ضخ الدولار “ما بِطَوِّل” والخوف من قفزات جنونية

حجم الخط

أثار التقرير الأخير لوكالة التصنيف الدولية “موديز”، بإشارته إلى أن قرار مصرف لبنان الأخير القاضي ببيع الدولار الطازج على سعر منصة صيرفة، لن يحقّق استقراراً طويل الأمد في سعر الصرف، ولن يغيّر كثيراً في مستويات التضخّم، في ظل غياب اتفاق تمويل مع صندوق النقد الدولي مشروط بإعادة هيكلة شاملة للدين، قلق الأوساط الاقتصادية والمالية من انعكاساته على الوضع الاقتصادي عامة وعلى سعر الدولار في السوق السوداء خاصة، لناحية ارتفاعه مجدداً في فترة قد لا تكون بعيدة.

لكن المخاوف ربما تكون مضاعفة بالنسبة للحكومة، العاكفة منذ فك أسر مجلس الوزراء على إنجاز موازنة العام 2022 وتمريرها في مجلس النواب في أسرع وقت ممكن، والتي تتهيَّأ لمفاوضات صعبة مع صندوق النقد الدولي. وذلك نظراً للترددات التي سيتركها تقرير “موديز” في الأسواق المالية العالمية، بعدما اعتبر التقرير أن ضخ مصرف لبنان الدولار في السوق، في ظل الشح الكبير بالعملات الأجنبية، لا يمكن أن يكون مستداماً، واصفاً الإجراء بالهدر للأموال.

وتعتبر الخبيرة في الشأن الاقتصادي والمالي والنقدي ليال منصور، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن ما يحصل “هو لتمرير الفترة الحالية، أو بعض العمليات غير الواضحة في موازنة العام 2022، على سعر صرف بحدود 20.000 ليرة للدولار الواحد. وكأن الإصرار على الوصول إلى هذا السعر، هو بهدف تمرير عمليات معينة في الموازنة”.

وتشير منصور، إلى أن “من العمليات التي يسعون لتمريرها في هذا الإطار، قد تكون بعض الرسوم، أو تحويل الودائع المصرفية من الدولار إلى الليرة. إذ ربما بعدما تأكد مصرف لبنان أن كل الودائع بالدولار ستتحول إلى الليرة، قرَّر، بالتنسيق مع السلطة، استعمال ما تبقى لديه من احتياطي بالدولار للتدخل في سوق الصرف وتثبيته عند حد معين”.

وتوضح، أنه “في حال تم تحويل الودائع من الدولار إلى الليرة، سيحصل حكماً تحرير للعملة، الأمر الذي لا يتطلب وجود احتياطي نقدي بالعملات الأجنبية لدى البنك المركزي للتدخل في السوق لتثبيت سعر الصرف، طالما باتت العملة محررة”، لافتة إلى أن “ما يحصل هو عكس الطبيعة والقواعد الاقتصادية المعروفة، إذا كنا فعلاً بصدد إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية في لبنان”.

وتشدد منصور، على أنه “يجب مقاربة الأزمة تبعاً للواقع الاقتصادي في لبنان المنهار حالياً، لا كأننا نتعامل مع أوضاع اقتصادية في بلدان مستقرة. فالمسألة ليست على طريقة مثلاً، أن القوة الاقتصادية الأوروبية تتحسن مقارنة بالولايات المتحدة، بالتالي يتحسن اليورو مقابل الدولار”.

وتسأل، “هل يعني انخفاض سعر الدولار في السوق السوداء من 34.000 ل.ل إلى نحو 20.000 ل.ل، أن الليرة تحسَّنت واستعادت عافيتها وقوّتها بنسبة 30 و40%؟”، معتبرة أن “الأمر يدعو إلى أكثر من السخرية إن كانت السلطة تعتقد أن بإمكانها خداع الناس بهذه البساطة بعد كل ما جرى، في حين معدلات التضخم السنوية تخطت الـ750%”.

وتلفت منصور، إلى أن “مؤشرات الاقتصاد اللبناني تصنَّف في أعلى درجات المؤشرات السلبية بحسب جداول التصنيف العالمية، وقسماً منها يحتل المراتب الثلاث الأولى على سلّم الأسوأ. على سبيل المثال، لبنان ثالث أو رابع دولة بأقل إيرادات، ويمتلك ثالث أعلى نسبة دين في العالم، والانهيار الحاصل هو من بين أسوأ 3 انهيارات اقتصادية في العالم عبر التاريخ، وغيرها كثيرة. فأي عاقل يعتقد بأن العملة اللبنانية تحسَّنت 40% في ظل هذه الوقائع؟”.

بالتالي، “ما يتم إعداده يطرح الكثير من التساؤلات لأنه غير مبني على قواعد اقتصادية، ومحاط بالغموض”، وفق منصور، مشددةً على أن “ضخ الدولارات من قبل مصرف لبنان لا يمكن أن يكون مستداماً، تبعاً لأن الأموال المرصودة للتدخل في السوق محدودة. لذلك من غير المستبعد أن نعود لنشهد قفزة في سعر الدولار بالسوق الموازية في أي لحظة، لأن كل هذه المناورات هي عكس الطبيعة والقواعد الاقتصادية، وكل ما هو عكس الطبيعة (ما بِطَوِّل)”.

وتوضح، أنه “في حال كان البنك المركزي يضخ الدولار مرحلياً انطلاقاً من أنه سيتم التحول لاحقاً نحو اللولرة كلياً، وفي ظل الإمكانيات والاحتياطيات المالية المحدودة، سنكون بصدد تحرير للعملة، لا إنشاء مجلس للنقد أو currency board لأن لا نية لدى السلطة بذلك. وكما أشرنا، إن تم تحرير العملة لا يعود المصرف المركزي بحاجة لامتلاك احتياطي نقدي، بالتالي هو يستعمل دولارات الاحتياطي المتبقية في هذه المرحلة لتثبيت سعر الصرف على خلفية الموازنة، وتمرير الوقت”.

وتذكّر، بأن “وزير المال يوسف خليل، صرَّح منذ فترة بأن مصرف لبنان تمكَّن من تجميع بضعة مئات الملايين من الدولار، وبهذا الاحتياط بات يتدخل في السوق لضبط الدولار على سعر 20.000 ل.ل”، لافتة إلى أن “عدم الشفافية في الإجراءات المعتمدة ووضوح خلفياتها، لا يساعد على إعادة بناء الثقة وإضفاء أجواء إيجابية بالنسبة للمفاوضات مع صندوق النقد”.

ولا ترى منصور، أن “تثبيت سعر الصرف، يحسّن شروط الحكومة في التفاوض مع صندوق النقد. لأنه من المعروف في عقيدة الصندوق الاقتصادية أنه ضد تثبيت سعر العملة كحل للأزمات الاقتصادية، ما يعني أنه من غير المؤكد أننا سنقوم بمفاوضات ناجحة مع الصندوق، خصوصاً مع موازنة خالية من الإصلاحات ويشوبها الغموض وعدم الشفافية. إذ نلاحظ مثلاً بالنسبة للكهرباء، أننا لا نزال على النهج ذاته لناحية طلب سلفات خزينة لتمويل العجز، من دون إقرار خطة متكاملة لمعالجة أزمة الكهرباء مرة نهائية”.

بالتالي، “لعلَّ السلطة تسعى من خلال ضخ الدولار وخفض سعر الصرف، إلى شراء الوقت ربما لتأجيل الانتخابات بحجة تحسين الوضع الاقتصادي الخادع، أو لتجميل صورتها على أبواب الانتخابات”، وفق منصور، مشددة على أنه ” في الخلاصة، لا شيء يوحي بنجاح المفاوضات مع صندوق النقد”.

وتضيف، “الصندوق ذاته أعلن في دراسة نشرها، عن أنه كلما تأخًّر البلد المتعثر في إنجاز مفاوضات ناجحة معه، كلما أصبح احتمال النجاح والتوصل إلى اتفاق على برنامج اقتصادي تمويلي قليلاً. لذلك قال البنك الدولي منذ نحو أسبوع إن الأزمة الاقتصادية في لبنان مقصودة، لأنه من غير المفهوم أن يبقى لبنان سنتين من دون أن يعرف كيف يجري مفاوضات ناجحة مع صندوق النقد”.

وتعرب منصور عن خشيتها، من أنه “في ظل هذا الواقع، لن يكون مفاجئاً أن نشهد قفزات جنونية للدولار في المستقبل، حين لا يعود مصرف لبنان قادراً على التدخل في سوق الصرف بعد نفاد الاحتياطي الصغير الذي كوّنه في الفترة الماضية، والذي يقوم بضخّه حالياً”.

أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية​​

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانبة

خبر عاجل