مضى أيلول، وهلَّ تشرين الأول، شهر الهمّ بالنسبة لغالبية العائلات اللبنانية التي باتت في فقر متعدد الأبعاد تصل نسبته إلى 82% من السكان، بحسب تقرير “الإسكوا” الأخير. والناس ضائعون في مواجهة تدهور أوضاعهم المعيشية ومواكبة فواتير المولدات والمدارس والسلع الغذائية وغيرها، وسط تراجع معدلات التفاؤل بحلول تخفف عنهم وطءَ الأزمة، بعد تشكيل الحكومة وانطلاق أعمالها.
وتعرب مصادر اقتصادية ومالية، عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، عن “خشيتها من تفاقم الأوضاع، خصوصاً بعد رفع الدعم عن المازوت، ويليه البنزين، وانعكاس ذلك على الحالة المعيشية وسعر صرف الدولار، الذي عاد ليلامس الـ18.000 ل.ل بعد تراجعه إلى نحو 13.000 ل.ل عند تشكيل الحكومة”.
وترى المصادر ذاتها، أن “ما يرافق انطلاقة الحكومة من تشجنات وتوترات، لم تعد خافية، بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي، لا يبدو مشجعاً. فبعيداً عن إعلان النوايا والبيانات الوزارية والمطولات الإنشائية وتشكيل اللجان والوفود، تعكس الخطوات الأولى للحكومة حالة من شد الحبال بين الطرفين لا يمكن إغفالها”.
وتلفت، إلى أن “مسار تشكيل الوفد الوزاري للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، يؤكد أن الانسجام مفقود بين عون وميقاتي، بل أكثر، يشير ذلك إلى أن الثقة مفقودة بين الطرفين. بالتالي كيف لحكومة يلطي طرفاها الأساسيان لبعضهما البعض، أن تُعدَّ خطة إنقاذ جدية وتُجري إصلاحات جذرية في ظل فقدان الثقة وإصرار البعض على منطق المحاصصات؟”.
وإذ تشير، إلى أن “كل الوعود التي نسمعها تبقى فارغة من أي مضمون فعلي، والكلام المعسول تنقضه التصرفات والأفعال”، تعتبر أن “العشوائية لا تزال سيدة الموقف بالنسبة لمعظم المسؤولين في مختلف المواقع. ويكفي ملاحظة التلعثم الذي يطبع تصريحات معظم الوزراء حول الملفات التي يتولونها، للدلالة على التخبط الحكومي المستمر”.
وتخشى المصادر، من “ضياع الفرصة التي يعوِّل عليها البعض، من إمكانية أن يساهم مبلغ المليار و139 مليون دولار الذي ناله لبنان كحصته من حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد، في لجم تدهور الدولار وضبطه عن سقف معين وتوحيد سعر الصرف نسبياً، وأن يساعد ذلك على تقوية موقف لبنان في المفاوضات مع الصندوق”، مشيرة إلى أن “هذا المبلغ بدأ يتبخَّر بين سلفة لمزراب الهدر الأكبر في الكهرباء من هنا، وتمويل بطاقة تمويلية من هناك، وما شابه”.
وتشدد المصادر، على أن “التعاميم المتناسلة لمصرف لبنان، والمتناقضة في ما بينها أحياناً كثيرة، وآخرها التعميم رقم 597، تساهم في تعميق انعدام الثقة، على الرغم من محاولات الترويج بأنها تأتي ضمن خطة لضبط سوق الصرف ومنع تدهور الليرة وتجنُّب التضخم وتثبيت سعر الصرف”.
وتضيف، “الناس ليسوا أغبياء، والغبي من يستغبي الناس، الذين فقدوا ثقتهم بكل هذه المنظومة، ويعتبرون أن الهدف نهب ودائعهم ومدخراتهم المتبقية لشراء الوقت إلى موعد الانتخابات”.
وتعتبر، أن “الطلب على الدولار سيزيد مستقبلاً بعد رفع الدعم عن المحروقات، كما يصرِّح ممثلو الشركات المستوردة للمحروقات. فالسوق بحاجة إلى ما قيمته نحو 10 ملايين دولار يومياً من المحروقات، ستؤمَّن بمعظمها من السوق الموازية مع عجز مصرف لبنان عن توفيرها للشركات، ما يشكل ضغطاً على سوق الصرف يدفع بالدولار صعوداً”.
وتلفت، إلى أن “التهريب إلى سوريا متواصل ومستمر لأن المعنيين في الحكومة، وفي أعلى المواقع، يضعون رؤوسهم في الرمال”، مشيرة إلى أنه “تبعاً لأسعار النفط العالمية الحالية، سعر صفيحة البنزين في لبنان مع الضرائب والرسوم 14 دولاراً تقريباً، وحتى مع رفع الدعم يبقى التهريب مربحاً إلى سوريا لأن سعرها هناك يتخطى الـ20 دولاراً”.
وترى، أنه “طالما الدولة متخلية عن القيام بواجباتها ومسؤولياتها في ضبط المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا، سيستمر التهريب. وعلى الرغم من أن ثمن المحروقات المهرَّبة يتم تقاضية بالدولار نقداً، لكن هذا لا يعني أن الدولارات ستكون متوفرة أكثر في السوق اللبناني حُكماً، لأن حركة التهريب لا تتم عبر الأطر المالية الشرعية والرسمية المصرفية وغيرها بل عبر الكاش. بالتالي دولارات التهريب تُخزَّن لدى المهرِّبين ولا توفِّر سيولة نقدية في السوق ولا تساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية الشرعية”.
وتؤكد المصادر، أنه “حتى الساعة، تتجه الحكومة إلى التفاوض مع صندوق النقد من دون الاتفاق بين أركانها على تحديد الخسائر وتوزيعها بشكل عادل وعلى خارطة طريق موحَّدة لإدارة المفاوضات، فبأي لغة ستتكلم إذاً؟ وهل يساعد ذلك على منحها المصداقية واسترجاع ثقة العالم لمساعدتنا؟”.
وتضيف، “العالم يحاول، وخصوصاً فرنسا ورئيسها إيمانويل ماكرون، مع الأخذ في الاعتبار أن له مصلحة شخصية في تحقيق إنجاز ما في لبنان، لكن الجميع يعلم أن مفتاح المساعدات المالية المعتبَرة يبقى في يد الدول الخليجية، وخصوصاً السعودية”، لافتة إلى أن “هذا الباب لا يزال مقفلاً تبعاً لما تسرَّب من الاتصال الهاتفي بين ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لدى بحث الوضع في لبنان بينهما وإمكانية إقدام الرياض على مساعدة لبنان”.
وتستبعد المصادر، “تغيير السلوك القائم، خصوصاً وأن أعين الجميع باتت على الانتخابات النيابية”. وتضيف، “على اللبنانيين أن يعوا تماماً بأن أي خطوة من هنا أو هناك تُضبط على ساعة الانتخابات، لأن معظم المسؤولين يشترون الوقت ولا يلجون باب الإصلاحات المطلوبة فعلياً. فغالبية الأكثرية الحاكمة همُّها تأمين استمراريتها، وبالتالي على الناس أن يتحملوا مسؤولياتهم وتصويب خياراتهم في الاستحقاق المقبل إذا كانوا ينشدون الأمل بالخلاص”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية