كتبت رواد ليشع في “المسيرة” – العدد 1722
وطن الإحتلالات… الى الدولة در!
قيومجيان: نقاوم بالموقف والسياسة وصناديق الإقتراع
لحظة خروج الجيش السوري من لبنان وتحقيق الإستقلال الثاني، كانت إيران في جهوزية تامّة لتسلّم الراية واستكمال النهج السوري الأسدي، والهدف جعل لبنان ورقة مساومة على طاولة التفاهم النوّوي وجبهة متقدمة لصراعاتها مع إسرائيل، بالإضافة الى تحويله الى عاصمة تابعة لها ضمن إطار تطبيق مشروع ولاية الفقيه كما نصّت الأدبيات الأولى للتنظيمات الإيرانية في لبنان. وقد تجسّد ذلك في إشراف المشروع الإيراني على الدولة من داخلها والتحكم بمفاصلها. ومنذ اغتيال الشهيد رفيق الحريري مروراَ بغزوة بيروت في «اجتياح أيار المجيد»، بات «حزب الله» قادراً على تحديد وجهة لبنان. فهل يبقى لبنان موطناً للإحتلالات ونكون شعباً مقاوماً؟ وهل يكون الإحتلال الإيراني أخطر الإحتلالات وكيف سنواجه؟
بعد سلسلة الإغتيالات التي أعقَبَت التخلص من الحريري والتي طوّعت النظام وربطته بالقرار الإيراني سارع من تبقى من الطاقم السياسي الى ترتيب أوضاعه في ظل الهيمنة الجديدة فنشأ تفاهم السلاح والفساد الذي جرّد دولة المؤسسات والشرعية والقانون من مفهومها وقاد البلد الى الإنهيار الشامل الذي تجلّى في كارثة اقتصادية – مالية – أمنية لم يشهدها لبنان منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى. من «شكراً سوريا» الى تكريس الإحتلال الإيراني، سيطرت الدويلة على الدولة ودخل لبنان عتبة تغيير هويته. فالآمر الناهي اليوم هي الميليشيات «الإيرانية» وكل من يعترض ويرفض يجد نفسه مهدداً بسلاح الداخل غير الشرعي: سلاح «حزب الله» الذي سقطت عنه صفة «سلاح المقاومة» وأصبح هدفه الأول والأخير حماية مصالح طهران.
رئيس جهاز العلاقات الخارجية في حزب «القوات اللبنانية» الوزير السابق ريشار قيومجيان أوضح لـ«المسيرة» أن «موقع لبنان الجغرافي في الشرق الأوسط له تأثير كبير في جعله عرضةً للإحتلالات. وهذه الإحتلالات المتعاقبة منذ الأمس القريب والبعيد والحاضر المستمر هي نتيجة ظروف مرتبطة بالجغرافيا السياسية للبنان». أضاف: «بعد فترة الإستقلال، وإذا اعتبرنا أن الإحتلال هو وجود جيش غريب على الأراضي اللبنانية كما الحال مع الإحتلال السوري والإسرائيلي لبعض المناطق الجنوبية، يمكن تشبيه الوضع الإيراني في الشكل بالتدخل الفلسطيني وفي المضمون بالوجود السوري. وصحيح أن التدخل الفلسطيني تمكن آنذاك من السيطرة على بعض الأحزاب والفئات اللبنانية إلا أنه لم يستطع السيطرة على الدولة وأن يصادر الشرعية ويعود الفضل بذلك الى الأحزاب اليمينية كالكتائب والأحرار التي توحدت في ما بعد ضمن أطار «القوات اللبنانية» حيث تبلورت مقاومة الإحتلال السوري الذي وبخلاف التدخل الفلسطيني، تمكن من التحكم بالدولة ومفاصلها. كما هي الحال مع التدخل الإيراني».
وأكد قيومجيان: «إن مفاعيل وجود «حزب الله» وسلاحه، على رغم تعدد التسميات بين إحتلال، هيمنة أو وصاية، هي نفسها كونه طرف تابع وليس سراً للحرس الثوري الإيراني ويطغى على هويته السياسية والعسكرية إنتماؤه لإيران التي تحاول أن تبسط سلطة احتلالها على لبنان من خلال «حزب الله» حتى لو لم يكن هناك جيش إيراني بشكل مباشر. وهذا واقع كل تصاريح القادة السياسيين والعسكريين الذين اعتبروا أنه بات لإيران موطئ قدم على المتوسط، إضافة الى اعترافهم بإنشاء ستة جيوش لهم خارج إيران للدفاع عنهم ومن بينهم حزب الله.»
وشدد على أنه لا يمكن أن تستقيم دولة في ظل وجود دويلة موازية وسلاح خارج إطار الجيش اللبناني، وليس من مصلحة لبنان أن يتم جرّه الى المحور الإيراني، أي محور الفقر والعزلة الدولية والمقاطعة العربية. فمحور الممانعة هو خراب لبنان ولا يشبه النموذج الذي تأسس عليه لبنان الذي كان رائداً في المنطقة العربية من خلال جامعاته ومستشفياته وثقافتة. ومن غير المقبول أن يبقى لبنان معزولاً نتيجة سياسات «حزب الله» الإقليمية وانخراطه في حروب لا تعنينا لا من قريب ولا من بعيد في سوريا واليمن والعراق من خلال مصادرته قرار السلم والحرب وخطفه للدولة وسيادتها.
واعتبر قيومجيان أن خطورة الوضع الحالي «تكمن في محاولة تغيير هوية لبنان والنيل من فلسفة وجوده التي تتجسّد في تعدد وتنوّع الطوائف فيه، وانفتاحه على الغرب والدول العربية، وفي اقتصاده الحر وثقافة الحياة، والمسعى الوحيد إلحاقه بالمحور الإيراني. وبقدر ما يزيد «حزب الله» إصراراً على جرّنا الى الخراب بقدر ما يزيدنا تشبثاً بمقاومتنا ومعارضتنا لمنعه ومواجهته حتى الوصول الى قيام الدولة الفعلية. مضيفاً: «حزب الله يقوم بما يقوم به تحت غطاء مقاومة العدو الصهيوني ولا يمكنه أن يجعلنا نعيش في حرب دائمة وفي دوّامة اللاحرب واللاسلم».
وعن كيفية المواجهة أشار: «إننا قاومنا السوري ونحن في المعتقل بسلاح الموقف. فالبطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير لم يكن يمتلك الدبابات والصواريخ لكنه كان متسلحاّ بالموقف الذي لاقى إلتفافاَ شعبيًا واسعًا وقد خرج الجيش السوري بعد فترة ليست بطويلة. واليوم أيضًا، سنقاوم بالسياسة وبالموقف الحازم وبالممارسة السياسية، وبوجودنا في المجلس النيابي، فضلاّ عن مشاركتنا في الإنتخابات. ولذلك نعوّل كثيراّ على الإنتخابات النيابية المقبلة ونعتبرها من أهم محطات المواجهة من أجل إضعاف «حزب الله» وموقفه ونزع أي شرعية مفترضة عن سلاحه. فاللبنانييون اليوم أمام استحقاق مهم لترجمة رفضهم للدويلة».
إن خصوصية هذا الإحتلال وصياغته لا تتطلب الحضور المباشر إنما تعتمد على التبعية الصريحة من قبل طرف جرى «تفصيله» على قياس المصلحة الإيرانية. ولا شك في أن لبنان الذي ترسّخ في التاريخ لن يتمكن من الخروج من نفقه المظلم والعودة الى الحياة قبل استعادته لقراره الوطني وسيادته. ولن يتحقق ذلك إلا بإرساء مفهوم الدولة والقانون والمؤسسات والتخلص من الهيمنة الإيرانية التي ستنتهي حتماً كما سابقاتها ما دامت نفوس اللبنانيين تميل الى مشروع تحقيق لبنان السيّد الحرّ والمستقل. فالأمر ليس صعباً، إنما يتطلب العزم والإصرار والتسلّح بالموقف السيادي وروحية المقاومة والنضال. إن بلد الأرز، وعلى الرغم من صراعات المنطقة اللامتناهية، سيبقى حاجة تاريخية ولن يكون قدره إلا البقاء وديمومة الحياة.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]