تسارعت التطورات على الضفة اللبنانية ـ السعودية ـ الخليجية في اليومين الماضيين. الاثنين، وعقب اتصال جرى بينه ووزير خارجية دولة الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، أصدر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بياناً تضمّن تأكيداً على التزام الحكومة إعادة العلاقات بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي إلى طبيعتها، وتشديداً على “ضرورة وقف كل الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية التي تمس سيادة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي وأمنها واستقرارها والتي تنطلق من لبنان”، لتلاقيَ المملكة هذا الموقف بإيجابية. ورحّبت وزارة خارجيتها، عبر “تويتر”، الثلاثاء، بما “تضمنه بيان رئيس الوزراء اللبناني من نقاط إيجابية”، آملة أن “يسهم ذلك في استعادة لبنان لدوره ومكانته عربياً ودولياً”، مؤكدة على “تطلع المملكة إلى أن يعم لبنان الأمن والسلام، وأن يحظى الشعب اللبناني الشقيق بالاستقرار والأمان في وطنه والنماء والازدهار”، وحذت الكويت حذوها أيضاً.
مصادر دبلوماسية تكشف لموقع القوات اللبنانية الالكتروني عن أن هذا “الودّ المستجدّ” ليس وليد بيان ميقاتي، ذلك أن ما قاله الرّجل لم يقله للمرة الاولى، بل دأب على تكراره منذ تسلّمه مهمة تشكيل الحكومة. إلا أن الموقف السعودي الإيجابي هو نتاج مبادرة فرنسية تضطلع بها باريس منذ زيارة رئيسها ايمانويل ماكرون إلى الرياض في كانون الأول الماضي، لرأب الصدع بين لبنان والمملكة. هذا المسعى ـ الذي تنشط على خطه أيضاً جامعة الدول العربية الذي زار أمينها العام أحمد أبو الغيط لبنان منذ أيام قليلة ـ مرّ بـ”طلعات ونزلات”، على حد تعبير المصادر، لأن الرياض لم تكن مقتنعة بجدوى الاهتمام بالملف اللبناني من جديد. غير أن الاوضاع الكارثية اقتصادياً في البلاد، ومناشدات “أصدقائها” لها، بعدم ترك الشعب اللبناني وحيداً وبعدم تدفيعه ثمن القرارات الخاطئة للسلطة التي يهيمن عليها حزب الله، لاقَت آذاناً صاغية لدى قيادات المملكة، فكان تجاوب مع طرح باريس انشاء صندوق لإرسال المساعدات “الإنسانية” إلى بيروت، وتحديداً الى المؤسسات “غير الرسمية” فيها.
أما الواقع السياسي في البلاد عشية الانتخابات النيابية المرتقبة في أيار المقبل، فلَعِب دوراً كبيراً، لا بل الدور الأكبر، في عمليّة مراجعة الرياض حساباتها. فبعد تعليق رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري عمله في الحياة السياسية، وفي ظل فائض قوة إيران لبنانيّاً عبر حزب الله، تخشى المملكة تركَ الساحة اللبنانية “سائبة” للجمهورية الاسلامية بما يساعدها، بفعل دعمها المالي والمادي المفتوح لحزب الله وبالتالي لحلفائه، على تكريس سيطرتها على اللعبة الداخلية وتجديدها لـ6 سنوات إضافية. انطلاقاً من هنا، يبدو الرياض ارتأت العودة الى لبنان لإعادة التوازن المختلّ إلى “البازل” المحلي.
حتى الساعة، تتابع المصادر، الحضورُ المتوقّع سيقتصر على عودة تدريجية لسفراء ودبلوماسيي دول مجلس التعاون إلى بيروت، وعلى تفعيلٍ لآلية المساعدات الإنسانية للشعب اللبناني، بما يصعّب في شكل غير مباشر، على “الفريق الآخر”، استغلالَ السلطة من جهة، وفقرَ الناس من جهة ثانية، لشراء الذمم والأصوات عشية الانتخابات… إلا أن هذه “العودة” لن تذهب أبعد بانتظار استحقاق أيار، إذ سيُحدَد شكلها وحجمها في ضوء نتائجه، خصوصاً أنه، وحتى اللحظة، “نوايا” الحكومة اللبنانية لا تزال في الإطار النظري، كما أنه لم يتبدّل شيءٌ “عمليّاً” بعد في الموقف اللبناني الرسمي من حزب الله، بدليل دفاع بعبدا من روما، عنه وعن سلاحه ودوره.
وفي السياق، لا تستبعد المصادر أن تشتد في قابل الأيام، حملةُ تلميع صورة الحزب التي بدأها رئيس الجمهورية ميشال عون من إيطاليا، علّها تُجهض العودةَ الخليجية المرتقبة إلى بيروت، بما أنها كما أسلفنا، تُعقّد على الحزب والعهد، الفوزَ السهل بالانتخابات النيابية أوّلاً والرئاسية ثانياً.