كل شيء في لبنان ثمين إلا الإنسان! حتى في ملف كورونا، استشرى الإهمال، وكأن الفيروس انتهى وعادت حياتنا الى طبيعتها. صحيح أنه لا يمكن للقطاعات الإنتاجية أو للمدارس أن تُبقي أبوابها مقفلة، لكن لا يحق لعدد كبير منها، التعاطي مع الفيروس بهذه اللامبالاة والفوقية.
منذ أسبوعين ضجت البلاد بأخبار تفشي “كورونا” في مدارس النبطية وبنت جبيل، وهذا الأسبوع دبّ الهلع في البقاع والبداوي، ليتبين أن المدارس لا تعاني من تقصير وزارة التربية فحسب، بل من غياب رقابة وزارة الصحة العامة والجهات المعنيّة بالمتابعة الصحية، بشكل كامل، على الرغم من ارتفاع وتيرة الإصابات بالوباء، وإخفاء بعض إدارات المدارس الحالات الإيجابية، وكأن في الأمر عيباً ما! الأمر ينسحب الى حد ما على القطاع السياحي، إذ باتت تلاحظ كثافة الحاضرين في الأماكن المغلقة، فكيف إذاً في الفترة المقبلة، على بعد أسابيع قليلة من موسم الأعياد؟
إذاً، يقف لبنان اليوم، على عتبة “خضّة” جديدة من فيروس كورونا، مترافقة مع موسم الإنفلونزا والفيروسات التنفسية الموسمية. الحال هذه لا تقتصر على لبنان، إذ نشرت “رويترز”، منذ يومين، تحقيقاً عن عودة تفشي “كورونا” في أوروبا لا سيما في ألمانيا وفرنسا وهولندا، على الرغم من نسبة التلقيح العالية في هذه البلدان والتي تخطت 80%، مقارنة مع عدد الملقحين في لبنان بجرعتين والذي لم يتجاوز الـ36%.
في جولة سريعة على أرقام الأسبوع الماضي، سجل لبنان يومياً نحو ألف حالة إيجابية، ولامس الرقم الـ1133 حالة في 13 تشرين الثاني الحالي، بينما ارتفعت نسبة الفحوصات الايجابية خلال الأيام العشرة الماضية، من 4% الى 7%. وذكرت تقارير وزارة الصحة أن 90% من الذين يتلقون علاج كورونا في المستشفيات هم من غير الملقحين، و95% ممن هم في العناية المركزة من غير الملقحين أيضاً. فهل نحن أمام خطر إقفال جديد، وماذا عن تلقيح الأطفال، الذين باتوا الناقل الأكبر للعدوى مع تقصير الوزارات المعنية وامتناعها عن تقديم الأدوية والكمامات وغيرها الى إدارات المدارس لحماية الطلاب؟
يوضح رئيس اللجنة الوطنية للقاح كورونا، الدكتور عبد الرحمن البزري أن الانتقال المجتمعي للوباء مرتفع، ولبنان مصنف ثالثاً في هذا الإطار، بسبب عودة الحياة الى طبيعتها والمدارس الى نشاطها، إضافة الى أننا مقبلون على فصل الشتاء، إذ تزداد الأمراض التنفسية وكورونا إحداها.
يحذّر، في حديث إلى موقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، من فترة عيدي الميلاد ورأس السنة، كما أعياد الطائفة الإسلامية التي ستليهما، إذ إن اللبنانيين لا يحتفلون من خلال المخالطة الاجتماعية وممارسة الشعائر الدينية فحسب، إنما اقتصادياً وسياحياً أيضاً.
يشدد على أن الحلّ الوحيد بظل غياب دولة تمون على القطاعين السياحي والتربوي وتنفذّ التوصيات، إقناع المواطنين والمقيمين بضرورة التلقيح، لأنه السلاح الوحيد الموجود بين أيدينا لحمايتنا، متوقفاً عند الأرقام التي تشير الى أن نسبة الدخول الى المستشفيات جراء كورونا منخفضة، ما يظهر أن من يقصد المستشفى أو يحتاج الى عناية مركزة ممن تلقوا اللقاح قليل جداً، حتى أن نسبة الوفاة بعد اللقاح لا تتجاوز الـ1%.
يجدد التأكيد على ضرورة استكمال مشوار التمنّع المجتمعي، لأن اللقاح أثبت الحماية من العدوى الشديدة بنسبة 95%، وإذ يتوقف عند ظروف القطاع الاستشفائي الذي بات عاجزاً لوجستياً وبشرياً ومالياً، بعدما تراجعت قدرة لبنان الاستشفائية عما كانت عليه منذ سنة بشكل دراماتيكي، يجزم بأن اللقاحات التي حصل عليها لبنان متقدمة جداً، ولم تدخل لبنان الاّ بعد دراسة معمقة لملفاتها.
يستبعد البزري تلقيح الأطفال ما بين 5 و11 سنة في وقت قريب، ويعزو السبب الى ضرورة اجراء المزيد من الدراسات حول هذا الموضوع، شارحاً أن جرعة الأطفال دون الـ11 عاماً، هي ثلث الجرعة المعطاة للراشدين، ما يحتم على لبنان تأمين الجرعات المناسبة من شركات اللقاح العالمية أو إعادة تأهيل فريق العمل على كيفية استخدام الكمية المناسبة من اللقاحات الموجودة.
يشدد على ضرورة إعطاء الجرعة الثالثة للمسنين ولمن يعاني من أوضاع صحية خطيرة، إضافة الى التركيز على المناطق “النائية” حيث لا تزال نسبة التمنّع المجتمعي منخفضة، وتلقيح من امتنع عن ذلك، في القطاع التعليمي لأنه لا يجوز إعادة اقفال المدارس، كما إنقاذ القطاعات السياحي والتجارية والرسمية، من خلال تلقيح عمالها.
يستبعد البزري العودة الى الإقفال التام، كما حصل في مرحلة سابقة، لأن لبنان تمكن من تأمين مناعة مجتمعية لامست الـ40%، مع نسبة كبيرة ممن التقطوا الفيروس وكوّنوا مناعة جزئية، مشدداً على أن أفضل طريقة لحماية المدارس، تبقى برفع نسبة التلقيح لدى الجهاز التعليمي والطلاب ممن هم فوق الـ12 عاماً، وفي المجتمع، وباعتماد بروتوكول المدارس والإشراف عليه.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية