في حديث صحفي بتاريخ 16 تشرين الثاني الحالي، أوضح رئيس الجمهورية ميشال عون، أنه “إذا وصلنا إلى نهاية الولاية سأترك قصر بعبدا حتماً لرئيس يخلفني. وفي المقابلة ذاتها، قال، “أنا لن أسلّم إلى الفراغ”. وفي التوجه عينه، رمى عون كرة نار التمديد إلى المجلس النيابي بعدما أعلن في حديث صحفي آخر، في 29 تشرين الثاني الحالي، من قطر، أي بعد 14 يوماً، عن أنه سيغادر قصر بعبدا عند انتهاء ولايته، “لكن إذا قرر مجلس النواب بقائي فسأبقى”. هذه التصاريح تظهر في طياتها رغبة صاحبها التمسك بمنصبه بحجة تجنب الفراغ على الرغم من غياب أي مسوغ دستوري. والقفز نحو هذا الاستنباط مبني لا فقط على التصاريح الآنف ذكرها، بل على تجارب العماد السابقة. وبقراءة لعَهدَيه، بحيث لم يزرع سوى الشعارات ولم يحصد الا الخراب، وحُكماً على النتائج الملموسة السابقة، لا نهاية سعيدة مرتقبة للسفينة ولا لقبطانها.
ويراهن عون بديماغوجيته على ضعف ذاكرة اللبنانيين، هو الذي عبّد طريق بعبدا على جناحي التعطيل والفراغ. إذ إن وقع الأزمات والصدمات المتتالية التي يتلقاها المواطن في العهد الجهنمي قد تمحو من ذاكرته سنوات التعطيل الهدام التي قادها عون بسواعد حليفه. لكن الثابت الأكيد أن ما من ظرف سيمحو صور الجوع والتشرد، والذل وطوابيره، وصور دمار بيروت ودموع الامهات على باب مطارها في العهد العوني.
الخبير الدستوري سعيد مالك يشير الى أنه “استناداً إلى نص المادة 49 من الدستور، ينتخب رئيس الجمهورية لمدة 6 سنوات غير قابلة لا للتمديد ولا للتجديد على الإطلاق. وبالتالي مع انتهاء الولاية الحالية في 31 تشرين الأول 2022، يقتضي على رئيس الدولة مغادرة القصر الجمهوري فوراً”.
ويؤكد مالك، في حديث لموقع القوات اللبنانية الالكتروني، أن “القول إن الرئيس عون مستعد للبقاء بحال طلب المجلس النيابي منه ذلك، فهو قول غير دستوري لا يستقيم مع أحكام الدستور”. ويوضح أنه “حتى لو اجتمع مجلس النواب وذهب بهذا الاتجاه، وبأي نصاب كان، فهذا لا يغني عن تعديل الدستور”.
ويضيف، “تمديد الولاية أو تجديدها، كما سبق وحصل مع الرئيسين الراحل الياس الهراوي والأسبق إميل لحود، هو تعديل دستوري غير متوفر اليوم اذ ان التعديل الدستوري له آلية منصوص عنها بالمادة 77 منه”.
من جهتها، تعتبر مصادر سياسية أن “إرادة التمديد من عدمه يجب أن تنبع بداية من الشخص المعني”. وتذكّر المصادر، بالعريضة النيابية التي طالبت الرئيس الراحل فؤاد شهاب بالتمديد لكنه رفض الأمر انطلاقاً من احترامه للدستور. وتتابع، قول عون إنه “إذا قرر مجلس النواب بقائي فسأبقى”، فهي مخالفة دستورية وخروجاً عنه.
وتشير الى أنه “إذا استثنينا كتلة حزب الله، فما من كتلة، في ظل المجلس النيابي الحالي، في وارد التمديد أو التجديد للرئيس عون. أما على المستوى الشعبي، بات الرأي العام يربط وجود هذا العهد بالأزمات المالية والسياسية، وبالتالي يربط مفتاح الانفراج بانتهاء العهد.
وترجع المصادر ذاتها تصريحات رئيس الجمهورية، في ظل المعارضة السياسية والشعبية الجامعة للتمديد، إلى أنه يريد إدخال، عن سابق تصور وتصميم، بند الرئاسة في الفضاء السياسي ـ الإعلامي. أما الهدف من ذلك، وعلى الرغم من الأزمات المالية والسياسية، فتحصرها المصادر بورقة للمقايضة السياسية، تحديداً مع حزب الله، مع بدء العد العكسي لانتهاء الولاية الحالية. إذ وقبيل موقفه الأخير، وضع عون معادلة واضحة المعالم بأنه لن يسلم الى الفراغ في حال عجز المجلس النيابي عن انتخاب بديل أو في حال وجود حكومة تصريف أعمال، إذ يعتبر أنه لا يمكن أن تؤول إليها صلاحيات رئيس الجمهورية. وبالتالي فهو يضع “الحزب” أمام التسليم بأمر بقائه في بعبدا مظللاً بالحجة السابقة.
وتتأسف لإدخال الرئيس مادة ساخنة على الحلبة السياسية، معتبرة أن هذه المرة تختلف عن سابقاتها في ظل غياب البيئة الحاضنة السياسية والشعبية، ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى اصطدام الجهات المعنية بجدار “سميك” ثلاثي الأبعاد: شعبي، سياسي ودولي.
مرة أخرى يضعنا حصان طروادة أمام خياري السيء والأسوأ: فإما الفراغ الفعلي في سدة الرئاسة الأولى، وإما الفراغ العملي. فالفراغ العملي في الرئاسة الأولى هو التلكؤ بحسم السيادة وانجاز الاستقلال، وغياب الصرامة في الإصلاح والحزم بالانصياع للدستور، وهو لأقبح من الفراغ الفعلي، إذ يشكل قناعاً للطعنات بجسم الوطن.
سيد عون، هل تدرك أن الناس، فعلاً لا تضخيماً، بدأت عدّاً تنازليّاً لانقضاء عهدك منذ زمن؟ هل تسكن ومستشاريك قصر بعبدا فعلاً أم قصر باكنغهام أو الإليزيه؟ في الواقع لا تسكنون سوى قصور من رمال متحركة واهية انهارت مع الرفض الشعبي وأغرقتكم في غياهب الصفحات السوداء للتاريخ.