كتب الأب مارون عوده في “المسيرة” – العدد 1726
إنّها إرادة الله أن تكون كنيسته تحت رعايته القدّوسة، حيث ينتسب إليها المؤمن ليعيش إيمانه بحريّة تامة بحسب ما يملي عليه قلبه وضميره من دون إكراه من أحدٍ، ولا تكون بإملاءٍ خارجيٍّ تحت سطوة قوّة السلاح. ويستطيع المؤمن أن يعيش في حضرة الله ويتحاور معه مباشرة من دون أيّ وسيطٍ أو وليّ. في مقابل ذلك يجب عليه أن يلتزم بتعاليم كنيسته وتوجيهاتها الإيمانيّة والحياتيّة، ولها عليه سلطة الرعاية كي تبعده عن فخاخ الشرير وتمنع عنه أفكار الإلحاد والمفاهيم الإيمانيّة الخاطئة مهما كان مصدرها ومن أين أتت. وحريّته الإيمانيّة هذه تضمنها معظم المواثيق الدوليّة وخصوصًا شرعة حقوق الإنسان، زد على ذلك إنّها حقّ مكتسب لكلّ مواطن بحسب الدستور وضمن قوانين الأحوال الشخصيّة. بالتالي لا يستجدي المؤمن حريته من أحد ولا يطلب حمايتها من أحد، بل يعيشها شخصيًّا ضمن كنيسته الخاضعة بدورها إلى الإنتظام العام بحسب القوانين المرعيّة الإجراء.
بما أن الكنيسة تحيا في الله الآب ولا تقبل أي شرعٍ مدنيٍّ يتعارض مع الشرع الإلهيّ وتعاليمها المسيحيّة، فعلى المؤمن أن ينبذ عنه إذًا كلّ فكرٍ وشريعةٍ وولايةٍ تتعارض مع ما تقبله كنيسته. بالإضافة إلى ذلك ومع كون الكنيسة تتكلم باسم الله مع المؤمنين، فعلى المؤمن أن لا يخضع لأيّة ولاية ولا يقبل أيّة شريعة أخرى حتّى ولو كانت باسم الله. فلا سلطة على المؤمن سوى سلطة كنيسته من ضمن ما تكفله القوانين المرعيّة الإجراء في البلد حيث مكان حضور الكنيسة. ولا يلجأ المؤمن إلى حماية جماعات ومنظمات إلهيّة كانت أو بشريّة، مسلحة كانت أو إيديولوجيّة، لأن دولته تحمي حريته وتصونها، وإن عجزت الدولة عن ذلك، فالكنيسة ستقف بوجه الذئب وتمنعه من الدخول إلى حظيرة المؤمنين.
يعتقد البعض اليوم أنّ الهيمنة الفارسيّة تستطيع السيطرة على الرعيّة وفرض ولايتها الفقهيّة على عقول بعض المؤمنين، الذين من خلالهم تحاول الولوج إلى حظيرة الرعيّة، كما يتوجّس البعض الآخر خوفًا من فائض قوّة السلاح، لذا يحاولون التماهي مع هذه الولاية ولو من دون إقتناع ولكن خوفًا على فقدان مكتسبات ما. بيد إن رأس الكنيسة يتربص لهم واقفًا على باب الحظيرة واضعًا يده بيد الله القادرة على كلّ شيء. إستنادًا إلى تاريخ الكنيسة وحال رعاتها من حيث الثبات على مبادئها وتعاليمها عندما تعصف بهم المحن ومواجهةً للهيمنة، يجب أن تكون حال المؤمن على صورة رعاته، أي لا يجوز له الخروج من حظيرة الرعيّة مهما كانت السهول خصيبة ومغرية في الخارج، بل عليه أن يبقى تحت عباءة راعيه المدرك تمامًا أين هي مراعي الرعيّة الخصيبة. ويجب على المؤمن أن لا يخاف من شيء لأنّه ينتمي إلى كنيسة المسيح، التي لم تعرف الخوف ولا الإستسلام على مدى ألفي سنةٍ ، لأن يد الله معها على مدى الأيام وفي كل مكان.
والمؤمن المسيحي لا يتخلى عن دوره الفعال في بناء وطنه وتحصينه وتطويره، لأنّ واجبه أن يتحمل مسؤوليّة أهله وأترابه، بالإضافة إلى المشاركة بالمسؤوليّة مع شركائه في الوطن دائمًا، وهذا فرضٌ وواجبٌ عليه كونه يتشبّه بالربّ يسوع الذي تنازل من عليائه وتجسد وصلب على الصليب، حاملًا وزر خطايا البشريّة من جهة أولى، وحتى لا يُصلَب إنسانٌ تائبٌ في قادم الأيام من جهة ثانية؛ بالتالي على المؤمن أن لا يهرب من أمام مصاعب واجباته الكنسيّة والوطنيّة، بل عليه أن يأخذ بيد كنيسته ويساندها ومن ثمّ يشرع في تحسين أوضاع وطنه وترميم ما تهدّم والعمل لمستقبلٍ أفضل، والوقوف إلى جانب سائر شركائه المواطنين فلا يسقط أحد منهم تحت نير الهيمنة.
منذ قديم الأيام وبلادنا واقعة ضمن مسرحٍ لشتى أنواع الإحتلالات والهيمنات، دخلوا جميعهم إليها من عثمانيّين وماركسيّين وفاشيّين الخ.. ولكنّهم فشلوا جميعًا لأنّهم ساروا بعكس منطق الإنسان وحريته وعاكسوا إرادته في تقرير مستقبله، فخرجوا وزالوا من الوجود، لأن الشعب كان مؤمنًا وملتزمًا بكنيسته؛ في المقابل استمرت الكنيسة ونمت وانتشرت ودخلت إلى وجدان المؤمنين مسيحيّين كانوا أو مسلمين. فكما أن مسار التاريخ القديم والحديث لا يختلف عن واقع حاضرنا اليوم، سيكون مستقبلنا على صورة أيام الكنيسة الماضية والحاضرة من حيث الصمود وعدم الإستسلام والعمل الدؤوب على التطوير الذاتيّ العلميّ والإداريّ والتكنولوجيّ، لنكون في جهوزيّة تامّة لتواكب المستقبل القادم، وما من شعب أراد الحياة إلّا واستجاب له القدر.
لذا أمام الهيمنة الجديدة الفارسيّة الحديثة لا بدّ من العودة إلى الإلتزام الدينيّ، الذي يكون من خلال الإنتساب الفعليّ إلى المؤسّسات الدينيّة مسيحيّة كانت أو مسلمة، لأنّ الهيمنة الإيرانيّة اليوم لا تستطيع السيطرة أو التفوق على المؤسّسات الدينيّة الشرعيّة، والإنتصار يكون دائمًا حليف من يتكلم باسم الله ويحقّق مشيئته في قلوب أولاده وفي وسطهم ومن أجل خيرهم العام، ولن يكون حليفًا لمن يتّكل على قوّة سلاحه ويريد تحقيق إرادته على كاهل المواطنين.
أيّها المؤمن أنت ابنٌ لله وساكنٌ في قلبه القدّوس، وأرادك الله حرًّا صاحب كرامة اكتسبتها ملكونك خليقته على صورته ومثاله، لذا لا تخف فلا سلطة للولاية عليك، ولست بحاجة لمن يتكلم عنك باسم الله، فأنت تنتسب إلى كنيسةٍ لا تخضع إلا للربّ يسوع المسيح، ولن تقوى عليها أبواب الجحيم لأنّها تعمل على الأرض ومع شعبها لتحقيق إرادة الله القدّوسة.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]