جعجع داعياً لتحرير الدولة وانتخابات نيابية ورئاسية مبكرة: نحن هنا

حجم الخط

أحيا حزب القوات اللبنانية القداس السنوي لراحة انفس شهداء المقاومة اللبنانية في معراب، تحت شعار “مقاومة مستمرة”، برعاية البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ممثلا بالمطران حنا رحمة. وحضره اعضاء تكتل “الجمهورية القوية” النواب: ستريدا جعجع، جورج عدوان، بيار بو عاصي، جوزيف اسحق، فادي سعد، زياد الحواط، شوقي الدكاش، إدي ابي اللمع، عماد واكيم، انيس نصار، أنطوان حبشي، جورج عقيص، أمين سر تكتل “الجمهورية القوية” النائب السابق فادي كرم، نائب رئيس الحكومة السابق غسان حاصباني، الوزراء السابقين مي شدياق، كميل ابو سليمان، رئيس جهاز العلاقات الخارجية في “القوات” ريشار قيومجيان، ملحم الرياشي، جو سركيس، طوني كرم، النواب السابقين: انطوان زهرا، ايلي كيروز، انطوان ابو خاطر، الأمين العام لحزب القوات اللبنانية غسان يارد، الأمين المساعد لشؤون الإدارة وليد هيدموس، الأمين المساعد لشؤون المناطق جوزيف ابو جودة، الأمين المساعد لشؤون الإنتشار مارون السويدي، الأمين المساعد لشؤون المصالح نبيل أبو جودة، اعضاء المجلس المركزي في الحزب، رؤساء المصالح والاجهزة، منسقي المناطق وحشد كبير من الاغتراب اللبناني والمحازبين من المناطق كافة، اضافة الى مشاركة كبيرة من مصلحة طلاب “القوات اللبنانية”.

وألقى جعجع كلمة توجه فيها إلى شهداء حزب “القوات”، قائلاً، “رفاقي الشهداء، وأسأل كلّ يوم: أين هي القوات؟ وماذا تفعل لنا في خضمّ كلّ ما نعانيه؟ وجوابي لهم: لقد وجدتمونا عندما احتجتمونا، في المراحل الماضية كلها، واليوم أيضاً وأيضاً نحن معكم ولكم صوت صارخ في البريّة يناضل ويقاتل ليل نهار لئلاّ ينفد الأمل في مجتمعنا وفي وطننا مع نفاد الأدوية والبنزين والمازوت ومتطلّبات الحياة الأساسيّة. صوت صارخ في بريّة دولة غير موجودة، وسيادة منتهكة، وحدود سائبة، وإدارة مسيّبة، وفساد وهدر من دون حدود. صوت صارخ في برّيّة الخيانة الوطنيّة، والجريمة، والجهل، والفساد، والتّبعيّة وسوء الإدارة، وبالأخصّ الأخصّ في برّيّة المصالح الشّخصيّة والأنانيّة البغيضة. ولكن ولكن إذا كانت جولة جماعة الظّلم والقهر والمعاناة والإفقار والتّدمير ساعة، فجولات قوات الحقّ والحريّة والإنسان ستكون حتّى قيام السّاعة”.

وأضاف جعجع، “أن يحرمونا المحروقات صعب جدا، لكنّ الشعب اللبنانيّ يجد دائما بعض الحلول. أن يحرمونا الدواء غاية في الصّعوبة، ولكن يبقى له دواء. ولكن أن يحرمونا الأمل، فهذه تكون نهاية الكون: القوات صوت صارخ في بريّة لبنان هذه الأيّام العصيبة وفي كلّ الأيّام، حتّى يكون الأمل الباقي محميّا مصانا بعيدا عن أيدي العابثين السّارقين السّالبين الفاسدين، مصّاصي طاقة الشّعب اللّبنانيّ ودمائه. نحن هنا، نحمل شمعة صغيرة بأحلام كبيرة، تضيء طريق الأمل للّبنانيين، ليتمكّنوا من اجتياز هذا النّفق الجهنّميّ الذي رموهم فيه، والعبور الى رحاب النّور والخلاص”.

وتابع جعجع، “لا يختلطنّ الأمر على أحد. فنحن ما زلنا القوات اللبنانية التي تعرفونها، قوات ولبنانيّة لن نقبل مجرّد أن يحترق شعبنا في جهنّم التي أوجدوها. لن نقبل أن نختفي في القعر الذي حفروه للبنان واللّبنانيين. لن نقبل أن نستسلم، لا بسهولة ولا بصعوبة. لن نقبل أن نختفي، ولا أن يختفي لبنان، ولا أن تتغيّر معالمه، ولا أن يجوع شعبه، ولا أن يقضي حريقا أو غرقا.

لن نقبل بأن يسلب شعبنا سيادته ولا كرامته ولا حريّته، وسنقاوم. نحن القوات اللبنانيّة مثلما قاومنا ليبقى لبنان مرّات ومرّات، هكذا هذه المرّة ايضاً، ومن يعش يرى.

وقال جعجع، “يا شعب 17 تشرين، القوات اللبنانيّة منكم ولكم، فلا تفرّطوا بها حتّى لا تساهموا عن قصد أو عن غير قصد بتطويق آخر حصون الثورة والمقاومة والبطولة في لبنان، فتفقدوا آخر أمل لكم بالتغيير الحقيقيّ. القوات اللبنانيّة منكم ولكم فلا تفرّطوا بقوّتها وتنظيمها وعصب وجودها جريا وراء أحلام رمليّة وشخصيّات مسرحية تتنطّح وتعدكم بأنّها ستنتشل الزّير من البير، ولكن سرعان ما تتبيّن هشاشتها عند اولّ استحقاق مفصليّ أو خطر وجوديّ، فتكونون كمن اشترى سمكا في البحر. إنّ القوّة الحقيقيّة والتّحدّي الفعليّ ليس في تحطيم كل ما هو قائم، وإنّما في التّمكّن من استبدال السيء بالجيّد. وإلّا نكون قد هدمنا السّيّء والجيّد، ولكن من دون أن نبني مكانهما شيئا. المطلوب هو التغيير العاقل والهادف والمحصّن والمتين، وهذا ما تعدكم القوات به، لا التصرّف العبثيّ العدميّ الفوضويّ الذي يؤدّي إلى مزيد من الضعف، والتّلاشي والشّرذمة والتّحلّل. مثلما قاومنا ليبقى لبنان مرات ومرات، هكذا هذه المرّة ايضاً، مقاومة مستمرة.

وتوجه جعجع إلى جمهور 14 آذار قائلاً، “يا شعب 14 آذار، ثورتكم قدّمت أرقى تجربة حضاريّة لمقاومة سلميّة انتصرت على أعتى الأنظمة الديكتاتوريّة. ومن ينجح بتحرير لبنان من نظام الأسد، لن يقوى عليه أي خاطف أو فاسد أو مستقو أو ظالم. لو قيّض لمشروعكم أن يترجم واقعا ملموسا ومعيوشا لكان تجنّب اللبنانيون المآسي التي يعيشونها اليوم، والذلّ الذي أصبح ملازما لحياتهم، والخوف على المصير الذي ينتابهم. لو قيّض لمشروعكم أن يتحقّق لكنّا انتهينا من لبنان السّاحة، ولبنان المزرعة، لبنان الفساد، ولبنان عدم الاستقرار، ولبنان الفشل، ولبنان المعزول. لو قيّض لمشروعكم أن يترجم على أرض الواقع لكنّا أحيينا نموذج سويسرا الشرق، وأعدنا لبنان إلى هويّته التّاريخيّة ودوره وتألّقه وازدهاره ونمط عيشه. لو قيّض لمشروعكم أن ينجح لكنّا في الدولة القويّة التي تطبّق دستورها وقوانينها على الجميع وتحمي سيادتها واستقلالها وتعزّز علاقاتها الخارجيّة العربيّة والغربيّة”.

وأردف جعجع، “يا شعب 14 آذار، ثورتكم لم ولن تنتهي قبل تحقيق الأهداف التي من أجلها انتفضتم وكسرتم حواجز الخوف ووحّدتم السّاحات في ثورة عابرة للمناطق والطوائف. ثورتكم هي الأمل بلبنان المستقبل، لبنان الإنسان.

لن نفقد الأمل في وطن انتفض شعبه في 14 آذار وعاود الكرّة في 17 تشرين. وعدي لكم اليوم، أنّ القوات اللبنانيّة، وكما كانت على الدّوام، ستبقى رأس حربة مشروع 14 آذار الذي، وإن تصدّع هيكلـه الخارجيّ، سيبقى الشعلة التي تنير درب خلاص لبنان. مقاومة مستمرة”.

وقال جعجع، “أيّها اللبنانيون، إنّه عهد الانهيار الشّامل، تديره مجموعة حاكمة تنازلت عن سلطة وسيادة الدّولة، وضربت مؤسّساتها، وحولتها إلى دولة فاشلة مارقة، يحكمها فاسدون، فاشلون، لصوص، خونة مجرمون. نحن مقتنعون بالممارسة والتّجربة، أنّ لا خلاص ولا تقدّم مع هذه الزّمرة الحاكمة، التي يشكّل نواتها الصّلبة الثّنائيّ حزب الله والتيار الوطنيّ الحرّ. هذا ما توصّلنا إليه باكراً، وحذّرنا منه تكراراً. كنّا اوّل من دعا الى استقالة الحكومة التي كانت قائمة واستبدالها بحكومة تقنيين مستقلّين، تعلن حالة طوارئ اقتصادية في اجتماع بعبدا في أيلول 2019، اي قبل حوالي شهر على انتفاضة 17 تشرين. هذه الانتفاضة التي قرأنا الرسالة الشّعبية عبرها وبادرنا إلى الاستقالة فورا من الحكومة والخروج من السّلطة. ولاحقاً بادرنا إلى اقتراح الاستقالة الجماعيّة لكتل وأحزاب اساسيّة في مجلس النواب، بهدف الدّفع إلى انتخابات نيابية مبكرة، من أجل إعادة تكوين السّلطة من جديد”.

وتابع جعجع، “أيّها اللبنانيون، إنّ أكثريّة المسؤولين يحيّدون أنفسهم اليوم عن جوهر الأزمة، إمّا عن مصلحة او عن تردّد أو عن خوف الأمر الذي يزيدها تفاقما. فالأزمة اليوم ناجمة عن اختطاف الدولة اللبنانيّة ومؤسّساتها وأخذها رهينة لمصلحة غير لبنانيّة، وقد أدّى هذا الامر إلى فقدان لبنان صداقاته وعلاقاته العربيّة والدّوليّة. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فالأزمة ناجمة عن تحالف الخاطفين مع الفاسدين ممّا حوّل الدولة برمّتها إلى دولة فاشلة مارقة. علينا أن ندرك وبشكل حاسم: أنّه يستحيل الخروج من المأساة الحاليّة من دون قيام دولة. وأنّه يستحيل قيام الدولة قبل استعادة قرارها. وأنّه يستحيل قيام الدولة إذا لم تمتلك حصريّة السّلاح على كامل أراضيها. وأنّه يستحيل تطبيق القانون على فريق من اللّبنانيين دون سواه. وأنّه يستحيل وقف التهريب من دون ضبط الحدود كلّ الحدود، ونشر قوّات دوليّة على حدودنا الشّرقيّة والشّماليّة. وأنّه يستحيل تطبيق العدالة وهناك من يرهب القـضاة. وأنّه يستحيل استنهاض الاقتصاد قبل استعادة علاقاتنا العربيّة والدّوليّة. وأنّه يستحيل الوصول إلى دولة فعليّة بالتّحالف مع الفساد. هنا تقف القوات بوجه كلّ ذلك من دون مواربة وبكلّ جرأة، ومن هنا تتوجّه إلى كلّ اللّبنانيين: أن تعالوا نحرّر الدولة معا من آسريها وخاطفي قرارها والمهيمنين عليها والعابثين بها فسادا وسرقة ونهبا، لأنّ كلّ ما عدا ذلك لن يغيّر في واقعنا شيئاً”.

وأضاف جعجع، “أيّها اللبنانيون، لا يستطيع حزب الله أن يكمل على هذا النّحو من تجاهل الواقع، وبهذه الطريقة من الاستخفاف والازدراء بمطالب النّاس المشروعة والمحقّة. ألا يعرف حزب الله أنّه يتحتمّ الجزء الأساسيّ من مسؤوليّة الأزمة الاقتصاديّة والماليّة المدمّرة بعدما تسبّب في قطع علاقات لبنان مع محيطه العربيّ وإدخاله في صراعات ومحاور إقليميّة لا طائل منها ولا ناقة للبنان فيها ولا جمل. ألا يعرف حزب الله أنّه المتهم الأول بحماية ورعاية منظومة الفساد في الدولة ومؤسساتها وعند معابرها وحدودها؟ ألا يعرف حزب الله أنّه المتّهم بتعريض استقرار لبنان وأمنه للخطر الدائم بسبب احتكاره ومصادرته لقرار الحرب والسّلم وحيازته السّلاح المتفلّت، وأنه لم تعد تحميه وتغطّيه ثلاثيّة زائفة، وأحداث شويّا الأخيرة خير دليل على ذلك. إنّ حزب الله هو نقطة انطلاق أزماتنا الحاليّة جميعاً. هذه الأزمات التي يعاني منها الشيعة اللّبنانيون، كما بقيّة اللبنانيين. ولكن، وانطلاقا من الواقع التّعدّديّ اللّبنانيّ، تقع على إخواننا الشّيعة بالدّرجة الأولى مسؤوليّة تصحيح هذا الخلل الفاضح الحاصل باسمهم، ووجود دويلة قضت تقريبا على الدّولة، ممّا أدّى بنا جميعا إلى الواقع الأليم والمرّ الذي نعيشه.

وتقدم جعجع بأحر التعازي إلى الطائفة الشيعية، قائلاً، “إخواني الشيعة في لبنان، قبل أن أكمل كلمتي، أريد أن اتوقف لأتقدم بأحر التعازي من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ومن الإخوان الشيعة في لبنان وكل اللبنانيين والشيعة في المنطقة بوفاة الشيخ عبد الأمير قبلان رجل الاعتدال والإلفة والوحدة والتسامح تغمده الله فسيح جناته”.

وسأل جعجع، “إخواني الشيعة في لبنان، أنتم جزء تاريخيّ وتأسيسيّ للكيان اللّبناني. فهل تقبلون بعدما كنتم من بناة هذا الكيان، ومن المدافعين عنه وعن نهائيّته وتعدّديّته ونظامه الدّيمقراطيّ في خضمّ مشاريع الوحدة والتّذويب والعسكرة والدّيكتاتوريّة والدّولة البديلة، هل تقبلون أن يسعى حزب الله، باسمكم وبالنّيابة عنكم، لتقويض هذا الكيان، واستلحاقه بمشاريع عابرة للحدود والقارّات، وتغيير وجهه وهويّته وطبيعته، مفرطا بإنجازات آبائكم وأجدادكم ونضالاتهم عبر التّاريخ؟ إخواني الشيعة في لبنان، بعد تحكّم حزب الله بمفاصل القرار الشّيعيّ ماذا حصل؟ هل ما نعيشه اليوم هو الإنماء المتوازن، أو هل تحقّقت العدالة الاجتماعيّة أو الإصلاحات التاريخيّة المنشودة؟ على العكس، لقد أصبح الفساد متأصّلا، وأصبح الإجحاف والتّهميش متوارثا، وأصبح التّمييز والطّبقيّة متأصّلين، وعاد الزّمن بكم وبكلّ اللّبنانيين عشرات لا بل مئات السّنوات إلى الوراء. ماذا نفعتكم كلّ مظاهر القوّة المصطنعة، وكلّ الادّعاءات بالانتصار في سوريا واليمن والعراق ولبنان إذا كان الظّهير الشّعبيّ لحزب الله عاجزا، شأنه شأن بقيّة اللبنانيين، عن تأمين الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة؟ ماذا ينفع جمهور حزب الله بالذات إذا كان أركان النّظام السوريّ صامدين ثابتين مرفّهين على كراسيهم بفضل آلاف وآلاف الشّبّان الشيعة الذين سقطوا في سوريا، فيما هذا الجمهور يعيش على أرضه أتعس وأسوأ وأظلم ايّامه اقتصاديا وحياتيّا ونفسيّا؟ ماذا تنفع المقاومة من دون شعب؟ ماذا ينفع المواطن الشّيعيّ انتصار الحوثيّ في اليمن على بعد آلاف الكيلومترات، إذا كان هو عاجزا عن إيصال ابنه إلى المدرسة على مرمى حجر؟ إنّ الأعمال تقاس بنتائجها، وها هي النّتائج التراجيديّة ظاهرة لكلّ النّاس على وجه الكرة الأرضيّة، وهذا يدلّ على أنّ كلّ مشروع حزب الله كان سيّئا وفاشلا”. سئل رجل حكيم، بما ينتقم الإنسان من عدوّه؟ أجاب، بإصلاح نفسه، وليس بهجاء عدوّه”.

وتابع جعجع، “إخواني الشّيعة في لبنان، إنّ فكرة “المقاومة إن لم تقترن بكرامة الإنسان ورفاهيّته وطبابته ولقمة عيشه وتعليم أولاده، تكون مجرّد شعار فارغ غير قابل للصّرف. إنّ الغاية النّهائيّة لأيّ مقاومة فعليّة لا تنحصر فقط بالبعد المعنويّ أو العسكريّ او الاستراتيجيّ، وإنّما أيضا تتعلّق بتحقيق كرامة الإنسان على المستوى الماديّ والمعيشيّ واليوميّ. فالصّاروخ لا يشبع جائعا، والأيديولوجيا لا تضيء منزلا، والمسيّرة لا تطبّب مريضاً. إنّ الاتّحاد السّوفياتيّ انهار عام 1990 ليس لأنّه لم يمتلك صواريخ ومسيّرات وأيديولوجيا وقنابل نوويّة بالآلاف، بل لأنّه اعتقد أنّه بالسّلاح وحده يحيا الإنسان، فكان اعتقاده خاطئا. إنّ من يناديكم بأشرف الناس لم يقرن قوله بالفعل، بل عند الطوابير أمام المحطّات والأفران والمستشفيات ساواكم بالذّلّ والقهر والظّلم مع بقيّة اللّبنانيين”.

وأكد جعجع أنه “ليست القوات اللبنانيّة هي عدوّتكم، ولا البطريرك الراعي ولا غيره من اللبنانيين، بل عدوّكم الفعليّ هو من أوصلكم وأوصلنا إلى ما نحن فيه. إنّ المكابرة التي ينتهجها حزب الله لن توصل الى أيّ نتيجة، فالمعضلة التي يعيشها اليوم، ليس سببها لا اميركا ولا السّعوديّة ولا الغرب ولا العقوبات التي يحكى عنها، إنّما هي مشكلة بنيويّة عضويّة تتعلّق بصلب تفكير حزب الله بأيديولوجيته ومشروعه السّياسيّ وطبيعته الشّموليّة المتناقضة مع طبيعة الواقع اللّبنانيّ، ومع نمط عيش الغالبية السّاحقة من الشّعب اللّبنانيّ وثقافته وتفكيره، ومع جوهر التّطوّر والتّغيير، وهو تاليا يسير عكس التطّور الطّبيعيّ للتّاريخ مثله مثل كلّ الأنظمة والمنظومات والحركات الشّموليّة التي سبقته. إخواني الشيعة في لبنان، إنّ اللّبنانيين بانتظاركم حتّى ترفعوا البطاقة الحمراء بوجه كلّ الممارسات التي يقوم بها حزب الله باسمكم، وتصرخوا في وجهه “هيهات منّا الذلّة. فأنتم خطّ الدّفاع الأماميّ عمّا تبقّى قائما من لبنان حتّى السّاعة.  إنّ صوتكم المرفوع هو الصّدى لصرخات الغالبيّة السّاحقة من الشعب اللّبنانيّ. هنا أختم مع هذا القول للإمام علي بن ابي طالب: رحم الله امرءا أحيا حقّا وأمات باطلا ودحض الجور وأقام العدل”.

وأوضح جعجع، “أيّها اللبنانيون، إنّ الأزمة الوطنيّة التي تهدّد الكيان اللّبنانيّ في دوره ووجوده هي الأزمة الأمّ التي تتفرّع منها كلّ الأزمات والتي يجب التّركيز على إيجاد الحلول لها عبر خارطة طريق سهلة وبسيطة: أوّلاً: انتخابات نيابيّة تكون نقطة الانطلاق والخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل. ثانياً، انتخاب رئيس جديد للجمهورية فور اكتمال عقد المجلس النّيابيّ الجديد. ثالثاً، تشكيل حكومة إصلاحات فعليّة منبثقة عن المجلس النّيابيّ الجديد تبدأ فورا بمسيرة الإنقاذ المنشود. رابعاً، إجراء حوار وطنيّ برعاية رئيس الجمهوريّة الجديد لمناقشة كلّ المسائل والملفّات الخلافيّة خصوصا تلك المتعلّقة بسيادة الدّولة وسلطتها وقرارها، والاتفاق على كيفيّة تطبيق ما لم يطبّق من اتّفاق الطّائف خصوصا ما يتعلّق بالسّلاح والّلامركزيّة الموسّعة. يبقى أنّ نجاح كلّ هذه الخطّة يتوقّف على نجاح الخطوة الأولى والأساس فيها والتي هي الانتخابات النيابيّة”.

وتابع جعجع، “أيّها اللّبنانيون، هذه فرصتنا جميعا لتقولوا كلمتكم وترفعوا صوتكم عبر صناديق الاقتراع وتطلقوا صرخة التّغيير المدوّية، وتضعوا خطّا كبيرا فاصلا بين الحاضر المأساويّ الذي نعيشه والحلم الذي نطمح إليه. وتذكّروا دائما أنّ المؤمن لا يلدغ من الجحر مرّتين… المدخل الأساس للتّغيير هو أنتم، أنتم الذين اختبرتم في لحمكم الحيّ وجنى عمركم وصحّتكم سوء التّفويض السّابق أو عدم الاكتراث، وبالتّالي حان الوقت لأن تستردّوا المبادرة بالمشاركة الكثيفة في الانتخابات وتوليد موجة سياسيّة وديناميّة تؤدّي إلى وقائع جديدة. إنّ الله لن يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم. لا حلّ في لبنان سوى أن تفـكوا أسر الدّولة المخطوفة، وتفوضوا من هو قادر على إعادة السّيادة إليها وإدارتها بشفافيّة ونزاهة بعيدا عن الفساد المتمادي. لا ميزان قوى سوى الميزان الذي تفرضونه بإرادتكم واقتراعكم، فكلّ موازين القوى الخارجيّة لا تستقيم في الدّاخل، وميزان القوى الوحيد الثّابت والدائم هو ميزانكم أنتم الذي يرسم ويحدّد وحده المصلحة العليا للّبنانييّن ولبنان في قيام دولة سيّدة على أرضها ومواطن حرّ يعيش في أمن وسلام واستقرار”.

وأردف جعجع، “وفي هذا السّياق، أوجه نداء من القلب إلى اللّبنانييّن في بلاد الانتشار، الذين لطالما شكّلوا رافعة أساسيّة للقضيّة اللّبنانيّة، والذين أثبتوا في الملمّات الأخيرة، كما أثبتوا دائما، مقدار محبّتهم ووفائهم وتعلّقهم والتزامهم بلبنان الوطن والأهل، ومقدار سعيهم الحثيث لتخفيف وطأة الصّعوبات المعيشيّة التي يرزح تحتها أهلهم في لبنان حاليّا. ولا يمكن في هذا المجال أن تغيب عن ناظريّ صورة قوافل لبنانييّ الانتشار الذين، آثروا في عطلهم السّنويّة الأخيرة، أن يتوافدوا إلى لبنان وليس إلى أيّ بلد آخر، على الرّغم من المعوقات الحياتيّة اليوميّة التي تطبع الإقامة في لبنان، من شحّ في مادّة البنزين، وانقطاع للكهرباء، وازدحام سير وغيرها، توافدوا فقط ليكونوا دعما معنويّا لأهلهم وشعبهم ودعامة كبيرة لاقتصاد بلادهم. وكما توافدوا لدعم وطنهم وأهلهم، ندائي لهم اليوم ليتوافدوا أيضا قوافل وقوافل، الى السفارات والقنصليات حيث هم، لتحضير مستنداتهم والمشاركة بكثافة في الانتخابات النّيابيّة المقبلة، لأنّ عمليّة الإنقاذ المنشودة والمطلوبة تتوقّف إلى حدّ بعيد على مشاركتهم فيها.

وأوضح جعجع، “أيها اللبنانيون، يجب أن نقلع كلّيّا عن الاعتقاد السّائد بأنّنا كشعب لبنانيّ لا حول ولا قوّة لنا مهما فعلنا، وبأنّنا لا نستطيع شيئا، وبأنّ مصيرنا معلّق إمّا على السّلاح وإمّا على الخارج. هذا خطأ فادح.

إنّ مصيرنا مرتبط كلّيّا، كلّيّا بأيدينا. إنّه مرتبط بتغيير المجموعة الحاكمة، وتغيير المجموعة الحاكمة مرتبط كلّيّا بإرادتكم يوم الانتخاب. التغيير حقـكم ومطلبكم، ولكن أيضا واجبكم ومسؤوليّتكم …إذا كنتم تقولون إنّ المسؤولين السّياسيّين أدخلوكم وأدخلوا البلاد في العذاب والهلاك وفي ضائقة خانقة وأزمة وجوديّة، فإنّ الخروج من النّفق في أيديكم ومن مسؤوليّتكم. عليكم أن تحسنوا الاختيار وتحتكموا إلى عقلكم وضمائر كم لتحاسبوا من أخطأ وأفسد وخان الأمانة، ولتنصفوا من أحسن الاداء وكان مثالا في الوطنية والإنتاجيّة والشفافية والاستقامة.

ورأى جعجع أن “كلّ العيون شاخصة نحو هذا الاستحقاق المفصليّ وهذا الاختيار الحاسم. الانتخابات النيابيّة يجب أن تحصل أقلّه في موعدها، وستحصل، ولن يكون مقبولا بالنّسبة لنا تأجيلها تحت أيّ ظرف أو ذريعة، ولا أحد يمكنه وقف الانتخابات والوقوف في وجه الإرادة الشّعبيّة الصّلبة والشّجاعة، وفي وجه الموقف الدّوليّ الواضح والحازم. إنّ أيّ محاولة في اتّجاه إجهاض الانتخابات ونسفها تحت حجّة قانون الانتخاب أو الوضع الأمنيّ أو غيرها سيتمّ التّصدّي لها وإخمادها في مهدها. وإذا كانت محطّة الانتخابات يعوّل عليها لتكون المدخل إلى التّغيير والإنقاذ، فإنّ تأجيلها أو إلغاءها سيكون شرارة لثورة شعبيّة جديدة ومختلفة في أشكالها وطرقها لتفرض بقوّة الإرادة الشعبيّة ما كان يجب ويفترض أن تحققه الانتخابات وصناديق الاقتراع. إن القوات اللبنانيّة تدعم بقوّة إجراء الانتخابات، اليوم قبل الغد، لاختصار المسافات والعذابات، وتنخرط في هذه الانتخابات بكلّ تصميم وتركيز، من أجل تغيير الخارطة النّيابيّة وإعادة رسم ميزان القوى في مجلس النّواب، الذي منه تنبثق الرّئاسات والحكومات والسّياسات وهو منطلق كلّ تغيير وقاعدته الأساسيّة. مصير لبنان بين أيديكم، وكما تقترعون يولّى عليكم. إذا أردتم التّغيير فعلا، غيروا في طريقة انتخابكم”.

وقال جعجع، “أيّها اللبنانيون، مثلما ندعو إلى انتخابات نيابيّة مبكرة ندعو إلى انتخابات رئاسيّة مبكرة. وعندما تدقّ ساعة الانتخابات الرّئاسيّة ستكون لنا كلمتنا وسيكون لنا الموقف المناسب والمتناسب مع حجم المرحلة والأزمة. أوّل الغيث، ونقولها علنا، إنّنا نرفض الرّئيس الخانع والخاضع والمساوم على الأساسيّات والثّوابت. نرفض الرئيس الضّعيف. كما نرفض الرئيس القويّ بتغليب مصالحه ومصالح أتباعه وأزلامه في الدّولة، على حساب الدّولة وكلّ اللّبنانيين. لا نريد الرئيس القويّ الذي يفتعل الأزمات، ويسيّب الدّولة ويفقر اللّبنانييّن. بكافّة الأحوال، هكذا رئيس، رئيس قويّ بالشّكل والكلام، ضعيف وضعيف جدا بالفعل. لقد أتت نتائج رئاسة الرئيس ميشال عون كارثيّة، وكارثيّة جدّا علينا جميعا كلبنانييّن، وبالأخصّ كمسيحييّن. وإذا كان البعض يعيب علينا مشاركتنا في انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهوريّة، فإنّنا فعلا نأسف أشدّ الأسف أن تنقلب خطوة كانت مشبعة بكلّ نوايانا الحسنة، وذات مرام وطنيّة ومسيحيّة هامّة جدّا، أن تنقلب خطوة أردناها إنهاء للفراغ الرّئاسيّ ومناسبة لوحدة وطنيّة حقيقيّة ولعودة المسيحييّن إلى الدّولة، والتئاما لجراح تاريخيّة داخل البيت الواحد، نأسف أشدّ الأسف أن تنقلب مأساة لم يعرف لبنان لها مثيلاً. أمّا ما نريده فعلا، فرئيسا سيّدا حرا مستقلا نظيفا مستقيما، لتكون لنا جمهوريّة سيّدة حرّة مستقلّة قويّة وذات مصداقيّة. نريد رئيسا قبطانا يقود سفينة الدّولة والشّعب إلى برّ الأمان في خضمّ العواصف، لا رئيسا قرصانا يأخذ الشّعب رهينة أنانيّته، ويدير دفّة المركب على هوى مصالحه.

وتطرق جعجع إلى انفجار المرفأ في 4 آب 2020 قائلاً، “أيّها اللبنانيون، ما أصاب بيروت التي ما زالت تنزف من جروح عميقة لا تلتئم، ما أصاب أهلنا في بيروت الذين خسروا أعز وأغلى ما لديهم وعانوا وصبروا… ما أصاب مجتمعنا من صدمة قاتلة حفرت في القلوب والذاكرة والوجدان، يجعلنا لا نقبل ولا نعترف بأيّ حصانات لكائن من كان، ولا نقبل بأيّ فذلكات أو مماحكات قانونيّة. إن الصلاحية في جريمة انفجار مرفأ بيروت تعود إلى التحقيق العدلي وليس إلى مجلس النواب. في قضيّة المرفأ لا خطوط حمرا للقوات حول أيّ موقع أو رئاسة. سيأتي يوم تعرف وتكشف فيه كلّ الحقيقة ومن يعمل على تمييع التّحقيق والمماطلة فيه والتهديد لتعطيله. إنّ التّحقيق العدليّ سائر في الاتّجاه الصّحيح على الرّغم من كلّ المعوّقات وعمليّات الالتفاف والتّحوير والتّخويف والتّرهيب وعدم التّجاوب، ويقتضي أن يستمرّ غير عابئ بالتّهويل والتّهديد من أيّ مصدر كان لأنّ إرادة اللّبنانيين الأحرار وأهالي الضّحايا تبقى أقوى من أيّ صوت يرتفع محاولا قطع الطّريق أمام التّوصّل إلى الحقيقة ومحاسبة المرتكبين. وإذا لم يتمكّن التحقيق العدلي، لا سمح الله، من إكمال مهمّته لسبب من الأسباب، فإنّنا أعددنا العدّة إلى التّحقيق الدّوليّ وقد كنّا السبّاقين ومنذ اليوم الأوّل إلى المطالبة بلجنة تقصّي حقائق دوليّة وقمنا بخطوات عمليّة في هذا الاتّجاه. ما يزيد مرارتنا أنّنا لم نكن بعد قد كفكفنا دموعنا جرّاء انفجار المرفأ، حتّى فاجأتنا مأساة ثانية حصلت في بلدة التليل في عكار، بعيد الذّكرى الأولى لانفجار المرفأ. إنّ سقوط عشرات الضّحايا ومعهم عدد أكبر من المصابين والمشوّهين، يشكّل إدانة واضحة وفاضحة، لمن يرفض المحاسبة ويعرقل القضاء ويهدده ويحجم عن منع التّهريب والاحتكار والصّفقات المشبوهة بحجة دعم يذهب في معظمه هدرا ونهبا. فمن شهداء المرفأ إلى شهداء التليل، سلطة فاسدة واحدة، وإهمال وإجرام واحد”.

وتابع جعجع، “أيّها اللبنانيّون، عندما توصد كلّ الأبواب الأرضيّة ويعمّ اليأس والقهر والظّلم أرجاء الوطن، تبقى أبواب السّماء مشرّعة على الأمل والحريّة والرّجاء والعيش الكريم من خلال نافذة اسمها بكركي. إنّ بعض الذين أوصدوا أبواب الرّزق والبحبوحة والعيش الكريم على اللبنانييّن وشرّعوا لهم بالمقابل أبواب جهنّمهم، لم يكتفوا بفعلتهم الشّنيعة تلك، بل يسعون إلى إقفال أبواب بكركي وكمّ كلّ الأفواه الحرّة أيضا، إمعانا في دفع اللّبنانيين إلى قعر جهنّم أكثر فأكثر. إنّ بكركي كانت المحرّك الرّئيسيّ لقيام دولة الحقّ والحريّة والكرامة والإنسان في لبنان، أمّا الآخرون فحوّلوا هذه الدولة إلى مغارة للّصوص والفساد والظّلمة والبؤس والاهتراء. ومع ذلك لم يتورّعوا عن المحاضرة في العفّة وتخوين البطريرك وشنّ حملة لا أخلاقيّة شعواء عليه بمساعدة بعض اليوضاسيّين والذّمّيين. وبين البرتقاليّ الذّابل والأصفر الشّاحب تبقى الجبّة الحمراء ناصعة مشرقة مضاءة كقـرص شمس لا تغيب.

أيّها اللبنانيون، منذ قيام لبنان، وبكركي تعدّ نفسها مسؤولة عنه وعن ديمومته واستقراره وحرّيّته وازدهاره، ومنذ قيامها لم يسعها سوى مشاطرة الشّعب اللّبنانيّ قلقـه على وجوده ومصيره ومعيشته ومستقبل أولاده. إنّ ما يطالب به البطريرك الراعي خصوصا لجهة حياد لبنان وإبعاده عن الصّراعات الإقليميّة والدّوليّة، ولجهة رفع اليد عن الدّولة، يعبّر بالضّبط وبالتّحديد عن رأي غالبيّة ساحقة من الشّعب اللّبنانيّ. فمن هنا ومن صميم قـلوبنا ألف تحيّة وسلام لغبطة أبينا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، خير خلف لخير سلف. وإذا كان البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير قد أضاء طريق الوطن في أصعب الظّروف، فإنّ البطريرك الراعي ينيرها في أكثر الأيّام سوادا، حتّى يعبر شعب لبنان بسلام إلى شاطئ الأمان”.

ووجه جعجع نداء خاص للشّابّات والشّبّان في لبنان، قائلاً، “أيتها الشّابات، أيّها الشّباب، أنا مدرك تماما حجم الغضب الذي يعصف بكم، وشعور الإحباط الذي يساوركم والخيبة العميقة التي تشعرون بها. وأنتم محقّون في كلّ ما تشعرون به، بعدما تحطّمت طموحاتكم عند جدار الفساد المرتفع وعلى يد منظومة حاكمة مارقة وفاشلة، وبعدما صار حاضركم من دون أمان وحدّ أدنى من ضمانات مطلوبة، وصار مستقبلكم من دون أفق. أنا بصراحة متألّم جدّا لحالة اليأس والقنوط التي تضرب جيل الشّباب، ولنزعة الهجرة التي تطال ليس فقط خرّيجي الجامعات وإنّما أصحاب الكفاءات والخبرات على كلّ المستويات وفي كلّ القطاعات. أعرف أنّكم تريدون تطوّرا وتكنولوجيا لا سلاحا وأيديولوجيا تريدون إصلاحات لا صلاحيّات وفـرص عمل لا فـرص هجرة وكثرة فعل لا كثرة حكي. تريدون دولة فاعلة وقويّة حتّى تعملوا وتبدعوا بعرق وكدّ ونجاح، لا بطاقة تمويليّة تتصدّق بها عليكم سلطة فاسدة سرقت ودائع النّاس بيد وتعطيهم من الجمل أ ذ نه باليد الثّانية… ولكنّني مع ذلك أقول لكم بكلّ شفافية وثقة وبخبرة الذي عاش أقسى التّجارب وأصعب المراحل، إنّ كلّ ما نمرّ به ونعيشه منذ سنوات وتفاقم منذ أشهر هو مؤقّت وظرفيّ وعابر. نحن موجودون الآن في الحفرة ولا نرى إلا الأشياء البشعة التي في داخلها، ولكن عاجلا أم آجلا، سنخرج من الحفرة اللعينة السّوداء إلى رحاب الحياة المشرقة، من حفرة الظّلم والظّلام إلى أرض النّور والحقّ. ما نعيشه هو استثناء، وما نراه على أرض الواقع هو مخاض مؤلم موجع لكنه سيمرّ. هذا ليس لبنان الذي نعرفـه ونريده، هذا ليس لبنان الذي يشبهنا وناضلنا في سبيله، هذا ليس لبنان الرّسالة ولا لبنان الحضارة والتّاريخ والإبداع. هذا ليس ما يستحقّه شعب لبنان الذي تميّز وتفوّق، وحلّق ونال إعجاب العالم… شعب لا يذلّ ولا يهان ولا يطأطئ رأسه لمحتلّ وغاصب، ولا يرضى معاملة مماثلة من سلطة غاشمة ظالمة ومستبدّة تخلّت عن مسؤوليّاتها لا يردعها رادع ولا ضمير ولا أخلاق. لبنان كان دائما وسيعود بالتّأكيد بلدا حرّا سيّدا مستقلاً. بلدا للإنسان”.

وأضاف جعجع، “فيا شابّات وشباب لبنان، لا تدعوا اليأس يتسلّل إليكم وينال منكم. امتلكوا الإرادة القويّة، إرادة التّغيير وقلب الواقع والطّاولة. لا تديروا ظهوركم لأهلكم ولوطنكم وإنّما أعطـوهم وجهكم وتصرّفوا على أساس أنّه وجهتكم النّهائيّة، وأنكم إمّا باقون فيه أو عائدون إليه مهما طال الزّمن أو قصر لأنّه سيستعيد سيادته وعافيته ودوره وألقه وكلّ ما يحمل من خصائص وميزات. ويكون الوطن الذي يشبهكم، وبه تفتخرون وإليه تتوقون. لبنان على مرّ تاريخه شهد احتلالات كثيرة، كلّها زالت وبقي هو هو. وقع في تجارب ومطبّات مريرة، ينهض ويعود أقوى كلّ مرّة. قدرنا وخيارنا أن نواجه ونصمد. هذه أرضنا وفيها متجذّرون. هذا وطننا الذي خلقنا فيه ونموت فيه ومن أجله. هذه إرادة البقاء والصّمود التي تحلّينا بها، وغيّرت وأسقطت مخطّطات ومشاريع داخليّة وخارجيّة مشبوهة وستغيّر وستسقط ما تبقّى من هذه المخطّطات ومن احتلالات مموّهة”.

وأردف جعجع، “وأخيراً، شهداؤنا الأبرار لقد أعطيتم كلّ ما لديكم بسخاء، في سبيل الكرامة والوجود والحفاظ على الدّولة القويّة، فيما السلطات المتعاقبة لم تبادلكم سوى بالجحود والنكران والفساد والفشل. إنّ سلطة تتنكّر لتضحية شهيد هي سلطة تتنكّر لأبسط واجباتها تجاه شعبها في الكرامة والأمن والحرّية والعيش الكريم، من لا يحترم الشّهداء لن يحترم الأحياء…ومن لا يحترم الشّهداء والأحياء هو نفسه غير جدير بالاحترام. لقد اختربت البصرة واحترقت روما، لكنّنا لن ندعهم يقتلون شابّاتنا وشبّابنا باليأس والقرف والإحباط بعدما قتلوا لنا شهداءنا، بالرّصاص حينا، وبالنكران حينا آخر، وبطمس هويّة لبنان الحرّ أحيانا أخرى. من أسقط مشروع الوطن البديل، لن يصعب عليه إيجاد للسلطة الحاليّة بديل. من تحدّى سلطة الوصاية، لن تقف بوجهه سلطة الفساد. وبنهاية المطاف مهما فعلوا، مهما كذبوا، مهما أجرموا، ومهما طال الزّمن، فإنّهم زائلون، زائلون، زائلون، ونحن والشّعب اللّبنانيّ، باقون، باقون، باقون. المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، العزّة والكرامة لشعبنا الأبيّ، عاشت القوات اللّبنانيّة، ليحيا لبنان”.

والقى المطران رحمة عظة واشار فيها الى ان صاحب الغبطةِ والنّيافة الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي الكليّ الطوبى، بطريركُ أنطاكية وسائر المشرق، كلّفَه ليكون في هذا الاحتفالِ السنويّ الذي يَعبِقُ بالكثيرِ من الـمَعاني الوطنيّةِ والكنسيّةِ العميقة. فجاء مُحَمَّلًا بِبَركَتِه الأبويّة، رافِعًا الصلاةَ والتّضرُّعَ إلى الله على نيّةِ وَطَنِنا لُبنان الذي يَرزَحُ في هذه الأيّامِ الصّعبةِ تحتَ أَحمالِهِ الـمُرهِقة على كلِّ الـمُستَوياتِ السِّياسيّةِ والإقتصاديّةِ والإجتماعيّةِ والصحيَّةِ والتربويّة. وشدد على اننا نَرفَعُ ذبيحَتنا الإلهيّةَ بالاتّحادِ مع شُهَدائِنا الأبطالِ الذين سَقَطوا على أرضِ الوطنِ دِفاعًا عن كرامتِه وسِيادتِه وقضيَّتِه السّامية، وبشكلٍ أخصّ على نيّة شهداءِ القوّات اللّبنانيّة.

وقال، “يضعُنا إنجيلُ اليومَ، إنجيلُ الفريسيّ والعشّار (لو 9: 14 – 18) أمام نَموذَجَيْنِ من البَشَرِ: النموذجُ الأوّلُ المتمثِّلُ بالفرّيسيّ، مَرَضُه الانتفاخُ وعَمى البَصيرة، لا يَنظُرُ إلى إعماقِ نَفسِه الـمُتعفِّنةِ بالكبرياءِ وإدانةِ الآخَرين، ولا إلى الله الكليِّ الرحمةِ والطّيبة، بل يُرَكِّزُ نَظَرَهُ على المظاهرِ الخارجيّةِ التي تُؤَهِّلُه أن يَبرُزَ في مجتمعِهِ على أنَّهُ مُنَزَّهٌ عن كلِّ عَيْب. أمّا النموذجُ الثاني، المتمثِّلُ بذاكَ العشّارِ، المريضِ هو أيضًا بدنسِ الخطيئةِ والفساد، إلّا أنّه، بحسبِ حُكمِ الربِّ يسوع، العائِدُ إلى بيتِهِ مُبَرَّرًا، مُحَرَّرًا من أثقالِ فضائحِ ماضيه الـمُلتوي، ومن أعباءِ خطاياه الفائتة، لأنّه آمَنَ برحمةِ الله وأبُوَّتِهِ، ومن تلكَ الرَّحمةِ الإلهيَّة استَطاعَ أن يَسْتلَّ كنوزَ الحبِّ والصَّفحِ والغفران، تارِكًا الربَّ يَغسِلُ حقارَتَهُ وعَفَنَهُ وفسادَهُ بدموعِ التّوبةِ وأنوارِ الحقيقةِ التي تُحَرِّر”.

وتابع، “وفوقَ هاذَيْن النموذَجَيْن، يُطلُّ علَينا الله، الطريقُ والحقُّ والحياة، فاحِصُ الكِلى والقلوبِ (إر 17: 10)، ذاكَ الذي يرى ما يُرى وما لا يُرى (متى 6: 4)، ذاكَ الذي لا يَخْفى عليه شيءٌ لأنَّهُ صانِعُ كلِّ شيءٍ، ذاكَ الذي خلَقَ الإنسانَ ولا يُريدُ من خَلقِهِ هذا سوى قَلبِه: “يا بُنَيّ، أعطِني قَلبَكَ” (لا 23: 26)، هو ذاكَ الذي يَغسِلُ القُلوبَ ويُلَيِّنُها مَهما اتَّسَخَت وقَسَت وتَصَلّبَت، ويُقَرِّبُ المسافات مهما أبعدَها الإنسانُ، فالله خبيرٌ في قلبِ الإنسان لأنَّه الحبُّ المُطلَق. أمامَ الله إذًا، لا يُمكنُ لأحدٍ أن يَخفيَ شيئًا، فإذا استَطاعَ الإنسانُ أن يَغشَّ أخيهِ الإنسان، وإذا سمَحَ الفرّيسيُّ لنَفسِهِ أن يَدينَ العشّارَ ويتعالى ويحكُمَ عَلَيْه، وإذا تجرَّأَ الأخُ الأكبرُ أن يُلغي أخيهِ الشّاطِرَ من قاموسِ حياتِه، وإذا تمكَّنَ قايين من قتلِ أخيهِ هابيل، إلّا أنَّ عينَ الله تعلو الجميعَ، والكلمةُ الأخيرةُ ليست للظلمِ والفسادِ والاستعلاءِ وإلغاءِ الآخرِ، بل هي لله وحدَه. ويبقى صوتُ الله صارِخًا في أُذُنِ وضميرِ كلِّ “قايينٍ”: “ماذا فعَلتَ يا قايين؟ صوتُ دمِ أخيكَ صارِخٌ إليَّ من الأرض؟” (تك 4: 10)”.

رحمة سأل، ” أتساءَلُ معكم: حتّامَ سيظلُّ قايينُ بَيْنَنا؟ حتّامَ سيظلُّ قاسِيًا مُتَحَجِّرَ القلبِ، مُتَمَسِّكًا بشريعةِ الغابِ، حاسِبًا نَفسَه كأنّهُ الله في ذاتِه؟ حتّامَ سيَبقى سفرُ التّكوينِ والوُجود بحاجةٍ إلى شهداءَ أمثالَ هابيل البارِ ليَفدِيَ مواطني الجنّة؟ ألا تَكفي دماءُ يسوع، آدم العهد الجديد، ابنِ الله المتجسِّدِ؟ ألا يَكفي صَليبَه لافتِداءِ الإنسان؟ ألا تكفي دماؤه لافتِداءِ العشّارين والخطأةَ والفرّيسيّين أيضًا؟ لمَ كلُّ هذه القساوةِ على إنسانِنا المُعاصِر؟ لمَ كلُّ هذا الظُلمِ في حقِّ المواطنِ اللّبنانيِّ الذي يَجوعُ ويَعطَشُ ويُحرَمُ ويُقتَلُ ويموتُ كلَّ يوم ليَفدِيَ رئيسًا من هنا ومسؤولاً من هناكَ؟ لِمَ لا يموتُ المسؤولُ في وطني فداءً عن المواطنين، إن كانَ حقًّا يُحبُّ الوطنَ والمواطنين؟ لماذا صُمَّتْ آذانُ بعضُ المسؤولينَ في وَطني؟ ولماذا عَمِيَت بصائرُهُم؟ ألا يَخافونَ الله؟ ألا يَخافونَ الموتَ والدّينونةَ ويومَ الحِساب؟ ألا تُثيرُ دموعُ أمّهات الضحايا والشهداء شفقتَهم؟ أليس لديهم أمّهات؟ أتَخَدَّرَت حَواسُهم وماتَت ضمائرُهم وبَليَ فيهم الحياء؟”

وأكد اننا نجتَمِعُ اليومَ لنؤدّي تحيّةَ الوفاء والتَّكريم في حضرةِ شهداءِ القوّات اللّبنانيَّةِ، الذين أبَوا أن يَعيشوا هُم ويموتَ الوَطن، بل اختاروا الاستشهادَ ليبقى الوطنُ، مستذكرا معهم شهداءَ الجيشِ اللّبنانيّ والقوى الأمنيّة، وشهداء الصّليب الأحمر اللّبنانيّ والدّفاع المدنيّ، وشهداء فِرق الإنقاذ والإطفاء، وجميعَ شهداءِ الوطنِ على اختلافِ انتماءاتِهم الطائفيَّةِ والمذهبيّةِ والحزبيّة، إذ أنّهم باتوا ينتَمونَ إلى وطنٍ جديدٍ هو وَطنُ السّماءِ حيثُ لا تمييزَ ولا تحزُّب، لا غِشَّ ولا تَفرِقة، لا ذُلَّ ولا تَمييز، لا تَعالي ولا استِكبار، لا تنافُسَ ولا متاريس، لا حربَ ولا طُغيانَ، لا جَشَعَ ولا جوعَ ولا ألَمَ، ولا مكانَ لمنطقِ الغابِ والعُنفِ والتسلُّطِ وإلغاءِ الآخر.

ولفت الى ان في وطنِ السَّماءِ يسودُ منطِقُ الحبِّ، ويُفرضُ منطقُ الأخوَّةِ والوحدةِ، لا بقوَّةِ السِّلاحِ والمال والتّرهيب بل بقوَّةِ المحبَّةِ التي لا تَزول، مضيفا: “هناكَ يتنعَّمُ شهداؤُنا الأبرارُ في حضرةِ الله الكليِّ القدرةِ والقوَّةِ والمجدِ، هناكَ يسكُنُ حُرّاسُ القضيَّةِ والوطنِ والإنسان، هناك ينعَمُ فقَط من كانَ للوطنِ والإنسانِ مُخلِصًا وأمينًا. والله الإبنُ، الذي بَذَلَ نَفسَهُ بإرادَتِهِ وحُرِّيَتِهِ المُطْلَقَتَيْنِ في سبيلِ خلاصِنا وافتِدائنا، هو العَليمُ بما كانَ في قلوبِ شُهدائنا من رغبةٍ صافيةٍ في افتِداءِ الوطن والمواطِنين، وهو الكفيلُ بمكافأةِ الشهداءِ وتكليلِهِم بتاجِ البُطولةِ والعنفوانِ لأنّه خبيرٌ بالحبِّ وعطاءِ الذاتِ حُبًّا بالآخرين، فهو من أسَّسَ مدرسةَ الاستشهادِ والفداءِ، وهو من أَطلَقَ شِعارَها القائل: ” ليس لأحدٍ حبٌّ أعظمَ من أن يبذُلَ الإنسانُ نفسَهُ في سبيلِ أحبّائه” (يو 13: 15) فكانَ أوَّلَ من نادى به وطَبَّقَهُ بالقولِ والفِعلِ والحياة”.

وتوجه للشهداء الابطال وذويهم بالقول: “أَنُطَمئِنُهُم على الوطنِ-القضيّة قائلين: “إفرَحوا وتَهلَّلوا في عليائِكم لأنَّ كلَّ شيءٍ على ما يُرام”؟ يا لَيْتَ الحقيقةَ كذلك! في قرارةِ نَفسي قناعةٌ أنَّ الوطنَ الـمُكرَّسَ وَقفًا للربِّ هو وطنٌ لا يَموت، وأنَّ الوطنَ الذي يُكَرِّمُ مريمَ العذراء أرزةَ الوطنِ والكنيسة هو وطنٌ أبَديٌّ لمن يُحِبّونَ الوَطن، وأنَّ الوطنَ الذي يُقدِّمُ للعالَمِ أبطالًا في القداسةِ أمثالَ شربل ورَفقا ونعمة الله ويعقوب وإسطفان هو وَطنٌ أبديٌّ في وُجودِهِ ورِسالَتِه، وَلَو كَـــثُرَ فيه الفرّيسيّون والفاسِدون. نعم، إنَّ وطنَ تلاميذِ مار مارون الشّهداءِ الذين سُفِكَتْ دماؤهم على ضفاف نهر العاصي هو وطنٌ لم يولدْ بالصّدفة بل بالشّهادة والاستشهاد، وإنَّ الوَطَن الذي لم تبخُل كنيسَتُه في تقديمِ بطاركةٍ وأساقفةٍ وكهنةٍ ورهبانٍ وراهِباتٍ ومؤمنينَ ومؤمنات وقُواتيّين وقُوّاتيّات شهادةً لإخلاصِها وعِشقِها له هو وطنٌ لن تَقوى عليه أبوابُ الجحيم. وإنَّ حبّةَ الحنطةِ متى وَقعت في التُّرابِ وماتَت، أنبَتَت ثمرًا، بعضٌ مئة وآخرُ ستّين وآخرُ ثلاثين (متى 13: 8). نعم يا أحبّائي، يا أمّهات الشُّهداء وآباءَهم، نعم يا انسباءَهم ورِفاقَهم والأصدِقاء، إنَّ الوطنَ الذي حَلُم فيه الشّهداء هو الباقي، أمّا الفاسِدون من الزّعماء والمسؤولين، وحتّى من الـمُواطِنين العادِيّين أصحابِ بعضِ المصالحِ والتّجار والمُحتَكِرين، أولئكَ الذينَ عبثوا في رِسالةِ الوطنِ وأهمَلوا حلمَ الشّهداء، فإلى مزبلةِ التّاريخِ وجُهنَّم”.

ولوالِدةَ الشّهيدِ قال: “صلِّ، صَلِّ مَعي ولا تَمَلّي، فكما لطالَما صَلَّيْتي على نيّة توبةِ المجرمِ الذي حَرَمَكِ رؤيَةَ ابنِكِ وتقبيلَ جبينِه، كذلك اليوم تابِعي صلاتَكِ على نيَّةِ توبةِ الفاسِدين في وطِننا، عساهُم بتوبَتِهم يُوفِّروا علينا وعلى شهدائِنا مَزيدًا من الاستشهاد. أَستَحلِفُكِ بدماءِ شهيدِكِ الغالي أن تُصَلّي بإصرارٍ مع قدّيسي لبنانَ وقدّيساته على نيّةِ الطّغاةِ في وطنِ الشُّهداء عَساهم يَشبَعون فيَتوقَّفون عن استنزافِ ما تَبقّى من الوطنِ”.

ومتوجها لآباءَ الشهداءِ وشقيقاتهم وأشقّائهم وزوجاتِهم وأبنائهم وذوي المفقودين، شدد على انه لكلِّ كُفرٍ وظُلمٍ وطُغيانٍ نهاية، “فلا تَسمَحوا للظالِمينَ أن يَنزعوا ما زرع الله فيكم من رجاءٍ في وطنِ الشّهداء، فَكَرْمى لذخائرِ شُهدائِنا، أصمُدوا، قاوِموا فأنوارُ الفجرِ ستَلوحُ لا مَحالة، وحُلمُنا في أن يَنهَضَ وَطنُنا ويتحرّرَ من أَيْدي الزُّعَماءِ الفَرّيسيّين سيتحقّقُ عاجِلًا أم آجِلًا، فمَهما اشتَدَّ ظلامُ اللّيلِ، فإنَّ الشمسَ طالِعةٌ لا مَفرّ”.

وأكد لرِفاقَ الشّهداء، والمواطنينَ الأحرارَ انهم الشهداء الأحياءَ في وطنِ الجِهاد الدّائم، ومعًا سيتم بناء ما تَهدَّم، معًا سنكونُ ثورةَ رجاءٍ في وطنٍ اعتادَ على الألم وأبى أن يَفقِدَ الكرامةَ مهما ثَقُلَتِ الأحمالُ وكَبُرَتِ التَّحدِّيات، مشددا على ان معًا، وبِنِعمةِ الله، وبعنادِنا المقدّسِ وتكاتُفِنا ووحدتِنا، سنُعيدُ لبيروتَ ومرفئها وإنسانِها الرّجاءَ والجمالَ، وسنُطالِبُ بإحقاقِ عدالةِ الأرضِ وعدالةِ السّماءِ حتّى آخرِ رمقٍ من حياتِنا، حينئذٍ يفرَحُ شُهداءُ بيروت-الوطن في عَليائِهم ويُكشَفُ الفريسيُّ الماكِرُ الخائنُ في وَطاوَتِه، ويَنزلُ الـمُتكبِّرون عن العُروش”.

واوضح انه عِندما يتَحدَّثُ عن شهداءِ العاصمةِ إنّما تتبادرُ إلى ذِهنه لوائح لا تنتَهي من الشُّهَداء في التليل وبعلبك وطرابلس وصور وصيدا وغيرها من المدن والبلدات اللّبنانيّة، فشوارِعُنا وساحاتُنا وبيوتُنا وعِيالُنا مليئةٌ بالشُّهداء، فالمواطنُ اللّبنانيُّ يُقتَل كلَّ يومٍ على أيدي العُميانِ الأنانيّينَ من المسؤولينَ الظّالِمين: في محطّات الوقود يُذَلُّ، وأمامَ أفرانِ الخُبزِ يُهانُ، وفي صالاتِ المصارفِ تُنهَبُ أَموالُه، وفي طوابيرِ الصيدليّات يَشحَذُ الدَّواءَ، وأمامَ المُستَشفَيات ينتَظر ساعةَ الأجل، فقط لأنَّ جيوبَ بعضِ المسؤولين لا تَزالُ تَتّسِعُ لمزيدٍ من مالِ الفقراء، ولأنَّ تجويعَ الناس باتَ وسيلةٌ مُبَرمجةٌ فَعّالةٌ يستخدمُها بعضُ المسؤولين الفرّيسيّين للتَحكُّمِ بالناسِ بهدفِ تَمديدِ وِلايةِ سلطتهم وتَعزيز فسادِهِم.

المطران رحمة جدد التأكيد ان الامل يبقى بثورة شعبيَّةٍ إنتِخابِيَّةٍ لا خلاصَ للبنانَ بدونِها، ولا مَجالَ لإصلاحِ الوطنِ من فسادِ الفرّيسيّين الذين يحكُمونَه بدونها، معتبرا ان يَسوع المسيح الثائر الكبير على جهالات الفرّيسيّين، يبقى المثال الابدي في عدمِ الخنوعِ ورفضِ الظلمِ والاستبدادِ ومُحاربةِ الفساد، كلٌّ ابتداءً من نفسِه. وشدد على ان الرهان في هذه الأيّامِ الصّعبة لا يقوم إلّا على الله وعلى المؤمنين به والمُتَشَبِّهين به، وعلى ثورةٍ إنتِخابيَّةٍ تَقتَلِعُ الفاسِدَ من جُذورِه وتُعطي السلطةَ لِأُناسٍ كَفوئين نَظيفي الكَفِّ لا يُساوِمون على كرامةِ المواطنينَ ولا على سيادةِ الوطن وعلى ثورةٍ شعبيّةٍ لا يَنتَهي دَورُها مع انتهاء المعركةِ الإنتخابِيَّةِ النّيابيَّة، بل ثورةٍ ناشِطَةٍ، لا تَنعَسُ لا تَنام، تُتابِعُ العَمَلَ معَ السُّلطةِ العَتيدةِ لتُحرِّرَ القضاءَ وتُطلِقَ العِنانَ للعدالةِ الأرضيَّةِ وتُشَرِّعُ أبوابَ السُّجونِ لمن لا يَزالُ مُصِرًّا على إعدامِ اللُّبنانيّين ونَحْرِ لبنانَ الرِّسالة، وطنِ الإنسانِ الحُرِّ، وحُلمِ الشّهداء الأبطال، وقضيّة القدّيسين.

من هنا ركّز على ان الرهان على ثورةٍ إنتِخابيَّةٍ تُعطي الأمَلَ لشبيبةِ لُبنان الواعِدة والمُبدِعة في أن يَجِدوا مَكانًا لهم في وَطَنِهِم، فيُتاجِروا فيه بوزَناتِهِم فلا يضطَروا على الإنسلاخ عنه وفي ذلك استشهادٌ يوميّ، لبنان السياحة والبيئة والزراعة والصّناعة والتّجارة والتّربية ليس وَطَنًا فَقيرًا أو قاصِرًا، بل وَطَنًا غنيًّا نَهَبَه بعضُ الخَوَنةِ والمُجرِمين، لذلكَ يَقومَ الرهان على ثورةٍ إنتخابِيَّةٍ توصِلُ أصحابَ الضّميرِ والأخلاقِ إلى السُّلطة، توصِلُ رِجالاتٍ تَليقُ بلُبنانَ الثَّقافةِ والتّاريخ والرِّسالةِ والإنفِتاح، ثورةٍ تُغَيِّرُ الذِّهنيّات وتَجعلُ من لبنانَ-التَعدُّديَّة وَطنًا يعيشُ تحتَ سمائِهِ الإنسانُ مُسالِمًا مُتآخِيًا مع أخيهِ المواطنِ بغضِّ النَّظرِ عن انتمائه المذهبيّ والطّائفيّ والحزبيّ والسياسيّ. وختم بالتشديد على ان الرهان على ثورةٍ إنتِخابيَّةٍ يُشارِكُ فيها المُقيمون والمُنتَشِرون في العالم، تجعَلُ العَلَمَ اللُّبنانيَّ عالِيًا ولا يُعلى عليه، وتَجعَلُ الأرزةَ في وَسَطه أكثَرَ شموخًا طالما أنَّ تَحتَ أغصانِها يَجتَمعُ الجميع بسلامٍ وَكَرامةٍ ومَحَبَّة.

وعاون المطران رحمة لفيف من الكهنة، وخدمت القداس جوقة سيدة اللويزة برئاسة الأب خليل رحمة. وقد تلت الرسالة جيسي عيراني زوجة الشهيد رمزي عيراني، فيما تلا منسق منطقة جزين جورج عيد نية عن لبنان وقال: “لبنان البلد الذي سمى أهله بإسمه لا سمي باسم أهله، لن يكون إلا لأهله وأهله لن يكونوا إلا له. لبنان ذُكِر عشرات المرات بالكتاب المقدس، ومشى يسوع بأرضه وشفى الكنعانية، لبنان اليوم معذب وموجوع بين الجلجلة والصليب، وما يزيد ألمه ان الجلادين يحملون اسمه ويحاولون تجييره إما لخارج الحدود او لداخل جيوبهم، ولكن لبنان لن يموت طالما هناك رب السماء وطالما نحن مؤمنون بالمقاومة المستمرة على الأرض. يا رب، لا تهجر سماء لبنان، لبنان الوطن والكيان، لبنان الإنسان والإيمان، مساحة الحرية لكل المذاهب والأديان، وأرض الشهداء الذين لا يطالهم لا نكران ولا نسيان”.

ورفعت رئيسة مصلحة الصيادلة في “القوات” ايلين شمّاس الصلاة عن نية المسيحيين في الشرق، وشددت على ان المسيحيين في لبنان والشرق آخر علامة للرهان على الإنسان كقيمة بمعزل عن انتمائه. وتابعت: ” نصلي يا رب كي تكون دائما المعزي والحامي لهم، ليبقوا رمز التنوع والخميرة بين اخوتهم، ومنارة الحق بوجه الظلم والظلامية. فالمسيحيون في الشرق ليسوا كبش محرقة بين التطرف الأصولي ومحاور الهيمنة، وبين الخيار بالقتل والتهجير وخيار الموت البطيء. يا رب، انت الذي اخترتهم شهودا لك في هذه المنطقة، لا تجعلهم مشاريع شهداء، لأنهم أهل الأرض بعيدا عن منطق الأقلية والأكثرية. لهم يا رب ولشركائهم بالانفتاح والاعتدال في محيطهم العربي والمشرقي نصلي”.

فيما رفع رئيس مكتب التواصل مع المرجعيات الروحية في “القوات” انطوان مراد الصلاة عن نية الكنيسة واعتبر ان كنيستنا أرزتنا بكل أغصانها وفروعها وجذورها التي تتشارك بحمل الأمانة للمسيح المنتصر على الموت، ولا تتردد بإدانة الكتبة والفريسيين الكذبة، وصوتها لم يخفت ولن يخفت، لم يسكت ولن يسكت في وجه اي سلطنة أو هيمنة. وأضاف: “من يوحنا مارون المقاوم الأول، للبطركين الشهيدين دانيال الحدشيتي وجبرائيل حجولا، للدويهي والحويك وعريضة وصولا لنصرالله صفير، مسيرة بطولة بالإيمان والعنفوان. واحفظ يا رب سيدنا وغبطة أبينا الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى الذي يخوض التحدي بكل جرأة وثبات على خطى البطاركة الكبار، وشُدّ من عزيمته وعزيمة كل الأحبار وقادة الكنيسة وعلى راسهم قداسة البابا فرنسيس، من أجل كرامة لبنان وحياده. لسيدنا الراعي ممثلّا معنا بسيادة المطران حنا رحمة السامي الاحترام ولكنيستنا المقاومة يا رب نصلّي”.

وعن نية ضحايا وشهداء المرفأ والتّليل، تضرع رئيس مصلحة المهن القانونية المحامي جورج فيعاني للآب، وقال: “من سنة وشهر تزلزلت بيروت للمرة الثانية بتاريخها، الا ان هذه المرة الوجع والمرارة أكبر، لأن نتيجة الدماء والخسائر لم تكن طبيعية، إنما من صنع البشر والاستهتار والنوايا المبيتة. أكثر من مئتي شهيد وضحية وآلاف المصابين ودمار نصف العاصمة، وما زالت أسوار التعمية والضغوط والتهويل ترفع بوجه العدالة والتحقيق. يا رب، فلتشمل عدالتك كل مجرم ومتواطىء وساكت ومهمل، وكن العضد للقضاء من أجل كشف الحقيقة، واغمر برحمتك شهداء المرفأ الأبطال وضحاياه وضحايا التليل في عكار الذين سقطوا ايضا نتيجة سياسة الإفقار والفساد والارتهان، وابسط حنانك على اللبنانيين المعذبين ورد عنهم الجوع والعوز والمرض والذل، لك يا رب نصلي. ”

اما عن نيّة “القوات”، فقال منسق “القوات اللبنانية” في السويد الياس سركيس: “اليوم أكثر من اي وقت آخر، “القوات اللبنانية” تتعرض لحملات التجني، لانها مؤمنة بالحق وقوية بالحق، والحق يحرر مثل ما قلت يا رب، ولأنها مقاومة مستمرة بوجه الفساد والارتهان للخارج، كما كانت مقاومة بوجه كل غاصب ومحتل ومتجبر ومستكبر. “القوات اللبنانية” اليوم حارسة الهيكل بوجه تجار الهيكل، ومناضلوها هم الحراس “اللي ما بينعسوا” عندما ينام المؤتمنون على الوطن وأهله. احفظ يا رب “الحكيم” الذي يحمل الأمانة ويتحمّل المرّائين، ولكن إلى حين، إلى حين ان تحل النعمة على بلادنا وننتهي من من على استعداد لقبض ثلاثين من الفضة مقابل بيع لبنان، وينتصر من يدفع عمره ثمن بقاء لبنان. لك يا رب نصلي”.

وعن نية شهداء “المقاومة اللبنانية”، رفع عضو جهاز التنشئة السياسية في “القوات” الياس ملكي الصلاة، قائلا: “الشهداء الذين تخلوا بلحظة عن عمرهم وتركوا عدّ السنوات لغيرهم، هم شهداؤنا، الشهداء الذين وضعوا يدهم على المحراث “لما دق الخطر” ولم ينظروا خلفهم، هم شهداؤنا، الشهداء الذين انضم اليهم بشير الجميل رئيس الجمهورية القوية وصار رئيسا لجمهورية الشهداء، هم شهداؤنا، الأبطال الذين رووا بدمهم الحجر والشجر وانزرعوا بالتراب وفي القلوب والذاكرة إلى أبد الآبدين، هم شهداؤنا”. وأردف: “سقطوا لنبقى واقفين، وارتفعوا الى السماء لنستمر على هذه الأرض، جسدوا أشرف المقاومات التي ما زالت مستمرة على خطاهم، امام شهادتهم يهون الاعتقال والتنكيل، والمنع والقمع، من المؤكد انهم “ما راحوا” كي نصل للجوع والعوز والإحباط. من ائتمن على تراث الشهداء لن يسمح بأن يقتلوا مرتين. يا رب القوات كن معنا.. ومعهم. لك نصلي”.

عند المذبح الذي نفذ من صخرة كبيرة ترمز لثبات ايماننا ومسيرتنا في هذا الشرق، ارتفعت ثلاث أرزات بأحجام مختلفة، رمزا للأجيال المتفاوتة من الأجداد والأباء وصولا الى الأبناء، متجذرة على صخرة للتأكيد على الاستمرارية في المقاومة والوطنية والصمود مهما اشتدت العواصف وتفاقمت المحن. وفي المقابل وضعت صخرة كبيرة غرز عليها صليب خشب متواضع يرمز الى الصلبان المرفوعة على جبال لبنان والتي تؤكد على وجودنا الحر في هذا الشرق وعلى شهادة ابطال “المقاومة اللبنانية” الذين قاوموا للحفاظ على لبنان لنبقى فيه وعلى القيامة التي تشدد على ايماننا بأن شهداءنا لا يموتون.

وكانت “كشافة الحرية” وضعت اكليلا من الغار تحية لشهداء “المقاومة اللبنانية”، وتم تقديم البخور والقرابين. ونظمت القداس لجنة الأنشطة المركزيّة في حزب “القوّات اللبنانيّة” بالتعاون مع شركة “ICE”. وعرض فيديو يتحدث عن كل مراحل نضال “القوات اللبنانية” على الاغنية التي اطلقت للمناسبة تحت عنوان “مقاومة مستمرة” من كلمات الشاعر نزار فرنسيس، ألحان رواد رعد،  واخرج الفيديو مارون ابي راشد. ورُفعت صورة للرئيس الشهيد بشير الجميل مع لائحة كبيرة بأسماء شهداء المقاومة اللبنانية.

وتسلم جعجع مشعل “المقاومة اللبنانية” من كشافة الحرية ووضعه على نصب الشهداء الذي اقيم في معراب، تأكيدا لاستمرار المقاومة، وتزامنا ضرب عدد من المحازبين التحية ورفعوا السيوف للحكيم والشهداء.

 

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل