ليست الفدرالية مشروعًا للمسيحيين!

حجم الخط

كتب سليم حكيمه في “المسيرة” – العدد 1725

إن كان الحياد ضمانة لبنان ضدّ ميل الخارج للهيمنة عليه واستخدامه، فالفدراليّة طريق بلادنا لتحقيق ثلاثة أهداف أساسيّة:

1) تحييد شؤون المواطنين اليوميّة عن أزمات المركز ووضعها بعهدة حكومات محليّة قادرة على تأمين فرص العمل، والكهرباء، والإستشفاء، والتعليم، مهما تعقّدت العلاقات بين القوى السياسيّة الأساسيّة. لنفترض تحويل كلّ قضاء أو قضاءين مجاورين الى ولاية فدراليّة. ولنفترض أيضًا وجود حكومات محليّة، مع برلمانات محليّة تراقبها. يمكن عندها إيلاء هذه الحكومات مهام تحسين الجباية الضريبيّة، والتطوير الاقتصادي، والصحّي، والتربوي، وإيجاد الحلول المناسبة للقضايا الحياتيّة. ثمّ إنّ النظام الفدرالي يؤمّن التمثيل الصحيح لكلّ المواطنين بالتساوي ضمن الولاية الفدراليّة ويقرّب المواطن من ممثلّيه لتصحّ عندها مقولة عند الإمتحان يُكرم المرء أو يهان.

2) منع النخب الحاكمة من رمي فشلها بإدارة السياسات العامّة على شمّاعة الآخرين، أي تعطيل مفاعيل مقولة «ما خلّونا نشتغل» الشهيرة. لو كان 80 في المئة من ضرائب طرابلس، مثلاً، تذهب الى حكومة محليّة في طرابلس، سيكون أصعب على زعماء المدينة التحجّج بقوى مناطقيّة أو طائفيّة أخرى لتبرير سوء الأوضاع فيها. الأمر صحيح بالنسبة لكلّ المناطق والجماعات اللبنانيّة. إستطرادا، سيكون أصعب على النخب الحاكمة تخبئة الفساد وهدر المال العام، وأسهل على الناخب مراقبة عملها على المستوى المحلّي.

3) تعطيل لعبة العدد، وتخفيف الإستقطاب الطائفي بين مكوّنات لبنان عبر السماح لكلّ منها بالتعبير عن نفسه بحريّة في المناطق المختلفة. فكّر بالزواج المدني على سبيل المثال لا الحصر. لا مبرّر كي يكون مسموحًا أو ممنوعًا في كلّ لبنان. لو كانت بلادنا فدراليّة، لكان الزواج المدني مقبولاً في ولاية، وغير مقبول بولاية أخرى، بحسب ما تريده الغالبيّة  في كلّ منطقة.

نقولها بوضوح:

1) الأزمة الحاليّة أزمة نظام، لا فقط أزمة منظومة. الإنهيار الاقتصادي الحالي غير مسبوق،  مستويات الهدر والعبث بالمال العام فلكيّة، وعزلتنا العربيّة خانقة. دولة لبنان أصبحت  فاشلة. نحتاج بوضوح لعقد مؤتمر تأسيسي جديد يستبدل نظامنا المتهالك بآخر يناسب حاجات البلاد وتطلّعاتها.

2) حان الوقت للتفكير الجدّي بمعادلة  حياد + فدراليّة، كبديل عن النظام القائم حاليّا. صحيح أنّ الفدراليّة كانت تاريخيّا مطلبًا مسيحيًا، ولكنّه لم يكن يومًا، ولا هو اليوم، مشروع للمسيحيّين وحدهم. دليلي الى ذلك الإقبال المتزايد على الطرح الفدرالي لناشطين مسلمين ليبراليّين، خصوصًا في الأوساط السنيّة الشماليّة، علمًا أنّ ميل شرائح واسعة من الدروز صوب الفدراليّة لا يخفى على أحد.

منذ انتهاء الحرب الأهليّة في لبنان سنة 1990 لم تعالج الأمور بشكل واضح وجذري لعدّة أسباب أهمهّا الإحتلال السوري في كلّ مكان من لبنان عدا الجنوب حيث الإحتلال الإسرائيلي. ثمّ جاء الزلزال المتمثّل باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وما تبعه من سنوات إضطراب مستمرّ الى الساعة. وطبعًا، لا يمكن إغفال عامل «حزب اللّه»، المتمسّك بالستاتيكو الحالي لأنّه يسمح له بالسيطرة على قرار لبنان واستنزافه سياسيّا واقتصاديّا. نفهم تماما أنّ لا أولويّة تعلو الأولويّة السياديّة، وضرورة المواجهة كي تعود الدولة سيّدة أمرها، ولا يبقى غير الجيش اللبناني قوّة مسلّحة على ترابنا الوطني. ولكنّ التحرير (أي التخلّص من سلاح «حزب اللّه» والتبعيّة لإيران)، ولو سبق بالأولويّة الزمنيّة التغيير (أي ضرورة الإنتقال من المركزيّة، الى الحياد والفدراليّة)، فهو ليس بديلًا عنه. بالحقيقة، لو حرّرنا بلادنا اليوم، سنخسر حريّتنا غدًا ما بقينا في النظام القائم حاليًّا. ما يحتاجه لبنان تاليًا هو التحرير والتغيير معًا. مجدّدًا، نقولها بوضوح: التحوّل الفدرالي في صلب التغيير المنشود.

سليم حكيمه – قيادي في لبنان الفدرالي

المقال يعبّر عن رأي الكاتب

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل