الحكومة الميقاتية شبه مشلولة، وكأنها دخلت في نفق “تصريف الأعمال” الضبابي، إذ لا جلسات لمجلس الوزراء “حتى إشعارٍ آخر”، وبالتالي لا حلول ولا رؤى ولا خطط، بل أزمات تجرّ الأزمات، وشلل اقتصادي ما بعده شلل. أما اللبنانيون فيُنازِعون في موتٍ بطيء ينتظرون بأملٍ مَمجوج بالقلق، يداً خفيّة تُنقذهم من هذا المصير الأسود.
استبشروا، سابقاً، خيراً بمفاوضات مأمولة مع صندوق النقد الدولي الذي سينكَب على درس خطة الحكومة للتعافي الاقتصادي أملاً في الإنقاذ بعد تعثّرها في عهد الحكومة السابقة. لكن السؤال المطروح “ما هو مصير تلك المفاوضات فيما مجلس الوزراء غائباً “مُغيَّباً”، وأعضاؤه ينشطون فرادى؟”.
الخبير السابق في صندوق النقد الدولي الدكتور منير راشد يشرح، لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أنه عندما تكون هناك مشاورات مع صندوق النقد الدولي، فالأخير يحدّد سلسلة مطالب، على سبيل المثال: وضع تسعيرة جديدة للكهرباء. إذ لا يجوز أن يبقى سعر الكيلوواط 35 ليرة أي أقل من “سَنت” واحد… هذه المطالب تتطلّب وجود حكومة تسارع إلى الردّ على صندوق النقد، لكن كما هو الحال اليوم نسأل “أين الحكومة؟! فجلساتها معلّقة، لا تجتمع للبَت بهذه المطالب”.
ويضيف، من هنا، لا تزال المفاوضات مع صندوق النقد عالقة، ولا تقدّم ملموس في هذا الموضوع.
وفي المقلب الآخر، يقول راشد، كان اللبنانيون يعلّقون الآمال على الحكومة الجديدة لكنهم تفاجأوا بتجميد جلسات مجلس الوزراء، فتبدّدت آمالهم خصوصاً أن عهدها محدّد بفترة زمنية قصيرة تفصل عن موعد الانتخابات النيابية المقبلة. وعندما يذهب شهر من عهدها سدىً، تصبح إنتاجيّتها شبه معدومة كون عامل الوقت ضدّها، والوضع ينحدر أكثر نحو السلبية.
ويشير إلى “إيجابية وحيدة” للحكومة متمثلة “في العمل على قطاع النفط، علماً أن فكرة استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر الخط العربي، لم يبتكرها الجانب اللبناني إنما الولايات المتحدة هي مَن اقترح ودَعَم في هذا الاتجاه”، لكنه يلفت إلى أن “وزيراً وحده ليس صاحب القرار في البت بمثل هذه المواضيع الكبرى التي يلزمها الحكومة مجتمعةً”، معتبراً أن “توقف جلسات مجلس الوزراء يؤخّر العمل على الصعد كافة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية…”.
ويعتبر في السياق، أنه “في حال عملت الحكومة بجِدّ، فيلزمها نحو ثلاثة أشهر للاتفاق على برنامج اقتصادي، وقد لا تتفق، على سبيل المثال في موضوع تحرير سعر الصرف الذي هو مطلب أساسي من صندوق النقد، قد ترفضه الحكومة وتعارض الالتزام بهذا المطلب”.
وهنا يحدّد سلسلة مآخذ على الحكومة:
-أولاً: فترة ولايتها القصيرة.
-ثانياً: هل قررت المضي في الإصلاحات المطلوبة؟ إذا كانت كذلك فعليها البدء بها اليوم قبل الغد. لقد أبلغها صندوق النقد الدولي بما عليها فعله ولا سيما إعادة النظر في أجور ورواتب القطاع العام. ثم إعادة النظر في المالية العامة ومنها إعداد مشروع موازنة. لذلك من الخطأ التفكير في زيادة الرواتب والأجور في منأى عن الإصلاحات.
ويشدد على ضرورة تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية، ويقول، إذا لم نحرّر سعر الصرف منذ اليوم، فلن يصطلح الاقتصاد. لأن الدول الناجحة تعتمد على تحرير سعر الصرف. حتى لو انهارت عملتها بسبب سياساتها الخاطئة كما في تركيا، يبقى اقتصادها قوياً. من هنا إذا حرّرت الدولة سعر صرف عملتها، فعليها اعتماد سياسة مالية مشدَّة وملتزمة.
وينفي راشد أن يكون تحرير سعر الصرف يسبّب التضخم “بل هو ناجم في غالبيّته عن انخفاض سعر الصرف ولا أي شيء آخر. فتحريره يخلق ثقة في البلد بأن الدولار يساوي 20 ألف ليرة وليس 3900”.