حكومة “معاً للانقاذ” تكاد تخسر سباقها مع الانهيار الشامل الذي بات وشيكاً. هذا الانهيار لن يقتصر على سقوط القطاعات الاقتصادية والمصرفية والطبية والاستشفائية والتربوية المتهالكة اصلاً، ولا على تحليق الدولار وتسجيله أرقاماً قياسية خيالية، بل هذه المرة، سينفجر “أمنياً” على شكل فوضى وربما أكثر، على الارض… من هنا، ولشراء بعض الوقت، تكشف مصادر سياسية مطّلعة لموقع القوات اللبنانية، عن ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ذهب نحو اقرار رزمة اجراءاتٍ لتنفيس الاحتقان الشعبي، في اجتماعٍ وزاري عُقد في السراي الخميس، أعطت الناسَ مساعداتٍ مالية سيتقاضونها في الشهرين المقبلين. غير ان الرجل يدرك جيداً ان المسكّنات هذه لا تنفع ومفعولها سريع التبخّر، وانها لا تحلّ الازمة العميقة ولا تُثبّت الاستقرار من جديد أو تحمي لبنان من الارتطام المريع. وهو يدرك ايضاً ان الوضع الخطير يحتاج الى مجلس وزراء يعمل بطاقاته القصوى، وأن في حال لم يحصل ذلك، فإننا ذاهبون نحو الأسوأ. وهذا التنبيه نقله اليه سفراء كُثر تَواصَل معهم في الايام الماضية، بعضُهم حذّر علناً مواطنيه من التوجّه الى لبنان.
في ضوء هذه المعطيات كلّها، توجّه ميقاتي باكراً امس الى قصر بعبدا، وعرض مع رئيس الجمهورية ميشال عون للاخطار المحدقة بالبلاد مالياً وامنياً، مبلغاً إياه انه سيدعو الى جلسة وزارية الاسبوع المقبل “لأن الوضع ما عاد يحمل”. بحسب المصادر، بعبدا رحّبت بالخطوة وشاركت ميقاتي قراءتَه للامور. الا انها سألت رئيسَ الحكومة عما اذا كان توصّل الى صيغةٍ ما، ستؤمّن مشاركة “الجميع” في الجلسة، ام انه ينوي عقدها بمَن حضر. الضيف أبلغ رئيسَ الجمهورية ان ثمة ما يُطبخ في الكواليس، مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في شكل خاص، لفكّ أسر الحكومة. هي “سلّة” متكاملة تشمل اقالةَ وزير الاعلام جورج قرداحي، ورميَ كرة نار “قبع” المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ القاضي طارق بيطار، من “حضن” مجلس الوزارء، الى “الملعب” النيابي، على ان يقوم البرلمان بتولّي مهمّة ايجاد صيغة لازاحته تماماً (وهو امر مستبعد نظرا الى ان لا صلاحيات لمجلس النواب في هذا الخصوص)، او لتقليص مهامه وصلاحياته، بحيث تُسحب من يده محاكمةُ النواب والوزراء والرؤساء. وربما ذهب مجلس النواب نحو تشكيل لجنة تحقيق برلمانية تضطلع بمهمة التحقيق في قضية انفجار 4 آب.
هذه التسوية يفترض ان تتيح لمجلس الوزراء الانعقاد من جديد واستئناف جلساته في شكل طبيعي. لكن هل سيرضى بها حزب الله؟ حتى الساعة، الاجابة سلبية، وسيناريو استمرار الشلل، لا يزال غالباً، لا بل ان حظوظه ارتفعت بقوة امس. لماذا؟ لسببين: أولاً، لأن الرجل “رقم 2” في حزب الله، نعيم قاسم، عاد ليؤكد تمسكَ الحزب بشروطه للافراج عن الحكومة، إذ قال اننا “مع عودة الحكومة إلى الاجتماعات، بعد معالجة أسباب توقف الاجتماع، واليوم مشهد القضاء في لبنان غير صحي، ليس له علاقة لا بحادثة ولا بقاضٍ، له علاقة بمنظومة قضائية كاملة تتداخل بطريقة غير عادية، يجب إعادة النظر وإيجاد حل وإلا الواقع القضائي غير صحي”، في موقف يدل على ان الضاحية وسّعت لائحة مطالبها بحيث باتت تطمح الى “قبع” ليس فقط بيطار، بل ايضا رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود. كما ان قاسم رفض استقالة او اقالة قرداحي لان فيها خضوعاً لاملاءاتٍ خارجية.
ثانياً، لأن العهد بات يسعى في الخفاء، الى اطاحة الانتخابات النيابية إن هي لم تضمن اعطاء التيار الوطني الحر الاكثرية المسيحية، الامر المستبعد حسب اكثر من إحصاء ودراسة. ومواقف رئيس الجمهورية الصحفية امس، تؤكد بما لا يرقى اليه شك، انه لن يسلّم قصر بعبدا الا لرئيس “قويّ مثله”. والرئيس المقصود هو بطبيعة الحال، صهره النائب جبران باسيل. واذا لم يأت هذا “التطيير” من قناة “المجلس الدستوري”، فلا بأس بأن يأتي عبر الفوضى الامنية، وأسرعُ السبل اليها ابقاءُ مجلس الوزراء معطّلاً.
فهل تسرّع ميقاتي في البوح “علناً” عن نيته الدعوة الى جلسة؟ ربما، تجيب المصادر، الا انها تشير الى انه ما كان ليُطلق موقفاً حاسماً كهذا لو لم يشعر من بري، ان المعطّلين ما عادوا قادرين على تحمّل تبعات التعطيل، وقد بات التململ المعيشي كبيراً وواضحاً داخل “بيئتهم الحاضنة”. كما ان رئيس الحكومة يراهن على اتصالات خارجية ستُجريها باريس مع كل من طهران والرياض في الساعات المقبلة، ليُليّن حزب الله تصلّبه، فـ”يُسَيسِر” الامور بحيث يصوّت “ضد” اقالة قرداحي من جهة، ويرضى بما يَخرج من ساحة النجمة في قضية بيطار، من جهة ثانية… لكن ما يجب الا ننساه هو ان مصالح طهران، راعية حزب الله، تبقى متقدّمة على اي اعتبارات اخرى في حساباته وقراراته. من هنا، لن يكون انعاشٌ لمجلس الوزراء الا اذا تأمّن ضوء اخضر إيراني لذلك.