تبدو الأمور متجهة إلى مزيد من التأزم في العلاقات اللبنانية الخليجية عامة ومع السعودية خاصة، بعد الإساءة المشينة التي وجَّهها وزير الإعلام جورج قرداحي إلى السعودية والإمارات، والتي جعلت الكيل يطفح لدى هذه الدول من التعدي والهجوم المتمادي من فرقاء لبنانيين على المملكة ودول الخليج، وصولاً إلى تهديد أمنها بالاستهداف المباشر، في ظل “ميوعة” رسمية بمواجهة هذه الأزمة.
ويدفع اللبنانيون ثمن السياسات الرعناء للأكثرية الحاكمة التي رمت لبنان في فم المحور الإيراني، ومعاداة أشقائه العرب والعالم أجمع. وتدفع الصناعة اللبنانية التي تكافح للصمود والاستمرار في ظل الكوارث التي أوصلت إليها هذه الأكثرية البلاد، أثماناً مضاعفة، مع قرار السعودية وقف مختلف الصادرات اللبنانية، وتأييدها من دول مجلس التعاون الخليجي.
نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش، يعتبر، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “ما يتردد عن احتمال وقف تحويل الأموال من اللبنانيين في السعودية ودول الخليج إلى لبنان أمر كارثي، بالإضافة إلى ما يحكى عن اتجاه لوقف الرحلات الجوية بين الإمارات ولبنان”، مشدداً على أن “لبنان عضو مؤسس في جامعة الدول العربية، والمشكلة الواقعة اليوم بين لبنان ودول الخليج العربي، خصوصاً السعودية، تتخطى مسألة التصدير والاستيراد وعمل نحو 400.000 لبناني في دول الخليج، بل تتعلق بمستقبل العلاقة الأخوية بين لبنان والخليجيين الممتدة على مدى عقود من الزمن”.
ويشير بكداش، إلى أن “الجميع يعلم أن أعلى عدد من السياح، وأعلى نسب مساعدات واستثمارات في مختلف القطاعات التجارية والعقارية والسياحية وغيرها، هي من الخليجيين والسعوديين خاصة. واللبناني كان منذ ستينيات القرن الماضي أساسياً في الاستثمارات بدول الخليح العربي، خصوصاً السعودية، ومساهماً كبيراً في إعمار البلدان العربية وخصوصاً الخليجية”.
ويخشى بكداش، “من وجود مخطط ممنهج لضرب الاقتصاد اللبناني وقطع صلة الوصل بين لبنان والعالم، وخصوصاً الدول العربية”، مشيراً إلى أن “جمعية الصناعيين نبَّهت مراراً وتكراراً إلى وجوب فصل السياسة عن الاقتصاد، إذ لا نستطيع في السياسة شتم الدول قبل الظهر، والطلب منها استقبال صادراتنا اللبنانية المختلفة بعد الظهر”.
ويشدد، على أنه “لا يمكن أن نقوم بهذه الممارسات وعدم توقع أي رد، إذ وكأننا نقدِّم عذراً منطقياً لهذه الدول لكي تقطع العلاقات معنا”، لافتاً إلى أن “الصادرات اللبنانية إلى السعودية وسائر دول الخليج في العام 2020 كانت بحدود المليار والـ200 مليون دولار. علماً أنه لا يجب أن ننسى أنه في الـ2020 كان هناك إقفال وإجراءات قاسية في إطار مكافحة جائحة كورونا، والسعودية كانت من أكثر البلدان تشدداً في الإجراءات لهذه الناحية”، لافتاً إلى أن “قيمة الصادرات اللبنانية في الـ2020 إلى السعودية، على الرغم من إجراءات الإقفال المتشددة، بلغت نحو 240 مليون دولار، من أصل المليار و200 مليون دولار لدول الخليج عامةً”.
ويشير، إلى أن “هدف جمعية الصناعيين، بعد تخفيف الإجراءات المتعلقة بمكافحة تفشي كورونا، أن نرفع التصدير إلى بلدان العالم كافة. وفي ما يتعلق بدول الخليج العربي، كان هدفنا رفع نسبة التصدير من نحو مليار و200 مليون دولار إلى ملياري دولار سنوياً على الأقل. ما يعني أن الصادرات إلى السعودية بقيمة 240 مليون دولار في العام 2020، كنا نخطِّط لجعلها 500 أو 600 مليون دولار على الأقل في العام 2022”.
ويوضح، أن “سلسلة الضربات المتلاحقة في الفترة الأخيرة للعلاقات اللبنانية السعودية والخليجية عامة، قضت على جهودنا. فالضربة الأولى كانت مع تهريب الكبتاغون إلى المملكة، التي عُرفت بكبتاغون الرمان، ونتج عنها وقف تصدير المواد الغذائية والمأكولات المصنعة التي تشكل نحو ثلث الصادرات اللبنانية إلى السعودية، وخسارة لبنان نحو 70 مليون دولار سنوياً. علماً أن محاولات تهريب المخدرات إلى السعودية مستمرة حتى الساعة، من دون أي إجراءات فعلية جدية من قبل السلطة في لبنان لوقفها”.
ويقول، “اليوم، أصبح التصدير إلى المملكة جرّاء الأزمة الأخيرة صفراً، (والله يستر) من أن ينسحب ذلك على دول الخليج العربي كافة. فلبنان يصدِّر إلى السعودية لوحدها: مواد غذائية ومأكولات، وقرطاسية وورقيات، وأدوية، وصابوناً وعطوراً، ومجوهرات، ومولدات وأجهزة كهربائية وماكينات، وألمنيوم. وعلى سبيل المثال، هناك 10 كونتينر ألمنيوم على شكل مواد أولية توقف تصديرها بالأمس إلى المملكة، بعدما كانت مرسلة من معمل لبناني إلى معمل لصناعة الألمنيوم في السعودية مملوك من الشركة اللبنانية ذاتها”، وقِس على ذلك”.
وإذ يسأل، “ماذا نفعل بنحو 200 ألف لبناني عامل في السعودية؟ يكشف بكداش، لموقع “القوات”، عن أن “الكثير من الصناعيين اللبنانيين اتجهوا، منذ قضية تهريب كبتاغون الرمان إلى السعودية، إلى بلدان جديدة للاستثمار، إما في بناء وإنشاء مصانع جديدة، أو نقل مصانعهم من لبنان كلياً، أو نقل خط من خطوط الانتاج إلى الخارج، ومن ثم إعادة تصدير منتوجاتهم إلى السعودية ودول الخليج من البلدان الجديدة”.
ويوضح، أن “الصناعيين، ونتيجة استمرار مسلسل التأزيم مع السعودية ودول الخليج، باتوا يفتشون عن طرق جديدة لكي يتمكنوا من الاستمرار”، كاشفاً عن أن “عدداً من الصناعيين انتقلوا إلى عُمان ومسقط، وبدأوا بالاستثمار وبناء مصانع، والأعمال تنتهي خلال شهرين أو ثلاثة ويبدأ الانتاج. وهذا بدأ إثر كشف تهريب الكبتاغون إلى المملكة عبر الرمان ووقف السعودية لاستيراد الصناعات الزراعية والغذائية من لبنان، لأن نحو 60 إلى 70% من تصدير هذه الصناعات يتم باتجاه السعودية”.
ويشير، إلى أن “هؤلاء الصناعيين حصلوا على تسهيلات وتخفيف للإجراءات في سلطنة عُمان، فنقلوا مصانعهم من لبنان إلى مسقط، نظراً لعامل الاطمئنان وضمان الاستقرار للاستثمار على المدى الطويل، والبضائع تُصدَّر برّاً إلى السعودية بشكل مباشر ومن دون معوقات، ما يساعد في توفير عوامل الاستمرارية لمؤسساتهم”.
ويكشف، عن أن “عدداً من الصناعيين كانوا بصدد تكبير مصانعهم في لبنان لزيادة الانتاج، نظراً لأن الصناعات اللبنانية باتت تستحوذ على نحو 75% من السوق الاستهلاكي. لكن بعد كل ما يجري وازدياد الوضع سوءاً، استغنوا عن ذلك، وبدل توسيع مصانعهم في لبنان انتقلوا إلى قبرص وتركيا ومصر وبدأوا بإنشاء وتأسيس مصانع جديدة في هذه البلدان”.
ويضيف، “بالتالي، بدل أن نكون بصدد خفض نسبة البطالة في لبنان من خلال توسيع المصانع القائمة، واستيعاب قسم إضافي من اليد العاملة العاطلة عن العمل حالياً، بات الصناعي مرغماً، على إنشاء مصانع في الخارج لكي يؤمِّن استمرارية مؤسسته”.
ويحذر بكداش، من أن “الكارثة مستمرة”، معرباً عن خشيته “من اتساعها في حال استمرار السياسات القائمة المنتجة للأزمات المتلاحقة، وإذا استمر التعرض للدول العربية بالشتائم والتحريض والتهديد، إذ لا يمكن أن نطلب منها في المقابل أن تستقبل صادراتنا الصناعية ومواصلة تعاملاتها التجارية معنا”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية