من الملاحظ أن شحّ السيولة بالليرة اللبنانية في مجمل الأسواق عامة، ولدى الصرافين خاصة، يتفاقم في الفترة الأخيرة. والمؤشرات تدلّ إلى أن الاتجاه هو إلى مزيد من التقنين بضخّ الليرة من قبل مصرف لبنان.
وتتقاطع قراءة عدد من الخبراء الاقتصاديين والماليين، في تصريحات لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، على أن “أسباب الشحّ بالليرة تعود إلى قرار البنك المركزي، الذي بدأ تطبيقه منذ فترة لكن بشكل مركّز منذ نحو 3 أشهر، بسحب ما استطاع من الكتلة النقدية في السوق، والتي وصلت إلى 45 تريليون ليرة تقريباً، سواء من خلال التعميم 161 أو غيره من الإجراءات السابقة، وهو نجح عملياً حتى الآن بسحب أكثر من 3 تريليون ليرة منها”.
ويلفت الخبراء، إلى أن “طريقة تطبيق مصرف لبنان لقرارات الحكومة المتعلقة بتوفير مساعدات اجتماعية لموظفي القطاع العام، بمن فيهم الأسلاك العسكرية، تعادل نصف راتب إضافي شهرياً مع حدّ أدنى 1.5 مليون ليرة وحدّ أقصى عند 3 ملايين ليرة، تصبّ في هذا السياق. وهذا واضح من خلال إبلاغ البنك المركزي، المصارف، أنه سيغطي فقط 60% من المساعدات الاجتماعية المذكورة نقداً، وليس 100% منها كما قد يتوقعه الموظفون والمتقاعدون”.
ويأتي، وفق الخبراء، “ما أعلنته جمعية المصارف من أنها ستلتزم بقرار مصرف لبنان بصرف 60% كسقف للسحب نقداً، ما يعني أن على المعنيين استعمال وسائل دفع أخرى لنسبة 40% المتبقية (البطاقات أو الشيكات…)، ليوحي وكأن هناك توافقاً ضمنياً بين الطرفين على هذا المخرج لضبط السيولة بالليرة”. علماً أن “عدداً من المصارف طلب من موظفيه إعادة معاشاتهم التي قبضوها بالليرة نقداً، ومعاودة سحبها من الصراف الآلي بالدولار”، كما كشف موقع “القوات” قبل أيام.
وبرأي العديد من الخبراء، أن “قرار معظم السوبرماركت والمحال الكبرى برفض قبض ثمن المشتريات من خلال البطاقات المصرفية فقط، وتقسيمها بشكل عام على 50% نقداً و50% عبر البطاقات، يتقاطع مع قرارات المركزي والمصارف بشكل عام. وتتذَّرع السوبرماركت بأن عدداً كبيراً من التجار والمورِّدين بات يصرّ على الدفع نقداً، سواء بالليرة أو بالدولار”.
ويتوقع الخبراء، أن “يستمر الشح بالليرة في الفترة المنظورة، إذ لا يزال مصرف لبنان يحاول الحدّ من حجم الكتلة النقدية لمحاولة التخفيف من استخدامها في المضاربة والتهافت على الدولار. علماً أن معظم التجار باتوا يحتفظون بالليرة لمعاملاتهم التجارية ولا يعيدون إيداعها في المصارف”.
ويبدو أن محاولات مصرف لبنان لخفض الكتلة النقدية، ناجحة إلى حدٍّ ما، حتى الآن. فقد لاحظ مندوبو موقع “القوات”، في جولاتهم الميدانية، أمس الاثنين، أن “عدداً من الصرافين بدأ يعاني من نقص في السيولة بالليرة، فمنهم من لم يكن يشتري الدولار بحجة عدم توفر الليرة لديهم، وبعضهم يشتري 200 دولار فقط فيما الزبون يطلب صرف 500 دولار مثلاً”.
ويوضح عدد من الصرافين، لموقع “القوات”، إلى أنهم “يعانون من نقص في السيولة بالليرة، لذلك هم لا يلبُّون طلبات صرف الدولار بمبالغ صغيرة، إذ يفضِّلون الاحتفاظ بالسيولة المتوفرة لديهم لزبائنهم الكبار وعدم خسارتهم”.
ويعتقد الخبراء، أن “مصرف لبنان يخشى من فورة جديدة للدولار في سوق الصرف، مشابهة لما شهدناه الأسبوع الماضي من قفزة كبيرة للدولار إلى مستوى 24.000 ل.ل، قبل أن يعود للاستقرار نسبياً عند حدود 22.500 ل.ل. وعلى ما يبدو، يتحضَّر المركزي لأيام صعبة مقبلة، وتهافت على الدولار نتيجة الطلب المتزايد عليه لتسديد فواتير الاستيراد، التي تضاعفت منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، على صعيد المحروقات والمواد الغذائية ومختلف السلع على أنواعها”.
ويلفتون، إلى أنه “من المعلوم أن احتياطي البنك المركزي بالعملات الأجنبية يتراجع بشكل دراماتيكي، وهو بلغ أساساً مستويات حرجة قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، التي زادت انعكاساتها العالمية المشار إليها من دقة وضعه. ففاتورة استيراد المحروقات ارتفعت بما يساوي نصف كلفتها السابقة تقريباً، وبعض السلع الغذائية ارتفع ثمنها ضعفين، وأخرى أكثر، وقِس على ذلك. بالتالي من أين سيؤمِّن مصرف لبنان الدولار للاستيراد وتأمين حاجات الشعب اللبناني من المواد الأساسية؟”.
بالتالي، “يواصل البنك المركزي”، بحسب الخبراء، “محاولة الحدّ ما أمكن من السيولة بالليرة في السوق، ليبقى المتحكم الأكبر، وبما يقلّص هامش الحركة للصرافين والمضاربين. وهو يعتقد أنه بذلك يوسعّ إمكانيات ضبط سعر الدولار ومنعه من الانفلات. بالإضافة إلى محاولات الطمأنة على أنه مستمر بتلبية الطلب على الدولار من دون سقف عبر منصة صيرفة. لكن من الصعب الاطمئنان والثقة بأي إجراء في ظل الواقع الهش الذي يعرفه الجميع. فالوقائع لا تكذب، والأجواء تشاؤمية للأسف”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية