كان المُنى أن تكفي الدولارات التي أقرَّها اجتماع بعبدا في 21 آب الماضي، بالموافقة على اقتراح وزارة المال بالطلب إلى مصرف لبنان فتح حساب مؤقت لتغطية دعم المحروقات من مازوت وبنزين بـ225 مليون دولار لغاية نهاية أيلول، وذلك بقيمة الفرق بين سعر صرف الدولار بمنصة “صيرفة” والسعر المعتمد في جدول تركيب الأسعار والمحدَّد بـ8000 ل.ل. إنما “ما نيل المطالب بالتمني”، إذ إن الأموال نضبت مع مطلع أيلول ولم تصمد إلى نهايته.
وتتخوف الأوساط المالية والاقتصادية والشعبية من مضاعفات ما يتردد عن أن الـ225 مليون دولار، انتهت، ومصرف لبنان توقف عن إعطاء موافقات جديدة لاستيراد المحروقات المدعومة. في حين يبقى الإعلان الرسمي عن رفع الدفع معلَّقاً بانتظار التوقيت المناسب خوفاً من ردود الفعل الشعبية.
وعلى الرغم من أن قرار رفع الدعم قد يبدو سليماً في ظل تخاذل السلطات المعنية كافة عن ضبط الحدود ووقف التهريب إلى سوريا، لكن هناك خشية من انعكاساته على الوضع المعيشي للمواطنين المسحوقين تحت ضغط الأزمة المعيشية وارتفاع معدلات الفقر إلى نحو 70%، ما لم يترافق مع قرارات لدعم صمود الطبقات الفقيرة، خصوصاً مع تعثر إطلاق البطاقة التمويلية الموعودة والتي يشكك كثيرون بأنها ستكون كافية لامتصاص تبعات ارتفاع أسعار مختلف السلع والخدمات المرتقب.
ويخشى كثيرون أن يتبع رفع الدعم كلياً عن المحروقات، ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء، على خلفية أن الشركات المستوردة للمحروقات بات عليها أن تؤمِّن فاتورة المحروقات التي يستهلكها لبنان والتي تتراوح ما بين 250 و300 مليون دولار شهرياً، من السوق السوداء مباشرة.
الخبير الاقتصادي والمالي لويس حبيقة، يشير، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أن “الدولار سيرتفع في الفترة الأولى بعد رفع الدعم الذي سيترك انعكاساً سلبياً على سعر الصرف بالتأكيد، وعلى أوضاع الناس المعيشية التي ستزداد سوءاً. لكن المهم تأثير هذا القرار على سعر الدولار على المدى البعيد، وما إذا كان سيكمل في مسار تصاعدي أو يتراجع بعد فترة”.
ويرى حبيقة، أنه “إذا ترافق رفع الدعم مع تشكيل حكومة جديدة فوراً وإجراءات إصلاحية فعلية ومفاوضات جدية مع صندوق النقد الدولي، يمكن عندها أن يشهد سعر الدولار تراجعاً من جديد، حتى مع رفع الدعم، وعلى الرغم من طلب الشركات المستوردة للمحروقات للدولار من السوق”.
ويعتبر، أنه “في حال تم هذا السيناريو بتشكيل حكومة سريعاً، فالمفاوضات ستبدأ فوراً مع صندوق النقد، حتى قبل نيلها الثقة التي ستكون عملياً تحصيلاً حاصلاً، وسيدخل دولارات إلى البلد بسرعة. بالتالي سنشهد عرضاً للدولار بقوة في السوق، وهذا قد يسمح بانخفاض سعر الصرف لا بارتفاعه”.
ويؤكد حبيقة، أن “الأمر متوقف على ما سيحصل على صعيد الاستقرار السياسي في البلد، الغائب حتى الآن في ظل البلبلة الحاصلة وموجات التفاؤل والتشاؤم المتضاربة والمتناقضة على مستوى الملف الحكومي. وفي حال استمرينا على هذه الحال ولم تتشكل حكومة، عندها لن يتوقف الأمر على ارتفاع سعر الدولار، بل إن (البلد كلّو بيهرْ) والأوضاع المعيشية ستصبح كارثية”.
ويلفت، إلى أن “نشاط البلد الاقتصادي اليوم لا يتعدى 20% من مستوى نشاطه العادي المنخفض، وواقعياً البلد يموت”، مشيراً إلى أن “ملف لبنان جاهز لدى صندوق النقد، ومن مصلحة رئيسي الجمهورية ميشال عون والمكلف بالتشكيل نجيب ميقاتي أن ينطلقا في المفاوضات مباشرة بعد تأليف الحكومة، لأنهما محشوران”.
وبرأي حبيقة، أنه “في حال تمكن عون وميقاتي من تشكيل حكومة، يُفترض أنهما اتخذا قراراً بالانطلاق بمفاوضات جدية مع صندوق النقد، وألا تكون هناك مناكفات وعراقيل كما في السابق، لأن لهما مصلحة في ذلك. وصندوق النقد بانتظارنا وجاهز، لكن (نحنا مش ناطرين حالنا)”.
ويرجِّح، أنه “إذا قمنا بكل الإجراءات الواجبة، فالصندوق سيمدّنا بمئات ملايين الدولارات بشكل سريع، كي نبقى واقفين ولا نسقط. ولبنان بلد صغير، فإذا دخل مليار دولار مثلاً، الوضع يتغيَّر بسرعة”.
ويشدد حبيقة، على أن “الأمر مرهون على السير سريعاً بهذه الخطوات بدءاً من تشكيل حكومة تلتزم البعد عن المناكفات والصراعات، وإلا فانعكاسات رفع الدعم ستتخطى ارتفاع الدولار إلى وضع اجتماعي ومعيشي أصعب وأكثر تردياً”. ويعرب عن أسفه لأن “مشاكل البلد والناس، لا يبدو أنها تنعكس على مشاعر السياسيين في التعجيل بالاتفاق على تشكيل حكومة”، معتبراً أننا “تخطَّينا الحدود المقبولة للفشل”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية