صحيح ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سمع في غلاسكو تمسّكا دولياً، فرنسياً ـ اميركياً، ببقاء حكومته “حيّة”، الا انه أدرك فور عودته الى بيروت، وربما قبلها، انها ستعيش “مشلولة” او أن الاثمان التي سيتعيّن عليه دفعها مقابل إخراجها من “الكوما” التي دخلتها منذ قرابة الشهر، لن تكون سهلة او صغيرة. وهذه الكلفة سيتوجّب تسديدها الى مَن أوقعوا الحكومة في هذه “المصيبة”، عنينا الثنائي الشيعي.
تكشف مصادر سياسية مطّلعة على جولة الاتصالات التي اجراها ميقاتي الخميس مع كل من رئيسي الجمهورية ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري، لموقع القوات اللبنانية الالكتروني، عن أن بعبدا بدت منفتحة على خيار تقديم التنازلات، لانها تصرّ على انقاذ العهد وتدرك ان عدم مسايرة الثنائي سيعني “لا مجلس وزراء بعد اليوم”.
مرتاحاً الى هذا الموقف، انتقل ميقاتي من القصر الى عين التينة، الصامتة منذ اندلاع الازمة الدبلوماسية اللبنانية ـ الخليجية، وفي صمتها علامةُ “لا رضى”. بالفعل، تتابع المصادر، أبدى بري اصراراً على اولوية الشروع فوراً في عملية تهدئة “الحرب” هذه. فبغضّ النظر عن خلفياتها واسبابها وما اذا كان وزير الاعلام جورج قرداحي أخطأ ام لم يخطئ، اعتبر رئيس البرلمان ان الوضع لا يمكن ان يستمر على ما هو عليه، لا “دبلوماسياً” ولا “حكومياً”.
انطلاقاً من هنا، هو طرح على ميقاتي فكرة “سلّة متكاملة للحل”، تشمل في “باكاج” واحد ومتدرّج على مراحل، تحقيقاتِ المرفأ و”الطيونة” ومصيرَ قرداحي. وهذه التسوية، هي على الارجح، ما يُعمل على انضاجه الآن بعيدا من الاضواء.
سيّد عين التينة اقترح ان يبدأ المخرج من تنحية المحقق العدلي في جريمة المرفأ القاضي طارق بيطار، وبعد تأمين هذه الاطاحة ـ بالوسائل القانونية والقضائية، لا عبر مجلس الوزراء او سواه ـ يُشغّل بري محرّكاته على خط تليين مواقف حليفه حزب الله من مسألة اقالة وزير الاعلام، وحليفه الزغرتاوي رئيس المردة سليمان فرنجية ايضا، اذ قد “يُغريهما” بتوزير شخصية لافتة ونافرة “سياسياً”، كبديل من قرداحي، بما لا يُظهرهما وكأنّهما انكسرا امام “السعودية”، وقد تصلح فيرا يمّين لهذا المنصب مثلاً. وفي موازاة ذلك، تستمر التحقيقات في حوادث 14 تشرين، ولا بأس هنا من توقيفات لقواتيين او من تحريك ملف استدعاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع من جديد، في واقعٍ يرضي حزبَ الله ولا يكسره امام شارعه وناسه.
هذه السلّة، تتابع المصادر، ينظر اليها عون وميقاتي، ككأس مرّة، لكنهما يعتبران ان لا بدّ لهما من تجرّعها. هما يعرفان ان اطاحة بيطار ستكون تداعياتها وخيمة على الصعيد الشعبي المحلي، كما انها ستشوّه صورة الحكومة، المشوّهة اصلاً، في عيون العالم والدول المانحة، وفي عيون الخليجيين ايضاً، اذ سيعتبرون “قبعَه” رضوخاً جديداً لحزب الله.
لكن “الترويكا” تبدو في صدد الذهاب نحو هذا الحل لانها رأت ان الخارج متمسك بقوة ببقاء الحكومة لاعتباراتِ الانتخابات والاستقرار ومنع تفاقم الازمة الاقتصادية اللبنانية اكثر، ولانها (اي الترويكا) تعرف ايضاً ان جُلّ ما يمكن ان يتحقّق الآن على صعيد الازمة الدبلوماسية، هو وقفُ تصعيدها، لا اكثر، وذلك عبر إبداء “حسن نية” يتجلّى في اقالة قرداحي.
وبعد، حزب الله يُعتبَر في هذه التسوية، الرابحَ الاكبر. فهل يقبل بها؟ ام ان المطلوب ربط ملف لبنان وحكومته ومصيره ككل، من جديد، بتطورات المنطقة وبالعلاقات بين ايران والسعودية او بين الجمهورية الاسلامية والولايات المتحدة، كورقة ضغط تستخدمها طهران في مفاوضات فيينا التي تُستأنف في 29 الحالي؟ حتى اللحظة، يبدو الخيار الثاني مع الاسف، هو المرجّح، تقول المصادر.