منذ نهاية العام 2019، ومع تسجيل أولى الإصابات بفيروس “كورونا” ودخول العالم تحت وطأة مواجهته، تستنفر مراكز الأبحاث والدراسات وشركات الأدوية والمختبرات العالمية والعلمية العملاقة لمواجهة هذا الوباء وإيجاد اللقاحات التي تحدّ، إن لم نقل توقف تأثيراته ومفاعيله على البشرية جمعاء، وقد توصلت بالفعل إلى إيجاد اللقاحات المناسبة لمواجهة هذا الفيروس الذي وُصف بالخطير واللعين نظراً لطبيعته المتحورة التي سجلت حتى الآن أكثر من متحور حتى وصلنا إلى “دلتا” الأكثر إنتشاراً وربما يأتينا “غامّا” الأكثر فتكاً.
إذاً، هناك صراع مستمر بين “كورونا” ومتحوراته ومراكز الأبحاث والدراسات، مع أرجحية للعلم والتجارب في كسب المعركة في نهاية المطاف.
لكن الصراع السياسي في لبنان و”كورونا” السياسة اللبنانية لا يبدو أنها ومتحوراتها ستكون تحت السيطرة العلمية رغم تميز لبنان في العلم والدراسات داخلياً وخارجياً.
فمع بداية “كورونا” الصحية في العالم وبدء التعرف على متحوراته، بدأ فيروس السياسة اللبنانية أول متحوراته في نهاية العام 2019 بالتزامن، حيث كان المتحور الأول في السطو على أموال المودعين وإغتصابها من قبل المصارف بالتكافل والتضامن مع السلطة السياسية.
وبينما كان العالم يبحث عن سبل مواجهة “كورونا” الصحية، كان فيروس السياسة اللبنانية يسجل تمدداً في متحوراته من إغتصاب أموال الناس إلى متحور إنقطاع المواد الأساسية ومنها الدواء مثلاً وبدأ يتطور متحور كارتيل الإحتكار بشكل تدريجي إلى المحروقات وفقدان وتخزين وتهريب البنزين والمازوت ثم إلى متحور إنقطاع الخبز وأزمة الطحين في الأفران.
كل هذه المتحورات ومتفرعاتها ولا ننسى منها طبعا متحور أصحاب المولدات وإشتراكات الكهرباء التي باتت غير موجودة إلا ما ندر، كان نجمها طوابير الذل التي أدمن عليها اللبنانيون على محطات المحروقات وتم تدجينهم بحيث بات شعار رفع الدعم عن المحروقات وغيرها من المواد المدعومة مطلبا للبنانيين بدل أن يكون محط إعتراض. ولا ننسى متحور البطاقة التمويلية التي لم ترَ النور بعد والتي قد تتحول بطاقة إنتخابية.
لا شك أن اللقاحات ضد فيروس “كورونا” حدّت بشكل كبير من عدد الإصابات والوفيات في العالم وهناك حالة إستنفار مستمرة لمواكبة متحوراته ومواجهتها.
لكن فيروس السياسة اللبنانية قد يكون أخطر بكثير من “كورونا” الصحية ومتحوراته، فقد بات الدعم في خبر كان، وباتت شعارات إنتفاضة 17 تشرين ربما من الماضي أو من المتحورات السياسية، وبات مطلب الإنتخابات النيابية المبكرة أيضا من المتحورات.
فقد أنتج المتحور الأخير للسياسة اللبنانية حكومة بعد فراغ دخل موسوعة غينيس لمدة 13 شهراً وشهد بأن صفة الإختصاص التي جاءت بها المبادرة الفرنسية للحكومة العتيدة قد تحورت أيضا منذ تكليف السفير مصطفى أديب إلى الرئيس سعد الحريري وصولا إلى الرئيس نجيب ميقاتي الذي نجح في آخر متحور على وقع التفاهمات والتدخلات والضغوط الإقليمية والدولية.
وإلى من ينتظر المعجزات من هذه الحكومة نُحيله إلى كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي تحدث عن مهلة ثلاثة أشهر أمام الحكومة لكي تُنجز، وهذا يعني أن متحور الإنتخابات النيابية المقبلة سيكون ربما آخر متحورات هذه الحكومة وعملها الذي سيكون محكوماً بالمواقف المتناقضة من وصفات صندوق النقد الدولي التي يشترط السير بها للحصول على مساعدات من المجتمع الدولي.
ستبين الأيام المقبلة أي متحور جديد ستُنتجه السياسة اللبنانية على وقع متحورات إقليمية ودولية يجري التدقيق بها في مختبرات السياسة ورسم مستقبل وخريطة العالم الجديد وخصوصا في الأقليم، والتي كان آخر تجلياتها اللقاء السعودي – الإيراني في مطار بغداد الدولي والإتفاق على عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
فهل سيكون المتحور الجديد لمصلحة لبنان؟ وكيف يمكن مواجهة المتحورات السياسية التي تعتبر أخطر من متحورات “كورونا” الصحية؟