّة في انفجار مرفأ بيروت.
– “اللجوء إلى الأمم المتحدة للمطالبة بتشكيل لجنة تقصّي حقائق دولية لا يشكّل مساسًا بالسيادة اللبنانية، فما يشكّل فعلاً مساسًا بالسيادة هو إدخال نيترات الأمونيوم من دون رادع”.
– إنفجار المرفأ دمّر نصف العاصمة بيروت، وقد هزّ هذا الإنفجار العالم من دون أن يهزّ ضمائر المسؤولين اللبنانيين الذين يعتبرون أنه عن طريق عامل الوقت والنسيان باستطاعتهم طمس هذه الجريمة والتغطية على مرتكبيها، الأمر الذي لن نسمح بتحقيقه، وهذا ما يدفعنا إلى المطالبة بلجنة تقصّي حقائق دولية من أجل الوصول إلى الحقيقة.
3- أهميّة الحياد للبنان
– فكرةُ الحياد تعود بتعابير مختلفة في خُطَب رؤساءِ الجمهوريَّة وفي البيانات الوزاريَّة (62 بياناً وزاريًا) وفي كلِّ بيان وطنيّ يَصدُر عن هيئة حوار وصولًا إلى 12 حزيران2012 مع «إعلان بعبدا» الذي تمَّت الموافقة عليه بالإجماع وقد تضمَّنَ بوضوح عبارةَ “تحييدِ لبنان”.
– كَشفت تجربةُ المئة سنة (1920 / 2020) من حياة دولة لبنان الكبير أنَّه يتعذَّر على لبنان أن يكون وطن الرِّسالة من دون إعتماد نظام الحياد. فالإنحياز إلى صراعات دول الشَّرق الأوسط وشعوبه عابَ صيغة الشَّراكة بين المسيحيِّين والمسلمين بأوجهها الرُّوحيَّة والوطنيَّة والإنسانيَّة.
– إعلانُ حياد لبنان هو فعلٌ تأسيسيٌّ مثل إعلان دولة «لبنان الكبير» سنة 1920 وإعلان إستقلال لبنان سنة 1943.
– الحياد يعني عدم دخول لبنان قطعيًّا في أحلاف ومحاورَ وصراعا ت سياسيَّة وحروب إقليميًّا ودوليًّا؛ وامتناع أيّ دولة إقليميَّة أو دوليَّة عن التَّدخُّل في شؤونِه أو الهيمنة عليه أو إجتياحه أو إحتلاله أو إستخدام أراضيه لأغراض عسكريَّة، ولكنه لا يعني إطلاقا عدم الإستمرار بدعم القضية الفلسطينية بكل قوة.
– تعاطف لبنان مع قضايا حقوق الإنسان وحرِّيَّة الشُّعوب، ولا سيَّما العربيَّة منها التي تُجمِع عليها دولُها والأمم المتَّحدة.
– تعزيز الدَّولة اللُّبنانيَّة لتكون دولةً قويَّةً عسكريًّا بجيشها وبمؤسَّسَاتِها وقانونها وعدالتها وبوحدتها الدَّاخليَّة وإبداعاتها، لكي تضمن أمنها الدَّاخليّ من جهة، وتدافع عن نفسها بوجه أيّ اعتداء برِّيّ أو بحريّ أو جوّيّ يأتيها من إسرائيل أو من سواها من جهة أخرى.
– الحياد يُنقذ وحدة لبنان أرضًا وشعبًا ويحيي الشَّراكةَ الوطنية المسيحيَّة ـ الإسلاميَّة المتصدِّعَة في كثير من الأمكنة.
4- عودة اللاجئين السوريّين
– إنّ النازحين السوريين يشكّلون ثلث سكان لبنان، الذي يستضيف أكبر عدد من النازحين السوريين نسبة إلى عدد سكانه بحسب مفوضية اللاجئين، وتقدّر الحكومة اللبنانية وجود 1.5 مليون نازح سوري على الأراضي اللبنانية.
– يجب عودة النازحين الى بلدهم بعد أن باتت هناك مناطق شاسعة آمنة في سوريا.
– إن الذين يقترعون ويهتفون من السوريين الموجودين في لبنان فداءً لحياة بشار الأسد همّ بطبيعة الحال لا يعتبرونه خطرا عليهم، وبالتالي يستطيعون العودة الى المناطق التي يسيطر عليها الأسد وسقطت عنهم صفة اللجوء.
– بحسب البند (٥) من الفقرة (C) من المادة الأولى من إتفاقية جنيف الدولية الخاصة باللاجئين الصادرة عام ١٩٥١: “يخسر صفة اللاجئ وتتوقف الإتفاقية عن التطبيق بحقّه، اللاجئ الذي لم يعد يخاف من سلطة موطنه الأصلي”.
– تقدمّت القوات اللبنانية بمبادرة مزدوجة على مستوى النازحين: عودة النازحين السوريين المؤيدين للنظام السوري فورا إلى المناطق الخاضعة لهذا النظام، والطلب من المجتمع الدولي عمومًا وروسيا خصوصًا إقامة منطقة آمنة على الحدود اللبنانية ـ السورية من الجهة السورية ونقل جميع النازحين المعارضين للنظام إليها، وتكون برعاية أممية وروسية من أجل إعادتهم إلى مناطقهم بعد توفُّر ظروف هذه العودة.
خلاصة القول، هذه النقاط الأربع الأكثر إلحاحًا والتي تؤثّر سلبًا في الهويّة الكيانيّة اللبنانيّة. لذلك تقدّمنا بها ليُصار إلى معالجتها لما لها من أهميّة على بقاء لبنان أو عدمه؛ وذلك من النواحي الإجتماعيّة، والاقتصاديّة، والسياسيّة، والانسانيّة ليبقى لبنان. ماذا وإلا… سيبقى لبنان ساحة مستباحة وأوضاعه المالية ستسوء أكثر فأكثر يوما بعد يوم. لذلك المطلوب المبادرة فورًا بعمليّة الإنقاذ الوطني من خلال الدّفع لإجراء الانتخابات النيابيّة المبكرة في أقرب فرصة ممكنة لتغيير هذه المنظومة الحاكمة إنطلاقًا من إرادة الشعب الذي قال كلمته يومًا في 14 آذار، وعاد فجدّدها في 17 تشرين.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]