كتبت جويل الحداد في “المسيرة” – العدد 1722
الحركات الطالبية في لبنان: إشهد يا تاريخ
سبيرو: طلاب الأمس واليوم قادة الغد… لا تضيّعوا البوصلة!
قبل اندلاع الحرب الأهلية عُرفت الحركات الطالبية كجزء أساسي من تيار المعارضة السياسية في لبنان وقوة تغيير فاعلة. هي التي عملت منذ العام 1950 على تأسيس الجامعة اللبنانية الوطنية وكُللت الإضرابات والإحتجاجات في الشوارع التي لجأت إليها لتحقيق هذا المطلب بالنجاح نهاية العام 1965. ومنذ تاريخه، بدأت هذه الحركات تُظهر اهتماماً كبيراً بالقضايا السياسية التي تحدث داخل وخارج لبنان، كما واصلت بالمطالبة بإصلاح النظام التعليمي فضلاً عن الإصرار على تمثيل أفضل في المؤسسات الأكاديمية.
مع نهاية الحرب الأهلية، إحتفظ بعض الشباب بميولهم السياسية اليسارية أو اليمينية، في حين اتجه العدد الأكبر نحو الأحزاب السياسية التي أسست الخلايا ومصالح الطلاب وراحت تمارس العمل السياسي من داخل حرم المدارس والجامعات. من هنا وعلى سبيل المثال لا الحصر، لعبت مصلحة الطلاب في حزب «القوات اللبنانية» منذ العام 1994 دوراً مهماً في اللحظات الحاسمة في تاريخ لبنان، خصوصًا مع إشتداد نير الوصاية عليه وإعتقال رئيس الحزب سمير جعجع. وبحسب رئيس مصلحة الطلاب الأسبق المهندس دانيال سبيرو «لم تستسلم الحركة الشبابية القواتية على مدى 11 عاماً. فقد ثابرت لتحقيق هدفها الأسمى خلال هذه المرحلة ألا وهو خروج جيش الإحتلال السوري من جهة، وحرية رئيس «القوات» من جهةٍ أخرى. كما عملت خلال هذه الفترة على تنظيم وتجهيز كوادرها المؤلفة من طلاب المدارس والجامعات من خلال التركيز على ثلاثة أمور: أولاً العمل السياسي داخل الجامعات وخوض المعركة الإنتخابية الطالبية بشكلٍ سلميّ، ثانياً تثقيف الطلاب سياسياً وفكرياً من خلال تحضير ندوات ومحاضرات، وثالثاً مواجهة القمع والديكتاتورية بالتحركات السلمية والتظاهرات الميدانية والإعتصامات، إضافة الى إحياء ذكرى حل الحزب وتفجير كنيسة سيدة النجاة، رافضين الإستغلال والإحتلال الذي مرّ به لبنان تحت عنوان: «مواجهة الهيمنة السورية».
لم تقتصر مرحلة ما بعد الحرب الأهلية على تأسيس الحركات الطالبية السياسية وممارسة العمل السياسي من داخل حرم الكليات والجامعات فقط. بعد إغتيال رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري في 14 شباط 2005 شهدت هذه الفترة تحالفات للحركات الطالبية على رغم إختلافاتهم السياسية لتحقيق المطالب المشتركة آنذاك. وبحسب سبيرو «لعبت الحركات الطالبية خلال هذه الفترة دوراً أساسياً ومهماً جداً بالتنظيم والحشد للتظاهرات والإحتجاجات مما أدّى الى حصول أهم وأكبر مظاهرة في لبنان في 14 آذار 2005».
يروي سبيرو لمجلة «المسيرة» أنّ ليلة إغتيال رئيس الحكومة دعى تيار المستقبل كلّ الأحزاب لإصدار بيان مشترك، ولكن الأمر باء بالفشل بعدما إنسحب كلّ من الحزب القومي السوري، تيار «المردة»، حركة «أمل» و»حزب الله» لأن «القوات اللبنانية» لم يقبل بالبيان المشترك إلا إذا تمّت إدانة النظام الأمني اللبناني السوري. وعليه، قرر تيار المستقبل و»القوات»، و»التيار الوطني الحر»، إلى جانب الجماعات اليسارية المستقلة وأنصار الحزب التقدمي الاشتراكي تنظيم الإحتجاجات، والتظاهرات، ومخيمات الحرية والتجمّعات اليومية، مما أدى إلى خروج الإحتلال العسكري السوري من الأراضي اللبنانية، وعودة ميشال عون من المنفى في فرنسا وإطلاق سراح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.
بعد إنسحاب الجيش السوري من لبنان وإبرام إتفاق مار مخايل بين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله»، إنقسمت الحركات الطالبية من جديد نتيجة إنقسام الأحزاب السياسية إلى تحالفين كبيرين: تحالف 14 آذار وتحالف 8 آذار. وشهدت هذه الفترة حركة مهمة للشباب حيث انخرط عدد كبير منهم في الحياة السياسية وذلك من خلال الإنضمام إلى الحركات الطالبية الحزبية، ومن خلال العمل السياسي داخل حرم المدارس والجامعات عبر الإنتخابات الطالبية والنشاطات التي تنظمها الهيئات الطالبية لتحقيق المطالب والنشاطات السياسية التي تنظمها الخلايا لنشر فكرها السياسي.
في الوقت عينه، بدأت بعض المجموعات الطالبية المستقلة الإنتظام والعمل كبديل للأحزاب السياسية، حيث ارتكزت شعاراتهم ومواقفهم على تحدي «الهيمنة الديكتاتورية التي تفرضها الأحزاب السياسية التقليدية». إقتصر عمل هذه المجموعات من العام 2008 حتى 2017 على التحرك وتنظيم الحراك داخل حرم الجامعات ومع طلاب الجامعة نفسها حتى العام 2018 حيث أَنشأت المجموعات الطالبية المستقلة شبكة رسمية موحدة تجمعهم لتحقيق أهدافهم. ومنذ تاريخه لم يعد عمل هذه الحركات محصورًا بحرم الجامعات ومطالب الطلاب، بل طال القضايا الوطنية والإنخراط في الحياة السياسية والشأن العام، كما فُتحت خطوط تواصل مع الجمعيات المحلية.
وفي هذا السياق، يرى سبيرو «أنّ التعدد يساهم ويسرّع عملية التغيير شرط أنّ تتفق الحركات الطالبية على المبادئ، وأنّ تعمل جهداً لتحقيق أهدافها. ويضيف: «عاشت الحركات الطالبية هذه التجربة خلال ثورة 17 تشرين على رغم عدم توحدها، حيث تجمّع طلاب المدارس والجامعات مع إختلافاتهم السياسية وإنتماءاهم الحزبية ضمن بوتقة حركات طلابية مختلفة للمطالبة بالحقوق عينها والوقوف بوجه الطاغية نفسه.
على رغم عدم وجود الطلاب اليوم في الشارع لصناعة الفرق وتحقيق المطالب، إلا أنّ الحركات الطالبية تسعى جاهدة لصناعة التغيير في البلد وذلك عبر خوض الإنتخابات الطالبية في الجامعات. فهل إنقاذ لبنان اليوم يحتاج إلى إنتخابات داخل حرم الجامعات والكليات أو إلى ثورة تطلقها الحركات الطالبية موّحدةً تحت مظلة المبادئ عينها؟
يعتبر سبيرو «طلاب اليوم هم قادة الغد والإنتخابات الطالبية وسيلة فعّالة لتحريك وتسريع عجلة التغيير في البلد، والمنبر الأول لإنخراط الطلاب في المعركة الديمقراطية. ولكن يبقى للإحتجاجات وللتحركات السلمية تأثير أكبر وأسرع لصناعة التغيير. أما نجاحها، فيتوقف على تحقيق أهدافها وإحداث تغيير في منظومة العمل السياسي. من هنا عليها أنّ تخوض المعركة الإنتخابية الطالبية وتنظيم تظاهرات وتحركات، شرط أنّ تتشارك مع بعضها البعض الأفكار عينها بعيداً من حسابات السياسيين وتطلعاتهم».
تتلاقى اليوم مطالب الحركات الطالبية المستقلة مع بعض الحركات الطالبية الحزبية على مبدأ إنقاذ لبنان من السلطة الحاكمة، وعلى مبدأ حصر السلاح بيد الجيش اللبناني والحياد، وعلى مبدأ بناء وطن يعيش المواطن فيه بكرامته. فهل نرى في الزمن القريب إحتجاجات وتحركات سلمية بقيادة الطلاب لتحريك عجلة التغيير والتأثير على الرأي العام؟
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]