كتب جوي لحود في “المسيرة” – العدد 1725
واحدة من أسوأ الأفكار التي نسمعها منذ فترة أنّ المشكلة في لبنان هي مشكلة منظومة لا نظام. بحسب هذه المقولة، الطبقة السياسيّة سيّئة، لا الآليّات التي أنتجتها. بالمقابل، إنّ هكذا آليات تنتج هكذا نخبة. بمعنى آخر، هناك علاقة سبب – نتيجة بين رداءة النخب الحاكمة وطريقة صناعة النخب في النظام اللبناني. نقترح أوّلا تسمية الأمور بأسمائها والإقرار بأنّنا فعلاً أمام أزمة نظام؛ ونقترح ثانيًا الفدراليّة كنظام بديل.
وفق النظام القائم حاليّا، يمثّل رئيس الجمهوريّة، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس النوّاب طوائفهم في التركيبة السياسيّة. طبيعي، تاليًا، أن تتحوّل خلافاتهم الى سبب توتير طائفي في البلد: فكّر، مثلاً، بالصدام بين ميشال عون ونبيه برّي، وتبعاته. أمّا وأنّ السلطة موزّعة بينهم ـ عبارة «الرؤساء الثلاثة» معبّرة ـ فيعني أنّ النظام كلّه معرّض للشلل بمجرّد أن تختلف الترويكا الحاكمة. بالحقيقة، من يتابع تاريخنا الدستوري والسياسي يرى أزمة فراغ، أو إعتكاف، أو إستقالة، أو تعطيل، تلو أخرى. وفي كلّ مرّة يغرق النظام بأزمة جديدة، تتعطّل البلاد ومعها أمور الناس الحيويّة. نحن متحمّسون للفدراليّة لأسباب عديدة، من أهمّها هذه: نريد حكومات محليّة في المناطق تتولّى أمور الناس الحيويّة بغضّ النظر عمّا يحصل في المركز. فكّر ببلجيكا الفدراليّة، مثلاً: مرّت بأزمة سياسيّة خانقة إعتبارا من العام 2007، وبقيت بدون حكومة لمدّة 541 يومًا إعتبارا من العام 2010، ولكن شؤون الناس الحيويّة في الولايات الفدراليّة حيث يقيمون لم تتعطّل. لماذا؟ لأنّ أمورهم تتولّاها حكومات محليّة تحصّل ما يكفي من الضرائب كي تدير هذه الأمور. هذه الحكومات لا تتوقّف بسبب الأزمات السياسيّة الكبرى، وهذا بالتحديد ما نحلم به لبلادنا: نظام مرن يأخذ السلطة من المركز، ويوزّعها في المناطق، ويسمح لها تاليًا بإدارة شؤونها ذاتيًّا في كلّ شيء، ما عدا السياسات الخارجيّة والدفاعيّة التي تبقى مركزيّة. نقترح الحياد لهذه المواضيع، كما ذكرنا سابقاً في هذه السلسلة.
بعد عقود من شيطنة الفدراليّة، وتصويرها بغير ما هي عليه، ندرك كم يحتاج هذا المفهوم لجهد من أجل رفع التابو عنه. من المغالطات التي نواجهها بشكل روتيني في عملنا أنّ الفدراليّة تقسيم، دع عنك أنّ الجذر اللغوي للكلمة يعني «جمع»، أي عكس التقسيم تمامًا، ودع عنك أيضًا أنّ «الإتّحاديّة» صنو الفدراليّة (من هنا، تظهر كلمة إتّحاد بوضوح في الإسم الرسمي لعدد من الدول الفدراليّة، كالولايات المتّحدة مثلاً، أو ألمانيا الإتّحاديّة، أو الإمارات العربيّة المتّحدة، إلخ). ومن المغالطات أيضًا أنّ لبنان صغير جدًّا كي يفدرل، دع عنك وجود دول فدراليّة أصغر من لبنان، وأنّ طبيعة أيّ نظام سياسي في العالم غير مرتبطة بالمساحة الجغرافيّة. ومن هذه المغالطات أيضًا أنّ الفدراليّة تستبطن الدعوة لتهجير الأقليّات الطائفيّة في المناطق، دع عنك أنّ الفدراليّة تعطيها ضمانة تلو الضمانة لإبقائها حيث هي، وقد توسّعنا في هذه الضمانات بالمانيفستو التأسيسي للبنان الفدرالي، وهو موجود على موقعنا الإلكتروني.
باختصار، الإنتقادات التي توجّه للفدراليّة في لبنان تعكس لا فقط عدم فهم الفكرة، بل خصوصًا، عدم الرغبة بفهمها. هناك قناعات إيديولوجيّة مقفلة مصرّة على تصوير الفدراليّة بما هي ليست عليه، وهناك أيضًا طائفيّة مضمرة تراهن على لعبة العدد لفرض غلبة طائفيّة تعطّلها الفدراليّة، لو طبّقت. برأينا، هذه الطائفيّة المضمرة والرغبة بالهيمنة التي تحرّكها سبب أساس من أسباب شيطنة الطرح الفدرالي ورفضه.
أختم هذه الكلمات بتكرار التالي: حظوظ ربح المعركة مع المنظومة الحاكمة ومنعها من إعادة إنتاج نفسها أفضل من خلال سلطات سياسيّة محليّة تفرزها الفدراليّة. النظام المركزي عقبة أمام التغيير في لبنان، وحليف طبيعي لقوى الستاتيكو، ولو كان بإمكان الحكم المركزي أن يطوّر لبنان، لطورّه من زمن. بالمقابل، الفدراليّة تسمح باللامركزيّة السياسيّة، والإداريّة، والماليّة، وهي تاليًا نظام أفضل للحوكمة، وإدارة الموارد، والتنمية المستدامة في المناطق. ومع الإقرار بأولويّة المعركة السياديّة مع «حزب اللّه»، ينبغي الإعتراف أيضا أنّنا نعيش أزمة نظام عميقة. دعو كلّ اللبنانيّين الى فهم الفدراليّة والتفكير بها كبديل عن النظام الحالي.
جوي لحود – قيادي في لبنان الفدرالي
المقال يعبّر عن رأي الكاتب
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]