كتب المحامي بول يوسف كنعان في “المسيرة” – العدد 1720
سؤال طرحته جهات عديدة متابعة لحدث لقاء الصلاة والتفكير معًا من أجل لبنان في حاضرة الفاتيكان، عن المشترك ما بين مشروع الحياد الذي يحمله البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، وطبيعة اللقاء الذي دعا إليه البابا فرنسيس.
فمبادرة الحياد تعود الى سنة 2011 ، سنة إنتخاب البطريرك الراعي. وقد قام بعدة زيارات رسمية الى الخارج منها الى دول عربية، العراق والى فرنسا والولايات المتحدة الاميركية .
وقدّم البطريرك الراعي خلال هذه الزيارات مذكرة خطيّة الى رؤساء الدول التي زارها تتحدّث عن:
– أوضاع الشرق الأوسط السياسية والأمنية والإقتصادية المتدهورة
– نتائج هذه الأوضاع وانعكاسها على مسيحيي المنطقة وجوداً وحضوراً ودوراً
– أزمة لجوء الفلسطينيين المستمرة الى لبنان
– أزمة لجوء النازحين السوريين الى لبنان
– إحتدام الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي
– بروز الصراع الايراني ـ السعودي
– بروز التطرف المذهبي
– تداعيات هذه العوامل على الوضع اللبناني لجهة عدم إستكمال تطبيق إتفاق الطائف، وتعثر قيام مشروع الدولة من خلال إنتظام عمل المؤسسات الدستورية، وتوحّد القوى العسكرية بما فيها المقاومة، في إطار الاستراتيجيّة الدفاعية من خلال مؤسسة الجيش اللبناني.
– حلول حالة من «التسيّب» الاقتصادي والمالي والمعيشي والأمني الى حدّ ما، إحباط مشروع الدولة.
– تنامي نزعة الهجرة ومغادرة لبنان لدى شرائح واسعة من اللبنانيين عموما،ً ومن المسيحيين خصوصاً.
– تقدم مشروع التسوية لمنطقة الشرق الأوسط، وفق خريطة سياسية وديموغرافية جديدة وضعتها القوى الدولية، تعيدنا بالذاكرة الى مئة عام مضت حين أنتجت تلك التسوية صيغة لبنان الكبير.
لقد شاءت العناية الإلهيّة أن يكون البطريرك بشارة الراعي على رأس الكنيسة المارونية في زمن التحوّلات والمعطيات المذكورة . وأن يبدأ من حضوره هذا مع مئوية لبنان الكبير الأولى، فكان الموعد مع إستعادة لبنان الكبير بمئويّته الأولى الى لبنان الكبير على عتبة مئويّته الثانية. وكما سعى البطريرك الياس الحويك، قبل مئة سنة الى تحصيل كيان لبنان الكبير وتثبيته في خريطة المنطقة آنذاك سعى البطريرك الراعي الى تثبيت هذا الكيان في خريطة المنطقة المعاصرة.
ومن أجل ذلك لم يجد أمامه سبيلاً الى هذا «التثبيت» إلاّ بالعودة الى تحييد لبنان كأولوية مطلقة على رأس أولويات خدمته البطريركية ببعدها الوطني. وهكذا راح البطريرك الراعي يقدم مقاربته لحل مسألة الكيان على عتبة مئويّته الثانية بمشروع الحياد، وكما أن جهود الحويّك لم تكن في بدايتها موضوع إجماع وطني شامل، وهذا أمر طبيعي ملازم لبدايات كل جديد، كذلك فإن جهود البطريرك الراعي ليست بعد موضع إجماع كل اللبنانيين.
وخلال زيارته الرسمية الى فرنسا من 11 حتى 13 تموز 2011 ، والى أميركا من 4 حتى 23 تشرين الأول 2011 ، والى العراق من 31 تشرين الأول حتى 2 تشرين الثاني 2011 ، قدم مذكرات خطيّة الى مسؤولي الدول المذكورة والى هيئة الأمم المتحدة يطالب بحياد لبنان، محدداً فيها مفهومه للحياد الايجابي بأنه قائم على ثلاثة مرتكزات: التفاهم الوطني، الإلتزام بقضايا العدالة والسلام المتصلة بالصراع العربي الإسرائيلي، عدم إلحاق لبنان بأي محور إقليمي أو دولي له طابع النزاع والصراع. ومن الطبيعي أن يودع البطريرك الراعي مذكرته هذه حاضرة الفاتيكان.
تتوالى الأحداث إقليميا ووطنيا في السياق التاريخي المذكور، وتتفاقم الأخطار على لبنان الكيان والرسالة، فيبادر البطريرك الراعي الى إعلان مشروعه للحل في 7 تموز 2020 ، خلال عظة الأحد في كنيسة الصرح البطريركي في الديمان وتوالت التعليقات السياسية «مدججة « بالشكوك حول «التوقيت والإرتباط بأجندات خارجية»، الى ما سوى ذلك من الخطاب الفارغ من الحقيقة لأن مبادرة البطريرك تعود الى أولى سنوات خدمته البطريركية، وليس الى أية أجندات حالية.
أما لقاء التفكير والصلاة معًا من أجل لبنان فهو ليس محطة أو مناسبة سياسية لطرح مبادرات سياسية أو ما يماثلها وليس البطريرك الراعي أو سواه من رؤساء الكنائس الشرقية بحاجة الى لقاء كهذا لطرح مقارباتهم المتعلقة بأوضاع أوطانهم على اختلافها.
ومع ذلك لحظ جدول أعمال اللقاء مداخلات للبطريرك الراعي، بصفته رئيس مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، وللبطريرك آرام الأول كيشيشيان، ومداولات لسائر البطاركة تلاها نقاش، بعد كلمة البابا فرنسيس، والذي كانت له كلمة إفتتاحية داخل الإجتماع، ومن خلال الصلاة المشتركة في بازليك القديس بطرس، التي أتيحت لي نعمة المشاركة فيها.
وقد ركز البطريرك الراعي في مداخلته على:
– أهمية اللقاء بأبعاده المسكونية، وضرورة متابعته بصورة فعّالة.
– أزمات الشرق الأوسط التي تهدد الوجود المسيحي فيه.
– دعوة الكنيسة الجامعة الى كنائس لبنان وسائر بلدان الشرق الأوسط من خلال سينودوس لبنان والارشاد الرسولي (1997) وسينودس الشرق الأوسط (2011)، وسواها الى المزيد من التجذر في الشرق على قاعدة المواطنة، وتعميق علاقات الأخوة والعيش المشترك مع المسلمين لمتابعة مسيرة إحياء العمارة التراثية الشرقية معاً.
– التحولات المقلقة المصيرية المتصلة بالوجود والدور المسيحيين، وأزمة الديموغرافية البشرية المعروفة.
– إحتدام الصراع الدولي والإقليمي تحت عنوان رسم خريطة المنطقة الجديدة.
– تكثيف الجهود لتثبيت الكيان اللبناني في مئويّته الثانية وسط هذه الخريطة.
– تعزيز قنوات الحوار الداخلي وسبله في لبنان لتحصيل موقف موحّد من مسألة مستقبل لبنان المحايد المسالم وفق القواعد التي طرحها البطريرك الراعي في مشروعه منذ البداية.
ـ تعزيز المساعي المحلية والإقليمية والدولية لحماية لبنان من خلال دعمه اقتصاديًا وضمان أمنه وتوفير فرص العمل لمقتضيات الإنتظام الدستوري.
– تعزيز مساحة حقول الخدمة الإجتماعية للحد من تداعيات الأزمة الاقتصادية والمعيشية الراهنة، من خلال المؤسسات الكنسية على المستويين، الداخلي –
الخارجي.
– التشديد على آليات معالجة ما يشوب الحياة السياسية الوطنية من جمود وعرقلة وتعطيل وهروب من المسؤولية، وكلها تعود الى العجز عن ملامسة الحلول، عجز عرفه لبنان سنة 1989، وكان مؤتمر الطائف، وعجز اليوم يجب أن يحرّك ويبلور مؤتمراً دوليًا لمساعدة لبنان واللبنانيين «العاجزين».
وقد يسأل سائل هل تضمنت ورقة توصيات لقاء روما تبنيًا لطروحات البطريرك الراعي؟
والجواب أن توصيات اللقاء لا تتخذ طابع التوصيات النظامية الخاصة بكل بلد، بل طابع إستخلاص قواسم ومداخلات البطاركة ونقاشاتهم المتصلة بالمشترك بين بلدانهم في منطقة الشرق الأوسط. بالتالي فإن طرح البطريرك الراعي المتعلق بحياد لبنان هو بين يديّ البابا فرنسيس وموضع متابعة من قبله وليس موضوعًا مشتركاً مع كنيسة الأقباط في مصر على سبيل المثال.
مع هذه الإضاءة السريعة على أجواء «لقاء التفكير والصلاة معًا من أجل لبنان» في روما، يجب إبقاء المسألة في إطارها، الذي يدل عنوانها عليه، ومما لا شكّ فيه أن مقاربة البطريرك الراعي للحل اللبناني تلقى مساحات إيجابية متسعة ومتزايدة على المستويات الداخلية والخارجية، ولقاء روما هو أحد مجالات هذه المساحة المتسعة.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]