لم يكن الثنائي الشيعي، خصوصاً حزب الله، ليفكّ أسر الحكومة بعد ثلاثة أشهر من وضعها في “زنزانة” الشلل والتعطيل، لو لم يتلمَّس الانعكاسات السلبية التي بدأت تطاول وضعيته. فاضطرار الحزب لخفض سقوفه وفتح نافذة في الانسداد الحاصل، كان نتيجة عوامل عدة فرضت نفسها، بحيث لم يعد يتحمَّل الاستمرار في المعاندة والمكابرة. وجلَّ ما سعى إليه لحظة قرَّر العودة عن خطف جلسات مجلس الوزراء، هو إيجاد تخريجة ملائمة تحفظ له ماء الوجه.
ويرى المحلل السياسي علي حمادة، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “الثنائي الشيعي عاد إلى الحكومة بدافع من 3 عوامل: الأول، لأنه وجد أن ثمة انقلاباً عارماً في الرأي العام اللبناني عموماً ضدّه، وبداية تكوّن معارضات عدة عالية السقف في خطابها. وتجلَّى هذا الانقلاب في ما يشبه الغالبية الساحقة من الرأي العام المسيحي الذي أصبح فعلاً في حالة طلاق مع الحزب.
أضف إلى ذلك، الرأي العام السني المعارض بغالبيته لحزب الله في الأصل واشتدت نقمته. بالإضافة إلى الرأي العام الدرزي الذي لم يغيِّر بالرغم من كل ما حصل في الفترة السابقة، إذ بقي بغالبيته الساحقة وفي عمقه في الخط الـ14 آذاري السيادي المعارض للحزب.
هذا بالإضافة، إلى أن حالة النقمة والغضب من تدهور الوضع المعيشي، بدأت تُسمع بشكل واضح في صفوف جمهور الثنائي ومناصريه، لأن الأمور وصلت إلى حدٍّ لم يعد يطاق، وما عاد بالإمكان إنكارها أو تجاهلها خشية الانعكاسات المحتملة لذلك”.
والعامل الثاني، يضيف حمادة، “شعورهم في مكان ما، أنَّه يمكن أن يقدِّموا تنازلاً بعدما تمكنوا من عرقلة عمل المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار وأصبح التحقيق معلَّقاً، لم يتوقف لكنه معلَّق. وفي الحقيقة أنهم اضطروا إلى تقديم تنازل، وتجلَّى ذلك بإشارتهم في بيان إعلان العودة إلى أنهم يفعلون ذلك تجنُّباً لعدم اتهامهم بالتعطيل والتضييق على لقمة عيش اللبنانيين. كأنهم يقولون (تِقِل علينا الحِمل) ولم يعد بإمكاننا أن نكمل”.
أما العامل الثالث، وفق حمادة، أن “التداعيات السلبية لموقفهما، لا سيما موقف حزب الله، كبيرة وسيئة جداً على الحليف المسيحي الأول، رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر. فحتى عون لم يعد قادراً على تغطية التعطيل، ما اضطره في مناسبات عدة إلى مطالبته جهاراً بعودة مجلس الوزراء إلى الانعقاد، نظراً لانعكاس التعطيل ونتائجه السيئة جداً في بيئته. خصوصاً أن تدحرج الانهيار سيطبع نهاية العهد فيما يحاول عون ترميم صورته ما أمكن”.
ويلفت، إلى أنه “من الملاحظ أن لهجة النائب جبران باسيل في مؤتمراته الصحفية الأخيرة، على الأقل في الشكل، أشبه بزكزكة لحزب الله. وكأنه يقول للحزب عملياً، لم أعد أستطيع أن أتحمَّل وأصبحت على الأرض، جِدوا لي طريقة أو مخرج ما”، مشدداً على أن “باسيل لا يتمرَّد على حزب الله، إنما يرسل نداء استغاثة لمراعاته وانتشاله من الأرض”.
وعن الواقع الحالي والمرحلة المقبلة، يقول حمادة، “اليوم عادوا، ويحاولون مصادرة صلاحيات رئيس الحكومة، من خلال خلق بدعة جديدة بتحديد جدول أعمال انتقائي لمجلس الوزراء. بمعنى أنهم يحضرون فتنعقد الحكومة ضمن شروط يضعونها، ويتغيَّبون فتتعطَّل إذا تم إثارة قضايا وملفات لا يريدونها”، مشيراً إلى أن “هذه نقطة خلافية برزت في التصريح الصحفي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أمس الخميس، إذ رفض بشكل مباشر تدخُّل أحد في وضع جدول أعمال مجلس الوزراء”.
وبرأي حمادة، “هناك مخاوف كثيرة من عودة الثنائي الشيعي إلى مجلس الوزراء، أولها يتعلق بالإطار التفاوضي مع صندوق النقد الدولي، إذ هناك نقاط أساسية معروف سلفاً أن حزب الله سيعرقلها. ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ترشيق الإدارة وتنقيتها من فائض الحشو الانتفاعي”.
وكذلك في ملف الكهرباء، يضيف حمادة، مشدداً على أنه “لا يمكن إعادة تسيير قطاع كهربائي ناجح إلا بتحسين الجباية لتصل إلى نحو 80%، ومعروف أن مناطق نفوذ حزب الله هي من بين أبرز المناطق المتمنِّعة عن تسديد فواتير الكهرباء، بالإضافة إلى مخيمات النازحين السوريين والمخيمات الفلسطينية وبعض المناطق الأخرى في الشمال”.
ومن القرارات التي سيعرقل حزب الله اتخاذها وتطبيقها أيضاً، وفق حمادة، تلك المتعلقة بـ”التهرب الضريبي لناحية التهريب عبر الحدود البرية والبحرية والجوية. فالحزب يسيطر على المعابر البرية وعلى جزء أساسي من المعابر البحرية فضلاً عن سيطرته على مطار بيروت، وهذه كلها تشكل جزءً من تمويله، لذلك لن يقبل بضبط الحدود والمعابر”.
بالتالي، برأي حمادة، “المشكلة تعيدنا إلى فكرة واحدة بسيطة، لا مال من المجتمع الدولي ما دام هناك حزب الله بصيغته ووضعيته الحالية. ربما تأتي مساعدات وحد أدنى من الدعم لمنع لبنان من الانفجار، لكن إنقاذ لبنان اقتصادياً ومالياً لن يحصل طالما هنالك حزب الله بهذه الصيغة، من الترهيب والهيمنة والسيطرة بالسلاح وما شابه على قرار الدولة”.
ويعتبر، أن “البلاد ستبقى عرجاء طالما بقيت في ظل هذه الهيمنة. وكل الإجراءات المالية أو النقدية التي تُتخذ، تبقى مؤقتة ومرحلية ومعرَّضة للانفجار في أي لحظة، وليست أكثر من (بندول أو أسبيرين) لتخفيف الآلام لا للمعالجة”.
ويؤكد حمادة، أنه “لا يمكن إنقاذ البلاد إنقاذاً حقيقياً مالياً واقتصادياً واجتماعياً، إلا بأن يتحوَّل حزب الله من حزب أمني عسكري إلى حزب كسائر الأحزاب، أي حزب طبيعي مُشكَّل من مواطنين لبنانيين تحت سقف الدولة والدستور والقانون”.
بالتالي، “كل ما يجري عملية مسكّنات وتمرير للوقت، ولا تغيير طالما لم تتغيَّر طبيعة حزب الله”، بحسب حمادة، مشدداً على أن “الاستحقاق الانتخابي النيابي المقبل يبقى محطة مفصلية لتغيير هذا الواقع، والقرار هنا في يد اللبنانيين لإنقاذ بلدهم. هذا إن لم يتم إجهاض العملية الانتخابية، في حال تبيَّن للفريق الحاكم أنها لن تصبّ في مصلحته”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية