تصدرت المخاوف الناتجة من الانهيارات المستجدة في سعر صرف الليرة اللبنانية وارتفاع سعر صرف الدولار إلى مستويات قياسية غير مسبوقة لامست الـ25 ألف ليرة، هموم اللبنانيين المنشغلين يومياً في الجري وراء لقمة العيش؛ تزامناً مع ارتفاع القلق من تداعيات حلول مقترحة على المداخيل المتهالكة، مثل رفع سعر الدولار الجمركي، والأنباء عن مضاعفة رسوم الخدمات العامة مرات عدة من الكهرباء والاتصالات والمياه بدءاً من العام المقبل.
وبدا المشهد العام «سوريالياً» مع توالي الإشعارات الواردة عبر التطبيقات الإلكترونية، تبين هبوط سعر صرف الدولار بمئات الليرات خلال دقائق فاصلة بين الموجات المتلاحقة، ليصبح ارتفاع الدولار الخبر الأكثر تداولاً. وأثار ذلك صدمات جراء الخسارة المحققة في مداخيل أغلبية عظمى من اللبنانيين تتعدى المليون موظف وعامل في القطاعين العام والخاص على بُعد أيام من نهاية الشهر، في حين اصاب الانتعاش «الوهمي» الفئات غير الكثيرة المحظية بالأجور والبدلات بالعملات العربية والأجنبية.
وتساهم سياسات «الحياد» الرسمي التام عن تحركات المبادلات النقدية في الأسواق الموازية، من حجم الارتباك والفوضى في تسعير سعر صرف الليرة عند أدنى مستوى لها خلال عامين ونيّف من الاضطرابات التي تشهدها البلاد، بل إن مصادر مالية صوّبت الاتهام المباشر إلى الواقع الحكومي المتردي عقب فشل محاولات عودة مجلس الوزراء إلى الانعقاد، بينما تفرض التطورات الدراماتيكية على كل الصعد السياسية والاقتصادية، وتعقيدات الأزمات المستمرة مع بلدان الخليج، اللجوء الفوري إلى عقد اجتماعات طارئة ومفتوحة بهدف احتواء التدحرج الحاد للأوضاع عموماً نحو ارتطامات تخرج نتائجها عن النطاقين المعيشي والنقدي.
وأوضح مسؤول مالي لـ«الشرق الأوسط»، «إننا ندرك أن يد الدولة قصيرة ومغلولة تحت وطأة تفاقم التعقيدات الداخلية، إنما من غير المفهوم مطلقاً ترك الناس لمصيرهم وحشرهم جميعاً في خانة المتسولين». وأضاف «من امتلك القدرة على اتخاذ قرارات بتبديد نحو 14 مليار دولار على دعم عقيم للمواد الأساسية خلال عامي الأزمة، يتوجب ألا تعوزه الجرأة المطلوبة لإطلاق مبادرات خلاّقة من شأنها كبح سرعة الانهيار وتمكين الفريق الاقتصادي للحكومة من الاستحصال سريعاً على إقرار مجلس الوزراء لخطة الإنقاذ المعدلة والاستئناف الفوري لجولات التفاوض مع إدارة صندوق النقد الدولي والتي تبدي، ومثلها إدارة البنك الدولي؛ تجاوباً مبدئياً لتوفير الدعم العاجل لأي خطوات وبرامج تساهم بخفض مستويات المخاطر المعيشية والاجتماعية».
ويشير المسؤول المالي إلى واقع التأثير السياسي والداخلي على العملة الوطنية والتداولات السعرية للمبادلات النقدية في الأسواق الموازية. ويضيف «مع انطلاقة حكومة نجيب ميقاتي قبيل منتصف شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، لامس سعر الصرف 14 ألف ليرة لكل دولار وكاد يحقق المزيد من التحسن النوعي صوب سعر منصة البنك المركزي 12 ألف ليرة، ثم انقلبت العوامل المحفزة إلى نقيضها في إعادة تأجيج المضاربات النقدية عقب أحداث الطيونة وتعطل اجتماعات مجلس الوزراء وارتفاع حدة السجالات الداخلية».
ويشير المسؤول المالي إلى الخطورة الموزاية والمتمثلة في «التآكل الإضافي والكبير الذي يتعدى الرواتب والأجور الشهرية»، في إشارة إلى أنه «يضرب بشدة في القيم الحقيقية للودائع في الجهاز المصرفي، حيث تزخر البيانات المصرفية بالتباسات موضوعية في طريقة احتساب مكوناتها ربطاً بتعدد أسعار الصرف الذي افقد الودائع بالليرة نحو 94 في المائة، حتى الساعة، من قيمتها إزاء العملات الصعبة، كذلك الأمر بما يتعلق بالسحوبات بسعر 3900 ليرة من الودائع الدولارية التي تفقد نحو 84 في المائة من القيمة المتداولة في السوق».
ووفق أحدث الإحصاءات، يجري تقدير الودائع المحررة بالليرة بنحو 31.6 مليار دولار بسعر الصرف الرسمي (1507 ليرات)، أي ما يماثل نحو 20 في المائة من إجمالي محفظة الودائع في الجهاز المصرفي، بينما هي حقيقة أصبحت تقل عن 1.91 مليار دولار وفق الأسعار الجارية في الأسواق الموازية، أي ما يوازي نحو 1.4 في المائة من الإجمالي الظاهر للودائع والبالغ نحو 138 مليار دولار. وينطبق الأمر ذاته على محفظة التمويل المحررة بالعملة الوطنية والبالغة نحو 22.5 تريليون ليرة، أي ما نسبته نحو 47 في المائة من الودائع المحررة بالليرة.
وليست الودائع المحررة بالعملات الصعبة بمنأى عن إشكاليات الاحتساب. فطالما يتعذر إجراء السحوبات منها بالدولار النقدي باستثناء الحصص الشهرية البالغة نحو 400 دولار لنحو 150 ألف حساب.
والتي تندرج تحت التعميم الرقم 158 الصادر عن البنك المركزي، والقاضي بتمكين المودعين الذين يستوفون الشروط المحددة وبموافقتهم المسبقة من سحب 800 دولار شهرياً من حساب متفرع من حساباتهم الأصلية، على أن يتم الصرف مناصفة بدولار نقدي وبالليرة بسعر 12 ألف ليرة لكل دولار، أي نصف القيمة الحقيقية، في حين يستمر العمل بالتعميم الرقم 151 الذي يقضي بتسعير السحوبات من المدخرات الدولارية على أساس 3900 ليرة لكل دولار، أي ما يوازي نحو 16 في المائة من السعر الرائج البالغ حالياً نحو 25 ألف ليرة.