“ثورة.. ثورة” تغيير حكام لا شعار أو انقلاب!

حجم الخط

كتب ألبير جوهر في “المسيرة” – العدد 1720

الثورات عبر التاريخ…

“ثورة.. ثورة” تغيير حكام لا شعار أو انقلاب!

 

ليل 17 تشرين الأول من العام 2019 إندلعت تحركات في الشارع اللبناني طالت كل المناطق اللبنانية من الشمال إلى بيروت فالجنوب وهتف المشاركون ثورة… ثورة. يومها كان المطلب الأساسي إسقاط الحكومة، فاستجابت الطبقة السياسية وإستقالت حكومة الحريري.

الحراك شكل بداية ثورة تغييرية على الساحة اللبنانية، لكن سرعان ما عمَّت الفوضى والضياع والآراء المتعددة والمختلفة صفوفها وتضعضعت أهدافها وتأثيرها، فبدأت تتراجع حشودها وتجمعاتها وحضورها في الساحات وبين الناس، لتصبح في الأخير مجرد شعارات رنانة وآراء مبعثرة وأفكار متفرقة، ومجموعات لا تُحصى ولا تُعد من دون قيادة ومطالب موحدة ومعروفة، كل هذا وسط إنهيار إقتصادي، مالي وإجتماعي وأمني.

في ذكرى تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020 إنتظر اللبنانيون كما الرأي العام إستعادة شعلة الثورة، ثورة حقيقية نابعة من غضب أهالي ضحايا المرفأ الذين لم يمنحهم القضاء كلمة الحق والحقيقة، ومن الأزمات المعيشية المتفاقمة. لكن مطالب هذا التجمع وأهدافه لم تكن واضحة، واقتصرت على تجمّع وصلاة ما لبث أن انتهى سريعًا. فكان الرهان على الذكرى السنوية الأولى ساقطًا ولربما سقط معه الأمل بثورة فعلية وجدية تغييرية للوضع القائم في لبنان.

التاريخ إن كتب عن الثورات

في صفحات التاريخ العديد من الثورات التي شهدتها بلدان وشعوب غيرت فيها الكثير من أنظمة حكم وديكتاتوريات وملكيات وحتى حكومات.

الثورة الفرنسية أم الثورات التي إندلعت في الخامس من أيار 1789، كان هدفها واضحًا وهو القضاء على الإقطاعية والظلم اللاحق بالطبقة الفقيرة وضبط دور الكنيسة والمناداة بالعدالة الإجتماعية، فقد تأثر قادة الثورة وروادها بمفكرين وفلاسفة ذلك العصر منهم روسو وكانت وفولتير، وهذا ما دفعهم للوصول إلى إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي غيّر تاريخ فرنسا والشعوب الأوروبية، وطوت فرنسا صفحة نظام الملكية إلى الجمهورية مع إعتمادها شعار: حرية، مساواة، أخوة.

صحيح ان الثورة الفرنسية كانت ثورة دموية إستمرت لعشر سنوات وأدت إلى إعدام الملك لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت لكنها غيرت وجه فرنسا ونظامها السياسي والإجتماعي والثقافي حتى يومنا هذا.

أما الثورة البولشيفية، فقد قامت على أنقاض الثورة الروسية خلال الحرب العالمية الأولى عام 1917 بقيادة لينين وكان هدفها القضاء على حكم الإمبراطور الروسي نيقولا الثاني، وقد نجحت بعد إعدامها له ولعائلته، وسيطرت على روسيا بأفكارها الشيوعية وحكم البروليتاريا وطبقت أفكار ملهميها هيغل وماركس بتغيير السياسة الإقتصادية والعدالة الإجتماعية وطبقت نظامًا شيوعيًا سياسيًا عبر حكم الحزب الواحد وإقتصاديًا عبر التأميم وإلغاء الملكية الفردية. وقد أصبحت إحدى أقوى الأنظمة الدولية طيلة القرن الماضي.

لائحة الثورات تطول فمثال الثورة الإيرانية التي أطاحت حكم الشاه وأقامت جمهورية إسلامية في إيران يحكمها المرشد الأعلى للجمهورية، وكذلك الثورة الرومانية على النظام الديكتاتوري عندما أطاحت تشاوتشيسكو وأعدمته مع زوجته وأسقطت النظام الشيوعي القائم آنذاك وأقامت جمهورية ديمقراطية جديدة في رومانيا.

كل هذه الأمثلة عن الثورات تدل بشكل واضح أن الثورة هي عملية تغييرية جذرية في دولة أو مجتمع وبالتالي القيام بثورة يتطلب العديد من الخصائص التي تلازمها لتستطيع التغيير. والأهم أن عمر الثورة غير محدد في الزمان ولا يمكن أن يثمر إلا بعد أعوام مغمَّسة بالدم والنضال.

ثورة ناجحة… كيف؟

الإختصاصي في علم الإجتماع الدكتور ميشال عواد أوضح لـ»المسيرة» أن «الثورة قبل كل شيء هي عملية تغيير جذري، يطال أكثر من مجرد نظام سياسي بل تغيير في نمط الحياة الإقتصادية والإجتماعية بشكل أساسي وعميق».

مثال الثورات التي إستعرضناها سابقًا بحسب الدكتور عواد «حققت مفهوم الثورة، فهي لم تغيّر نظامًا سياسيًا وحسب بل غيّرت نهج حياة وطريقة عيش، على جميع الأصعدة، وشملت الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والمالية وحتى التربوية والثقافية وأضفت مفاهيم وأسسًا جديدة وغيّرت أفكارًا إلى الأبد».

أضاف عواد: «لا تزال أفكار الثورة الفرنسية قائمة إلى يومنا هذا وملهمة للعديد من الشعوب، والثورة البولشيفية وما نتج عنها من إتحاد سوفياتي غيّر وجه السياسة العالمية في الحقبة الماضية والمفاهيم الإقتصادية وسبل تطبيقها، أما الثورة الإيرانية فأعطت مفهومًا جديدًا للدولة الإسلامية. باختصار، كل ثورة ناجحة وحقيقية قدمت أفكارًا جديدة».

عواد اعتبر أن «في بعض الإحيان، تُستخدم كلمة ثورة في غير سياقها الحقيقي وبشكل عبثي وحسب الأحداث التي تمر بها البلاد. فالتحركات في لبنان مثلاً يمكن إعتبارها إنتفاضة أو حركة شعبية ناقمة على الوضع السائد وهي ليست بالمعنى الحقيقي للثورة. هي ليست ثورة شعب طالما أنه منقسم بين مؤيد لها ومعارض. والثورة كما ذكرنا هي تغيير في المجتمع، فكيف لثورة لا يؤيدها كامل المجتمع أن تستطيع قلبه وتغييره؟ إنها ثورة ناقصة».

وأضاف: «اللافت أن القيمين على التحركات اليوم يجب أن يكونوا متفقين وموحدين أقله على الخطوط العريضة والواضحة في المسائل المهمة السياسية والإقتصادية والإجتماعية وليس فقط المواضيع الحياتية، فكيف لهم أن يواجهوا ويحاربوا سلطة قوية ومتمكنة وراسخة منذ زمن إذا كان أركان الثورة مشرذمين؟

الثورة في لبنان تميل إلى كونها تحركات وإحتجاجات مطلبية إجتماعية حياتية ناجمة عن نقمة الشعب والضيق المالي والإقتصادي الذي يضرب البلاد، وهي جمعت اللبنانيين تحت هذه المطالب. ولكنها لا تتعدى كونها تحركات إحتجاجية. لهذا لا ثورة في لبنان قبل أن يتوحد كل اللبنانيين بكافة فئاتهم من دون إستثناء وإستعدادهم للقيام بتغيير جذري سياسي وإجتماعي وإقتصادي وفكري وتربوي وثقافي.

حتى تثمر بذورها

تحتاج الثورة إلى سنين طويلة لتصل إلى تحقيق أهدافها المنشودة بطريقة فعّالة ومناسبة، وقد تكون الثورات دامية وقاسية، هذا ما لم نشهده في ساحات الثورة في لبنان، خصوصًا بعدما ذاقوا مرارة الحرب اللبنانية. أضف إلى ذلك أن الوضع الذي وصل إليه لبنان لم يعد يحتمل، فقد ضاق الشعب ذرعًا من الحال الراهنة وسيطر اليأس عليه، في حين تأخذ الثورة وقتها بشكل كبير ولم يعد أحد قادرًا على إنتظاره، وبالتالي فقد يكون البحث عن سبل أخرى للحل.

من هنا يمكن القول إن ثقافة الثورة غير موجودة في لبنان وفي عقول الشعب اللبناني بل على العكس فإن لبنان يتمتع بنظام ديمقراطي قلما شهدته البلاد المجاورة وهذه الديمقراطية تتجلى بالإنتخابات، وهي السبيل الوحيد والأسرع للوصول إلى تغيير في السياسة والإقتصاد لمواجهة الأزمة الحالية، ولكي تستطيع القوى الجديدة أن توصل صوتها ومطالبها عبر تمثيلها في البرلمان. فإذا لم يجد اللبنانيون في الثورة حلاً فالنظام الديمقراطي الذي نتحلى به لا يزال يسمح للكثير من الفئات المنتفضة على الواقع أن تعبّر عن نفسها بالانتخابات.

يبقى أن الثورة ليست إنقلابًا هدفه الرئيسي إستبدال الحكام، بل تغيير تدريجي في الحكم يعكس التغيير في ذهنية الشعوب. وللوصول الى التغيير المنشود في لبنان يجب قبل كل شيء تغيير آراء ومعتقدات اللبنانيين وأفكارهم ليستطيعوا بدورهم تغيير المنظومة الحاكمة واختيار آخرين جديرين كفوئين بالمهمة والمسؤولية الملقاة على عاتقهم.

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل