أشارت تقديرات مدعَّمة باستطلاعات ميدانية أجرتْها “الراي”، الى أنه ثمة إجماع في الأوساط التجارية تترجمه الأسواق بالتحسب المسبَق لتفاعلات نقدية واستهلاكية مرتقبة من شأنها تسريع وتيرة حلول “الآتي الأعظم”. فلا حدود للانفلات النقدي في ظل تنامي الضغوط السوقية على سعر صرف الليرة، وقوائم التسعير بالتجزئة باتت تتضمن إضافة أكلاف مرتفعة للنقل والكهرباء وسقوف أعلى للدولار تتعدى 25 ألف ليرة، وتُجاريها بدلات الأكلاف الطبية والاستشفائية والأدوية التي تحلّق بأجنحة دولار الأسواق الموازية البالغ حالياً نحو 24 الف ليرة، ومثلها أسعار المشتقات النفطية من بنزين السيارات ومازوت التدفئة والغاز المنزلي.
ويلاحظ خبراء ومحللون أن الأسواق بدأت تترجم عملياً توجه الحكومة الى زيادة سعر الدولار الجمركي من 1515 ليرة إلى سعر منصة البنك المركزي القريبة حالياً من عتبة 20 ألف ليرة، والزيادة المرتقبة على نسبة الضريبة على القيمة المضافة. فضلاً عن تَوَقُّعِ إدخال زيادات ضريبية عقارية وبلدية ورسوم خدمات كالاتصالات والكهرباء والمياه وسواها، وهذا ما يُتوقع إدراجه ضمن مشروع قانون موازنة العام المقبل بهدف زيادة واردات الخزينة المتهالكة، وسد جزء بسيط من فجوة الأجور في القطاع العام.
ويوضح مسؤول اقتصادي كبير لـ”الراي”، أنه “بمعزل عن النيات التي تحتمل الصدقية في توجهات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والفريق الاقتصادي الوزاري الذي أنجز فعلياً تقدير الخسائر المحقَّقَة وتصورات توزيعها ومعالجتها تدريجاً ضمن خطة متكاملة تنطلق من تسريع عقد اتفاقية تمويل مع صندوق النقد الدولي، فإن الوقائع الحاضرة داخلياً بتعقيداتها وتجاذباتها على أبواب استحقاق الانتخابات النيابية بعد أشهر قليلة، تشي فعلياً بتأجيج عوامل الفوضى النقدية وباختلالاتٍ أشدّ حدّة في القدرات المعيشية قد تقارب العجز التام لدى فئات اجتماعية واسعة، وبتوسُّعٍ دراماتيكي لحلقة الفقر المدقع لتشمل كامل متوسطات المداخيل التي تقلّ عن 5 ملايين ليرة شهرياً (نحو 200 دولار). علماً أن الحد الأدنى للأجور انحدر دون دولار واحد في اليوم، وتَدَنّى معه متوسط الدخل إلى نحو 125 دولاراً شهرياً.