ربح المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار الجولة القضائية الثانية في الحرب التي يقودها وزراء ونواب استدعاهم الى التحقيق ضده. حتى الساعة، اصطدمت كل محاولات ثنيه عن القضية، بحائط مسدود، وكان آخرها ردّ رئيسة محكمة التمييز المدنية القاضية جانيت حنّا طلب النائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل، بردّه عن ملفّ الانفجار، لأن المحقق العدلي ليس من قضاة محكمة التمييز المنوطة بالنظر بطلبات الرد المتعلقة بهم. ردّ “التمييز” أتى بعد سبعة أيام من ردّ محكمة الاستئناف في بيروت، الطلبات المقدمة من الوزراء السابقين المُستدعين لكفّ يد بيطار، مبررة قرارها وقتها بـ”عدم الاختصاص النوعي”.
مماطلة المستدعين ستستمر حتماً حتى 19 تشرين الحالي، موعد فتح دورة جديدة لمجلس النواب. اليوم موعد جلسة الاستماع الى حسن خليل، وغداً جلسة مثول المشنوق وزعيتر، لكن هؤلاء، لا يوفرون وسيلة للتصويب على بيطار واتهامه بتسييس الملف، متجاهلين أن تعيينه رسمي، وهو صادر عن مجلس القضاء الأعلى في 20 شباط الماضي خلفاً للقاضي فادي صوان، وأن مجلس الوزراء قرر بالإجماع في 10 آب من العام 2020، إحالة قضية تفجير المرفأ على المجلس العدلي، بناء على اقتراح وزيرة العدل السابقة، ماري كلود نجم.
اللافت في كل هذه القضية، تشبث المستدعين بعدم المثول أمام بيطار، وكأنهم بذلك يؤكدون المشكوك بأمره، حتى وصل الأمر بالوزير السابق النائب نهاد المشنوق، إلى استشارة أستاذ القانون الدستوري الفرنسي دومينيك روسو، بهدف إعداد دراسة قانونية حول “الاختصاص القضائي”، لإبداء الرأي بما إذا كان بيطار انتهك الدستور وعمل بمبدأ فصل السلطات، ملوّحاً بأنه إذا حسم القضاء الفرنسي في القضية، فهو سيلجأ إلى القضاء العدلي، بتهم الإخلال الوظيفي.
في هذا السياق، يؤكد الخبير الدستوري الدكتور سعيد مالك أن ما أدلى به المشنوق لا يستقيم لا مع الواقع ولا مع القانون، لأن المادة 97 من النظام الداخلي لمجلس النواب الصادر في 18 تشرين الأول 1994، تنص على أنه إذا لوحق النائب خارج دورة الانعقاد، تستمر الملاحقة في دورات الانعقاد اللاحقة من دون الحاجة الى طلب إذن المجلس النيابي، لافتاً الى انه استناداً الى نص المادة ذاتها، ما يحاول أن يقدم عليه المشنوق أو سواه من الوزراء لردم الهوة بين تاريخ اليوم والـ19 من الشهر الحالي، لن تخدم مصلحتهم، لأن بيطار سيستكمل التحقيقات، حتى بعد انعقاد الدور العادي في مجلس النواب.
يشرح، في حديث لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، وجود رأيين قانونيين، يتعلقان بمبدأ الملاحقة، الأول يعتبر أن بيطار لم يبدأ بالملاحقة بالشكل القانوني بعد، والثاني يقول إنه بمجرد الاستدعاء الى التحقيق بصفة مدعى عليهم، يكون المحقق العدلي قد اتخذ صفة الادعاء بحقهم، مبدياً اعتقاده بأن المحقق العدلي لن يتوقف عند موضوع الحصانات، مستنداً الى المادة 97 الواضحة والصريحة، ولأنه سبق وباشر بإجراءات الملاحقة للنواب المذكورين.
يتوقع مالك أن ترد محكمة التمييز الجزائية دعوى المشنوق بنقل التحقيق الى قاضٍ آخر بسبب “الارتياب المشروع” شكلاً قبل الدخول في الأساس، لانتفاء الاختصاص الموضوعي، مؤكداً أن أستاذ القانون الدستوري الفرنسي، العلامة دومينيك روسو، عالج طلب المشنوق بطريقة مبسطة، مطلقاً الأحكام العامة من دون أن يكون مطلعاً على ملف التحقيق أو له تفاصيل عن مجرياته والمسؤوليات المترتبة والأفعال المنسوبة الى الوزراء المعنيين. يضيف، “جواب روسو أتى مبدئياً وغير معمق، وهذا لا يلزم محكمة التمييز بشيء، علماً أن لبنان لا يحتاج الى فتاوى قانونية صادرة عن علامة فرنسي، مع الإشارة الى أن المحاكم الفرنسية نفسها لا تلتزم بالفتاوى القانونية. ومثال على ذلك:
ـ الحكم الصادر بحق وزير الداخلية الفرنسي شارل باسكوا في 20/10/2009، المتعلق بفضيحة “انغولا غايت” الذي اتهم فيها بتهريب أسلحة الى أنغولا عندما كان وزيرا للداخلية بين عامي 1993 و1995، أحيل الى القضاء العدلي وصدر عن محكمة جنح باريس، وكان باسكوا وزيراً، تماماً كما حال المشنوق اليوم.
ـ محاكمة رئيس الحكومة الفرنسية إدوار بالادور، في فضيحة كاراتشي الذي اتهم فيها ببيع غواصات الى باكستان لتمويل حملته الانتخابية بوجه الرئيس الفرنسي جاك شيراك العام 1995، إضافة الى ملاحقة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي والحكم الذي صدر حكم بسجنه في الإقامة الجبرية مع سوار إلكتروني”، سائلاً، “ألم تصدر هذه الأحكام المتعلقة برؤساء جمهورية ورؤساء حكومات ووزراء فرنسيين عن محاكم عادية؟”.
يجزم مالك بأن الفتوى التي تقدم بها المشنوق لا تلزم القضاء اللبناني الذي يملك أحكاماً مُفصلة لموضوع المسؤوليات وسيعتمد عليها، بشيء، مفنداً خيارات المحقق العدلي بحال لم يُبلّغ برفع يده عن الدعوى.
يستبعد حضور المدعى عليهم لاستجوابهم واتخاذ القرارات المناسبة بحقهم، لكنه في المقابل يتوقف عند فرضية حضور محامين عنهم، يمثلون ويتقدمون بمذكرة دفوع شكلية أو يستمهلون بيطار لتقديمها، عندها تُرفع الجلسة لكي تبدي النيابة العامة التمييزية مطالعتها الفرعية بخصوص الدفوع الشكلية.
يرى أنه بحال عدم حضور المدعى عليهم أو أي محامي يمثلهم الى التحقيق، على القاضي بيطار أن يتأكد من سلامة التبليغات، فإذا وجد أنها مُتَمَمة أصولاً، يتثبت من وجود أي معذرة حتى يبت بها إيجاباً أو سلباً، وبحال انتفت هذه الفرضية، تصبح مروحة الاختيارات مفتوحة، فإما أن يعاود جلب المدعى عليهم، وإما أن يصدر مذكرة إحضار بحقهم، أو يذهب مباشرة الى اصدار مذكرات توقيف غيابية كما فعل مع الوزير الأسبق يوسف فنيانوس، كما باستطاعته إبلاغهم لصقاً كما حصل مع رئيس الحكومة السابق حسان دياب.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية