لا يختلف اثنان أن لبنان يشهد عملية شدّ حبال، بطلاها حزب القوات اللبنانية من جهة وحزب الله من الجهة الأخرى في تغيير للمشهد الداخلي الذي كان خاضعاً فعلياً إن لم يكن كلياً لسلطة ومشيئة حزب الله.
يتعاطى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مع حزب الله بندية متجاوزاً سلاح الأخير ورافضاً تعاطيه مع الكيان اللبناني تاريخاً وجغرافية وثوابت تأسيسية وإرثه الثقافي والعلمي والحضاري الذي جعل من لبنان منارة يهتدي بها كل طالب علم واستشفاء وسياحة صيفية وشتوية ودينية حتى بات يستقطب ويستقبل زواره من كافة أرجاء الشرق والغرب، وكان للمسيحيين في لبنان الفضل الأول في خلق هذه الواحة في منطقة مضطربة.
اعتقدت شريحة من المسيحيين أن التيار الوطني الحر قادر على تحقيق الشراكة ومنحوه فرصة تحصيل حقوقهم، وبعد فشل هذا الهدف لأسباب عدة ليست موضوع نقاش في هذه المقالة، أيقنت تلك الشريحة وآخرون خطأ الرهان على رهانات شعبوية لم تكن النتيجة منها سوى خسارة المسيحيين لدورهم بعد فقدان “مكتسباتهم”، كما تأكد لها صوابية خط وخطة جعجع الذي بات الأمل الوحيد بإعادة المسيحيين إلى كنف الدولة وتحصيل حقوقهم بإعادة تثبيت دورهم من دون إثارة حساسية الشريك المسلم الذي يلاقيه في الخيار السيادي المتمسك بالدولة بعدما كوت نار جهنم “تفاهم مار مخايل” جميع اللبنانيين ووحّدتهم في مسار “الموت المشترك”.
اختراق جعجع بمسيحيته ومسيرة حزبه وجدان الشريك المسلم سلمياً ساهم في تعزيز نظرية أن لبنان لا يكون بخير ما لم يكن جميع أطيافه وطوائفه بخير، ولا يكون الجميع بخير ما لم تقم الدولة على موازين النزاهة والعدالة والكفاءة، دولة للجميع وعلى الجميع، وهذا ما أعاد للمسيحيين الدور التأسيسي من خلال رئيس “القوات” الذي أعلن التعبئة العامة حزبياً وشعبياً لخوض الانتخابات لنقل النظرية التي ذكرناها إلى عملياً بعد الفوز بأكثرية نيابية. العملية لن تكون نزهة، ولكنها بالطبع ستكون أقل ألماً من لهيب جهنم.