تترنح حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في مواجهة الأزمات بفعل الضربات التي يتلقاها رئيسها من “بيت الحكومة” بالدرجة الأولى، بتعطيل عمل مجلس الوزراء من قبل بعض الأطراف الفاعلين فيها، ليس آخرها الضربة القاسية للمساعي الحثيثة التي يبذلها ميقاتي لإعادة وصل ما انقطع مع الدول العربية الأساسية التي يعوِّل عليها لبنان لمساعدته على وقف الانهيار، من خلال سقطة وزير الإعلام جورج قرداحي بهجومه على السعودية والإمارات.
من هنا، لا تبدو المؤشرات إيجابية في المدى المنظور، مع بقاء عودة مجلس الوزراء إلى الانعقاد معلَّقة إلى أجل غير محدَّد، لتبقى كل الحلول التي يُعمل عليها للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية والمعيشية معلَّقة بدورها، ما يهدَّد بمزيد من التدهور.
وفي هذا الإطار، يتأرجح البحث في قضايا زيادة الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، ورفع بدل النقل للعاملين في القطاعين العام والخاص، والمنح التعليمية، وقيمة المساعدة الشهرية استجابة لحالة الطوارئ المعيشية، والتي كانت مدار بحث في لجنة المؤشر التي عاودت اجتماعاتها، قبل يومين، برئاسة وزير العمل مصطفى بيرم، بعد نحو 5 سنوات على توقفها، على أن يُستكمل البحث الأربعاء المقبل وتصبح اجتماعات اللجنة دورية.
موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، استطلع آراء عدد من الخبراء الماليين والاقتصاديين، حول إمكانية تحقيق طموحات الحكومة حول هذه القضايا. وصبَّت معظم الآراء في إطار “عدم التفاؤل بإمكانية ذلك”، مع التحذير من “انعكاسات سلبية مرجَّحة، في حال إقرارها من دون خطة اقتصادية ومالية شاملة”.
ويوضح الخبراء، أن “الوضع الاقتصادي يعاني من جمود حاد”، لافتين إلى أنه “من الصعب على معظم المؤسسات والشركات، التي لا تزال تعمل بالحد الأدنى، تلبية الزيادات على المعاشات، بالمعدلات التي تُطرح فيها على الرغم من أحقية الموظفين بها، بحيث يصبح الحد الأدنى للأجور مضافاً إليه بدل النقل بحدود 4 ملايين ليرة شهرية”.
ويلفت الخبراء، إلى أن “لا مصادر خارجية للتمويل، والمفاوضات التي يحكى عنها مع صندوق النقد الدولي، لا تزال حتى الساعة في إطار المباحثات التمهيدية ولم تدخل في تفاصيل الاتفاق على برنامج قروض وهبات. وعلى الرغم من كل ما يتم تداوله على هذا الصعيد، لا اتفاق بين أركان الحكومة ومصرف لبنان حول تحديد الخسائر بالأرقام للتفاوض بخطة موحَّدة محكمة مع الصندوق”.
ويشير الخبراء، إلى أن “أبواب المساعدات الدولية التي يمكن التعويل عليها، خصوصاً العربية منها، لا تزال موصدة، بل تضاف إليها أقفالٌ جديدة بفعل رعونة بعض الوزراء، كما حصل أخيراً. من دون أن ننسى ما أعاد التأكيد عليه السفير بيار دوكان، المكلف من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ملف تنسيق المساعدات الدولية إلى لبنان في زيارته الأخيرة إلى بيروت مطلع الشهر الحالي، للمسؤولين اللبنانيين، إذ أبلغهم بصريح العبارات بألا يتوقعوا أي مساعدات طالما استمروا على نهجهم السابق من دون إقرار إصلاحات جدية”.
ويشدد الخبراء، على أنه “من المستحيل زيادة الضرائب والرسوم على المواطنين في هذه الظروف، مع التقارير الدولية التي تؤكد ارتفاع نسبة الفقر في لبنان إلى أكثر من 70%، وتخطي نسبة البطالة، المرشحة للارتفاع أكثر، نسبة 35%. علماً أن استيفاء الضرائب والرسوم في تراجع متواصل، وشبه معدوم في بعض القطاعات”.
ويحذر الخبراء، من لجوء الحكومة إلى الحلول، السهلة بالنسبة إليها لكن المدمرة أكثر للاقتصاد من الناحية العملية، وذلك عبر اعتماد طباعة المزيد من الليرة لتلبية حجم الزيادات على الأجور وغيرها، علماً أن الكتلة النقدية بالليرة بالسوق تفوق الـ40 تريليون ليرة”، مؤكدين أن “هذه ستكون عملية غش للمواطنين، لأن الانعكاسات المباشرة ستكون ارتفاع معدلات التضخم وانهيار متزايد في قيمة الليرة والقدرة الشرائية، وارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء حُكماً”.
ويسأل الخبراء، “ماذا ينفع الموظف منحه مثلاً مليون أو مليون و200 ألف ليرة بدل نقل شهرياً، في حال أُقرَّ ذلك، توازي ثمن 4 صفائح بنزين على دولار 20.000 ل.ل حالياً، إذا كان الدولار سيصل إلى 30.000 ل.ل أو 40.000 ل.ل؟ خصوصاً مع توقع وصول سعر برميل النفط إلى نحو 100 دولار نهاية العام، وربما يتخطى هذا الرقم بحسب توقعات الأسواق”.
بالتالي، يضيف الخبراء، “يجب عدم استسهال الحلول الجزئية، التي قد تبدو لمصلحة الموظف في الظاهر لكنها تضرب ما تبقى من قدرته الشرائية في الواقع”، مشددين على “ضرورة عودة مجلس الوزراء إلى عقد جلساته فوراً، بل عقد أكثر من جلسة في الأسبوع، بعيداً عن افتعال العراقيل ووضع العصي في الدواليب”.
ويشددون، على “وجوب مقاربة الأزمة من منظار شامل لمختلف جوانبها الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية والسياسية. وإلا، فيد ميقاتي لا يمكن أن تصفِّق وحدها”، معربين عن تخوفهم من أن “تكون الحكومة على أبواب تصريف الأعمال عملياً بما تيسَّر، لا إيجاد الحلول، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية