كتب نبيل بو منصف في “المسيرة” – العدد 1725
15 كانون الثاني 1986 ـ 15 أيار 2022!
واقع سيادي لا يقلّ سوادًا
لعل معظم اللبنانيين لم يتنبّهوا الى ظاهرة لافتة حصلت هذه السنة وتتصل على الأرجح بمناخ الإستعدادات للإنتخابات النيابية المقبلة، وهم لا يلامون وسط تخبّطهم بتداعيات الكارثة الإنهيارية، ذلك أن ذكرى إسقاط «الإتفاق الثلاثي» بعملية عسكرية مشهودة في 15 كانون الثاني 1986 إتخذت مع مطالع هذه السنة دلالات خاصة وأعادتها الى نبض مختلف مزدوج الإيقاع يعكس في جانب الدلالة المتعلقة باستمرار وجه من وجوه مقاومة «الوصاية» ولو داخلية هذه المرة، وفي جانب آخر الرهان المتعاظم على تغيير كبير وشيك عبر الإستحقاق الإنتخابي.
الواضح لمن قُيِّض له متابعة هذه الظاهرة أن نبضًا شعبيًا ناهضًا بقوة لدى جمهور سيادي معروف استحضر ذكرى تلك العملية التي تمكنت عبرها «القوات اللبنانية» بقيادة الدكتور سمير جعجع من إسقاط «الإتفاق الثلاثي» الذي شكل آنذاك رأس حربة المشاريع السياسية الإنقلابية على الجمهورية الأولى بقوة الوصاية البعثية السورية، فيما كرت سبحة الفصول الحربية والسياسية عقب إسقاطه بلوغاً الى الطائف.
بعد 36 عامًا على إسقاط «الإتفاق الثلاثي» ليس حرفاً نافلاً أن يجد مناسبة لاستنهاض دلالاته وسط أسوأ ما عرفته الجمهورية اللبنانية من ظروف الإنهيار التي تهدد بأفول النظام عن بكرة أبيه. بل لعل هذه الظاهرة ولو عابرة لأيام قليلة عبر مواقع التواصل الإجتماعي وبعض وسائل الإعلام التقليدية تبدو شديدة البلاغة للإضاءة على جانب مبكر من الإستعدادات الجارية للإنتخابات لدى البيئة السيادية عمومًا على الأرجح، ولو أن البيئة الأساسية المعنية بذكرى إسقاط الإتفاق الثلاثي تتصل بخصوصية مسيحية غالبة.
لنقل إن 36 عامًا منذ إسقاط الإتفاق الثلاثي «على نهر الموت» تذهل المتابعين متى تبيّن أن الواقع السيادي للبنان لا يقلّ سوادًا الآن عن الواقع الإنهياري الذي يعاني منه. كانت تلك الحقبة من أسوأ الحقبات وأشدها قسوة على المناطق التي كانت تحت سيطرة قوات «الجبهة اللبنانية» أي القوات اللبنانية والكتائب والأحرار بشكل خاص. وكان إسقاط الإتفاق الذي شكل واقعيًا ورقة إستسلام مطلقة لحافظ الأسد على يد ايلي حبيقة وتحالفه مع أحزاب الجبهة الحليفة للنظام السوري بمثابة بداية تصويب استراتيجية جديدة لميزان القوى وإلا لكان «الدستور السوري» قد أحكم قبضته على كل مفاصل الوضع في لبنان ولكانت الحرب قد حسمت بالكامل لمصلحته مذاك.
بذلك لا غرابة أن تستحضر الفئات المتحفزة الآن لانتخابات تتخذ طابعًا مصيريًا بكل المعايير، وسط حقبة لم يعرف لبنان مثيلاً لقتامتها حتى، في ظل الحروب كل ثقافة المناهضة والمقاومة للإحتلال والوصاية مع النبض التغييري علّ الإستحقاق يكون منصة التغيير المزدوج لوصاية داخلية يتولاها فريق المحور الإيراني بتحالفه مع العهد، ووصايته المسلحة على مجمل البلاد وللطبقة السياسية المسؤولة بسياساتها عن إغراق لبنان في أسوأ ما عرفه من إنهيارات في تاريخه. وقد لا تكون مغالاة أبدًا التقديرات بأن تتجه البلاد نحو معترك انتخابي حاسم بين لبنان الـ«ما قبل» 15 أيار2022 ولبنان الـ«ما بعده». ولذا بدأت منظومات الإحباط تتصاعد من حيث يخشى العهد وحلفاؤه أن تتفلت ضوابط منع التغيير الكبير بمقولات تركز على إستبعاد هذا التغيير. وأما الأخطر في هذا المنحى أن يشكل نذيرًا لافتعالات أمنية محتملة متى تبيّن للتحالف السلطوي الحالي أن «إنقلابًا» حقيقيًا قد تفرزه الانتخابات ويطيح كل ما استلزم لإخضاع البلاد بعد الطائف.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]