كُثُر ينتقدوننا على تعلقنا بشخص سمير جعجع وهذا ناتج عن جهلهم العميق بالعلاقة التي تربط بين قائد المقاومة والمقاومين أنفسهم الذين ينظرون إليه ليس بحسب انتمائهم الطائفي أو السياسي أو الاجتماعي أو المناطقي، كواقع حالهم، وإنما بحسب حجم التزام هذا القائد بالمبادئ التي يؤمن بها هؤلاء المقاومون ومدى استعداده وشجاعته لقيادتهم من الأمام وليس من الخطوط الخلفية أو غرف العمليات المحصنة تحت الأرض.
الأخبار عن المعارك العسكرية التي خاضها سمير جعجع منذ أن كان مسؤولاً على مستوى صغير وصولاً الى المعارك التي قادها بعدما أصبح قائداً للقوات اللبنانية، يعرفها الخصم قبل الحليف والصديق والرفيق، ويعرفون جيداً صفات القيادة والبطولة والإقدام التي يتحلى بها هذا الرجل.
أما معركته المصيرية التي قرر خوضها وحيداً مجرداً من أي دروع حماية مُسلّماً ذاته الى جلّاديه، بالرغم من كل الخطر الكبير الذي كان أمامه، مقاوماً ومجابهاً لجلاديه من داخل زنزانةٍ كانت صورة عن خساستهم ودنائتهم وجُبنهم، وصموده في وجه عمالتهم ووطاوتهم، وخروجه كالمارد مثل طير الفنيق من بين براثن حقدهم وشرّهم، تجربة ستذكرها وتُدرّسها كل المعاهد في العالم التي تسعى الى تخريج النُخَب والقادة على مستوى العالم.
بالعودة ربع قرن الى الوراء، وفي إحدى جلسات التحقيق في أقبية وزارة الدفاع، كانت التهمة رشوة أحد الشهود لتغيير شهادته في المحكمة بناءً على تكليف من زوجة الحكيم، على الأرجح كانت الجلسة الخامسة في هذه التهمة، تهمة ترقى الى الخيانة العظمى وتستحق التعذيب بشتى أنواعه.
طبعاً لا يمكن الاعتراف بهذه التهمة ولو كانت صحيحة، فالعواقب جد وخيمة، فكيف إذا لم تكن صحيحة أصلاً؟
المهم، في وقت ما خلال التحقيق، وكان هناك أكثر من محقق، قلت له والله العظيم ما خصني نهائياً بهالموضوع، بشو بدك احلفلك لتصدقني؟
قال لي أحد المحققين، احلف بأغلى شي عندك. ومن دون أي تفكير لا في أين أنا ولا بالعسكر الموجود بجانبي المتخصص بالخبيط، ولا بالعواقب الآتية، وفور انتهائه من السؤال، أجبته، وحياة سمير جعجع.
خيّم الصمت لثوانٍ قليلة جداً وطويلة بالنسبة لي، كسرها صراخ أحد المحققين، لبدوه (خبطوه).
وبسرعة نَهَر المحقق الآخر، العسكريين، ما حدا يدق فيه، خلص حلف بأغلى شي عندو ما خصّو.
هل لو كان سمير جعجع واحداً من المسؤولين الجبناء الذين يديرون معاركهم من تحت الأرض أو الذين يهربون تاركين وراءهم أغلى ما عندهم عند إطلاق أول رصاصة، أو أحد الذين لا يهمهم إلا السرقات والسمسرات والصفقات وشراء القصور والعقارات… هل كنت أنا وغيري آلاف الرفاق الذين تعرضوا لكافة أنواع التعذيب والتعنيف والضغوط الكبيرة التي مارسها النظام الأمني السوري الحاقد والمجرم، هل كنا لنصمد طوال كل تلك السنوات من الاضطهاد والتنكيل، أم كنا بعناه بـ30 من الفضة كما باعنا هو؟
نعم، نتعلق بشخص القائد سمير جعجع لأنه برهن مراراً وتكراراً أنه قائد بكل ما للكلمة من معنى في زمن نَدُر فيه، ليس القادة فقط، وإنما أيضاً الرجال الرجال، زمن أصبح قادته من أشباه الرجال.
ولهؤلاء أشباه الرجال نقول، وحياة سمير جعجع الأغلى من الغالي علينا، وحياة دماء شهدائنا الذين ارتوت أرضنا المقدسة من دمائهم، وحياة كل اللي راحوا وتعذبوا وتوجعوا كرمالنا، وحياة كل قديس مشى على هذه الأرض، وحياة تعب وعرق بياتنا وجدودنا يلي دافعوا عن هالأرض، لن ندعكم تدنسوها وتلوثون ترابها بأنفاسكم الملوثة أنتم وعملائكم السافلين، هذه الأرض لنا، وكما لم تقو عليها قوى الجحيم والباطل والغدر والخيانة قبلكم، لم ولن يقوى عليها لا أنتم ولا أحد من بعدكم.