كتبت جوزفين حبشي في “المسيرة” – العدد 1725
«أصحاب… ولا أعز»
نجاحه ولا… أجمل، إنتقاداته ولا… أسخف
على رغم مرور 5 أعوام على الدورة 23 لمهرجان السينما الأوروبية في لبنان، التي عقدت كالعادة يومها في صالة متروبوليس – أمبير الاشرفية ، لا أزال أذكر إنبهاري التام ودهشتي الكبيرة بفكرة شريط الإفتتاح الإيطالي Perfettisconosciuti (Perfect Strangers) ونصه الجريء وإخراجه المشوّق وأداء ممثليه الممتع: سبعة أصدقاء، يجتمعون لتناول العشاء، ويقررون فجأة أنهم سيتشاركون جميعا لعبة وضع الهواتف الخليوية على الطاولة لتصبح محتويات الرسائل البريدية والمكالمات متاحة أمام بعضهم البعض، وهذا ما سيتسبب بفضح كثير من الأسرار…
هذا الفيلم حقق نجاحاً تجارياً ونقدياً منقطع النظير، وأرباحا تخطت ال16 مليون يورو في إيطاليا وحدها، وطبعا استحق هو ومخرجه باولو جينوفيزي وإثنين من أبطاله (جوزيبي باتيستون وآنا فوجلياتا ) المشاركين يومها في مهرجان السينما الأوروبية في لبنان، تصفيقاً مدويًا لأكثر من 5 دقائق متواصلة من الجمهور اللبناني.
والمضحك المبكي أن الفيلم الإيطالي شارك أيضًا في مهرجان القاهرة السينمائي سنة 2016، وفاز بجائزة أفضل سيناريو وبجائزة الهرم الذهبي لأفضل فيلم قبل أن يتم عرضه في الصالات المصرية ويحقق نجاحًا كبيرًا. نقول المضحك المبكي بسبب حملة التهشيم التي تتعرض لها اليوم النسخة العربية بعنوان «أصحاب… ولا أعز»، وهي النسخة 18 حتى الآن، من بعد أن دخل الفيلم الأصلي موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية في 15 تموز 2019، باعتباره أكثر فيلم يُعاد تقديمه في تاريخ السينما، في عدد من الدول، نذكر منها فرنسا، إسبانيا، اليابان، الصين، تركيا، ألمانيا، بولندا، فيتنام، هنغاريا، المكسيك، جنوب كوريا، اليونان روسيا، أرمينيا، هولندا و… لبنان.
نعم لبنان الذي أخرج ومثّل وكتب وشارك في إنتاج النسخة العربية «أصحاب… ولا أعز»، التي تُعتبر تجربة سينمائية مختلفة. أولاً لأنها فكرة جريئة، تقارب موضوعات مشوّقة لم تعالج سابقاً في أفلام عربية أو لبنانية، وثانيًا، لجهة كونها أول فيلم عربي يصنف كـ»فيلم نتفليكس أصلي»، وقد شارك في إنتاجه بكل فخر، اللبنانيان ماريو حداد، أحد أصحاب شركة «إمباير إنترناشونال»، وجيانلوكا شقرا مدير عام شركة «فرونت رو فيلمد إنترتينمنت»، إضافة الى المنتج المصري محمد حفظي مؤسسة شركة «فيلم كلينك» ورئيس مهرجان القاهرة السينمائي.
هذه النسخة العربية هي الإخراج السينمائي الأول للمخرج اللبناني وسام سميرة، صاحب شركة إنتاج الإعلانات «كلاندستينو فيلمز»، الذي يمتلك خبرة كبيرة وطويلة في عالم تصوير الإعلانات والكليبات الغنائية. وبعد مشاهدة الفيلم، يمكنني أن أؤكد أن إختيار وسام سميرة لم يكن مخاطرة، فالعمل الطويل في عالم الكليبات الموسيقية والإعلانات التجارية منح المخرج الموهوب طواعية وليونة في الحركة وفانتازيا تجديدية في النظرة وابتكارا في الشكل، وكلها أمور مطلوبة للإبتعاد عن التقليدية في شريط نتفلكسي بامتياز.
ولوضع حبوب الكرز على قالب الحلوى، إستعان المخرج وسام سميرة بالمبدع غابريال يمين لمشاركته كتابة النص المستوحى طبعًا من النسخة الأصلية والتي تحوّلت «فورمات» يجب أن يحترم مضمونها بشكل تام. أيضًا إستعان سميّرة بباقة من أهم النجوم اللبنانيين والعرب، أمثال المخرجة والممثلة نادين لبكي (التي سبق أن تم ترشيح فيلمها «كفرناحوم» لأوسكار أفضل فيلم أجنبي) وعادل كرم وديامان بو عبود (بطلا شريط «قضية رقم 23»، أول فيلم لبناني يتم ترشيحه لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي للمخرج زياد دويري) وجورج خباز («تحت القصف» و»غدي») وفؤاد يمين («فيلم كتير كبير») ، إضافة الى الممثل الأردني أياد نصار («أدرينالين» و»الفيل الأزرق» و»موسى») والنجمة المصرية منى ذكي («إضحك الصورة تطلع حلوة» و»سهر الليالي» و»أيام السادات») التي قامت القيامة ولم تقعد بعد عليها وعلى الفيلم في مصر، بسبب لباس داخلي ستخلعه شخصيتها.
وعلى رغم وقوف نقابة الفنانين المصريين وكثير من المثقفين الى جانب منى ذكي والفيلم، إلا أن قسمًا كبيرًا من الجمهور العربي لا يزال غير قادر على الفصل بين الممثل والشخصية. للأسف منى ذكي ضحية فئة من مجتمع لا تزال تؤمن أن أغلى ما تملكه المرأة موجود بين رجليها وليس في رأسها. ولو كانت ممثلة في عالم آخر، لكانت حصدت جائزة عن دورها هذا.
الإنتقادات طاولت أيضًا وجود شخصية مثلية جنسيا ولطيفة ومحببة وطبيعية بشكلها ومضمونها ونبرة صوتها (يجسدها فؤاد يمين)، وهذه أمور يرفضها أصحاب العقول النمطية الذين يصرون على رؤية أي مثلي جنسي كشخصية مقيتة وكاريكاتورية بشكلها ومضمونها. هذا إضافة لشرب الشخصيات للخمر وإطلاقهم مفردات «نابية» كما وُصفت، مع العلم أننا كلنا نستعملها في حياتنا اليومية. وهكذا نسي العالم العربي هذه التحفة الفنية، ولم يعد أحد من المعترضين يهتم بالحكم على المقوّمات الفنية للفيلم، من إخراج وتصوير وتمثيل وإضاءة ومونتاج، وأفكار إنسانية وإجتماعية وعلاقات معقدة ومتشعبة تتصارع داخل كل إنسان عادة، وأصبح شغلهم الشاغل التهشيم بالفيلم واعتباره لا يشبه بتاتاً مجتمعنا العربي.
هل نسى الهاجمون على الفيلم أن مصر لطالما كانت رائدة في عالم الفن السينمائي، وسبق أن قدمت الجرأة المشهدية والفكرية في أفلام كثيرة ومنذ الستينيات؟ أما موضوع المثلية الجنسية فليس جديدًا في السينما المصرية، وسبق أن كان حاضرًا في أفلام عديدة في السابق، مثل «الطريق المسدود» سنة 1957 وهو من بطولة فاتن حمامة، و»حمام الملاطيلي» سنة 1973، و»جنون الشباب» سنة 1975، و»قطة على نار» سنة 1977، و»اسكندرية ليه» ليوسف شاهين و»الصعود الى الهاوية» لكمال الشيخ سنة 1978، و»المزاج» سنة 1991 و»عمارة يعقوبان»من اخراج مروان حامد سنة 2006، و»حين ميسرة» سنة 2007، و»أسرار عائلية» سنة 2013.
وبالعودة الى فيلم «أصحاب… ولا أعز»، إستطاع الفيلم المصوّر في لبنان، أن يتميّز، وأن يناقش بشكل جريء العلاقات الإنسانية والإجتماعية والحرية الشخصية من خلال لغة تجمع الثقافات العربية وإن بشكل مختلف. وطبعًا نأسف لكل الزوبعة المثارة حوله خصوصًا في مصر التي تعالت فيها بعض الأصوات المصرّة على اعتباره فيلمًا لبنانيًا وليس مصريا. ولهذه الفئة تحديدًا نقول نحن فخورون بكونه فيلما لبنانيا، وتدور أحداثه في بيروت ، ويتضمن بعض أجواء الواقع اللبناني بحواراته وظروف البلد وانهيار الوضع المعيشي والاقتصادي وانتشار كورونا، مع المحافظة الكاملة على فحوى النسخة الأصلية، من إجتماع شلة من الأصدقاء حول مائدة عشاء، وبهدف الترفيه، سيقررون القيام بلعبة ترتكز على وضع هواتفهم على الطاولة أمامهم، ويمكن لأي واحد منهم أن يقرأ ويسمع رسائل واتصالات الآخر. وطبعًا، ما سيبدأ كلعبة مسلية، سيتطور بشكل دراماتيكي، عندما ستبدأ الأسرار بالإنكشاف، والفضائح بالظهور والتشويق بالتصاعد.
هذا التشويق تم اعتماده ببراعة من خلال الأسلوب الترويجي المبتكر للفيلم، عبر استخدام حسابات نجوم الفيلم على إنستغرام، فقد قام كل بطل من أبطال الفيلم بنشر جملة تشويقية غامضة مع صورة أحد نجوم العمل، بهدف إثارة إهتمام وحشرية الجمهور لتفاصيل الفيلم. مثلا؟ الممثل عادل كرم نشر صورة زميلته ديامان أبو عبود وأرفقها بجملة تقول «أحسنلك ما تعرفي كل شي». أما النجمة منى زكي فقامت بنشر صورة الممثل الأردني أياد نصار وكتبت فوقها باللهجة المصرية «أنت بقيت أغرب حد ليّا مع مرور السنين». هذا الأسلوب الترويجي للفيلم، اعتمده النجوم أيضًا لدعم كل من الفيلم والنجمة منى ذكي التي نالت النصيب الأكبر من الشتائم. لقد نشر الممثل جورج خباز مثلاً، صورة لمنى من الفيلم وأرفقها بقلب، وكأنه يقول لها نحن نحبك ونحن معك.
وفي الختام، لا يسعني عند رؤية كل هذه الزوبعة، إلا أن أتذكر ما حدث مع المخرج اللبناني العالمي زياد دويري الذي حقق للبنان سابقة تاريخية بإيصاله الى الأوسكار مع فيلمه «قضية رقم 23» ، فبدل أن يُرفع على الأكف كما رفع إسم وطننا عاليًا، تعرض لهجوم واتهامات بالتطبيع مع إسرائيل، وتم إيقافه في مطار بيروت، لحظة وصوله من مهرجان البندقية حاملاً جائزة عالمية. ولكن الإتهامات أُسقطت، وتابع دويري مسيرته وصولاً للأوسكار. وفوفيلم «أصحاب… ولا أعز» يتابع حصده لإعجاب كثر من مشتركي منصة نتفليكس في 190 دولة.
هذا الفيلم يُعرض على منصة مشفرة غير مفتوحة للجميع، لذلك دعونا نحترم حرية السينما وصنّاعها في تقديم كافة الموضوعات. أما الرافضين، فهم حتمًا أحرار بعدم المشاهدة، ولكنهم ليسوا أحرارًا في الشتم، خصوصًا إذا كانوا من سكان هذه المدينة الفاضلة، حيث لا خطيئة ولا إنحراف و… لا شتائم وعِقد طبعا.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]