بامتناعه عن التصريح الميلادي على درج بكركي ووعده بالكلام بالمباح اليوم، أدخل الرئيس عون بعض الإثارة على رتابة أعياد اللبنانيين ومآسيهم. ننتظر إذاً بفارغ الصبر ما سيجود علينا به، سواء كان مقابلة مدبَّرة، أو رسالة منتقاة الألفاظ ممهورةً بطابع الصهر والمستشارين، أم “خطبة وداع” تطلق آخر ما في الجعبة وتبرّئ الذمة مستلهمة “إني بلَّغت”.
منذ زمن طويل توقف ميشال عون عن أن يكون رجل المفاجآت و”غير المتوقع”. أغواه القصر فهانَت الثوابت وتحولت خيانة الذاكرة رياضة مربحة. أطبق عليه “تفاهم مار مخايل” وحوَّله من عائد على صهوة تحرير ورافع لواء الخلاص والإصلاح الى أسير تدرَّج الى رتبة رئيس. فلا مبرّر لتوقع أن يعاود “قلب الطاولة” معتذراً من الشعب عن مسار تدميري رهَنَ الواقع مقابل الموقع، أو أن يدهِش العالم باستقالة تسرّع توق اللبنانيين الى التغيير.
مهما قلتَ اليوم يا فخامة الرئيس عهدُك فشلَ بامتياز، ولا حجّة وازنة لديك لتطالب بتفعيل المؤسسات أو لتلقي التبعة على الحلفاء والخصوم. فاللبنانيون يختبرون ما جنته عليهم السلطة التي تشاركون فيها من موقع “القوي” قبل أن تصلوا إلى بعبدا بسنوات. نشاركك أن “التركة الثقيلة” أسست للفساد والإفساد، لكن فريقكم دخل اللعبة ببداية الشوط الثاني وتعامل مع الدولة بمنطق الاستيلاء على ما تبقى من أسلاب.
فخامة الرئيس، إذا كنتَ تريد أن نستمع إليك باهتمام، رجاءً أن تنسى نظرية “كان بدنا وما خلونا” فهي علكة مضغتها أفواه عدّة خالت التضليل عصب السياسة وأن الناس قطيع يُساق تارةً بالشعبوية وطوراً بحجة الدفاع عن الطائفة واسترجاع ما انتزع منها بفعل تبدّل الموازين والاستقواء.
لم نشكك يوماً برغبتك في الإصلاح، لكن “الغَرَض مَرَض”، وهاجس الكرسي والتوريث أفسد ما كان ليكون نهج تغيير جذري. أما الالتحاق بالمحور الإيراني على حساب السيادة فخطيئة أصلية لا تغفرها مراجعة سياسية يفرضها تراجع تيارك في استطلاعات الرأي ولا “سقوطه الحر” من عين لبنانيين كثيرين ظنوا أن “جنرال بعبدا” هو نفسه الرئيس.
انتهى عهدك فخامة الرئيس عند منتصف الولاية. السنوات المتبقية منه كانت وتستمر عجافاً لأنك كابرتَ معتقداً أن تحالفك مع “الحزب” القوي سيجعل شركاء منظومتكم، على الأقل، يأتون صاغرين. وإذ أن “ثورة 17 تشرين” التي اندلعت ضد تركيبة المافيا كلها لم تخطئ العنوان، دمرتم شعلة الأمل التي أطلقتها، بالتكافل والتضامن مع المحور الذي طوَّرتم معه مهارات القمع والتعطيل.
فخامة الرئيس، قلتَ ليلة الميلاد إن لبنان يحتاج ست او سبع سنوات للخروج من ليل الأزمة الطويل. هذه توقعات الفلك والأبراج لنهاية العام وليست تحليلات الاقتصاديين والبنك الدولي. فما ينتظره منك اللبنانيون إجابات “أسود على أبيض” عما أسمعَك عناوينه البطريرك مباشرة في كنيسة الصرح: تعهدٌ بعدم نسف الانتخابات النيابية لضمان وضع خاتمة لعهدك بانتخابات رئاسية في موعدها. الانضمام الى مشروع الدولة الذي لن يقوم من غير مؤتمر دولي يضمن “الحياد” لا “النأي بالنفس” التافه ولا “التحييد” الجبان.
فخامة الرئيس، لا تحسبنَّ أن محاولة تيارك تحميل النظام عبء فشل منظومتكم بكل رموزها وأذنابها، والمطالبة بمؤتمر تحاصص وطني جديد يحقق “المثالثة”، أو ركوب موجة “الفدرالية” الرائجة، تعفي فريقكم من المسؤولية الثابتة عن الانهيار، ومن واجب دفع ثمن تخريب الاقتصاد والحياة الوطنية وتهجير الشباب اللبناني.
نصيحة فخامة الرئيس، لتكن كلمتك وداعية عاطفية. أنزل عن كتفيك همَّ اللبنانيين، وانصرف الى مذكرات شفافة، مقدمتها اعتذار جريء وخاتمتها “فعل ندامة”.