لم يكد صدى الموقف الذي “رشق” به رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مجلس النواب في الجلسة التشريعية، أمس الثلاثاء، مطالباً بتحويلها إلى جلسة مناقشة عامة تُطرح على ضوئها الثقة بالحكومة، يتبدَّد، حتى عاجل ميقاتي السائلين والمستفسرين بتصريح إثر انتهائها، مستبقاً التأويلات حول مصير الحكومة، إذ أكد أن من مهماتها اليوم “إجراء الانتخابات النيابية، ولا يمكن أن أنساق إلى الاستقالة كي لا تكون مبرراً لتعطيلها، ولن أكون سبباً لتعطيل الانتخابات، لذلك لن أقدم على الاستقالة”.
لكن ميقاتي لم يُخفِ، امتعاضه الشديد من “الطريقة الشعبوية التي نشهدها”، مشيراً إلى مسألة الكابيتال كونترول، ومضيفاً أنه “بدل أن نتعاون حكومة ومجلساً نيابياً للخروج من الأزمة، نرى تهجماً لا فائدة منه. وبالأمس سمعت كلاماً يتعلق بالحكومة وبطرح الثقة بها، فقلت لم لا”، مشدداً على أنه “على ضوء المؤشرات الخارجية التي تصلنا والجولات الخارجية التي أقوم بها، نلمس دعماً كبيراً للبنان وسعياً لمساعدته، فيما داخل البلد نرى تخبطاً وسعياً من قبل البعض لاستثمار كل الأمور في الحملات الانتخابية”.
للمحلل السياسي علي حمادة، قراءته للخطوة التي أقدم عليها ميقاتي، والطريقة التي تلقفَّها بها رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي ردَّ على طلب ميقاتي قائلاً، “هذه جلسة تشريعية ولم يطلب أحد مني هذا الأمر، مش مطروحة هلأ، وما وصلني شي عن هالموضوع، ومش وقتها”.
ويرى حمادة، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “الجلسة التشريعية بالأمس جاءت بما يشبه المسرحية التي تناوب بطلاها، ميقاتي وبري، على تبادل الأدوار في هذا الإطار”، موضحاً أسباب توصيفه لما حصل بـ”المسرحية”.
ويعتبر، أن “قيام ميقاتي بطلب تحويل الجلسة التشريعية إلى جلسة مناقشة عامة وطرح الثقة بحكومته، جاء في أعقاب مسرحية أخرى، هي مسرحية الكابيتال كونترول، التي رُميت في سوق عكاظ اللبناني لكي تُرفض، إذ من الواضح أنها كانت مجرد فخّ إعلامي للّبنانيين. وربما جاءت أيضاً في أعقاب الاجتماع الذي حصل على هامش منتدى الدوحة نهاية الأسبوع الماضي بين ميقاتي والمديرة العامة/ رئيسة المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا”.
ويلفت، إلى أن “جورجيفا أصرَّت على رئيس الحكومة بأن يسبق إقرار الكابيتال كونترول انطلاق المفاوضات الجدية مع صندوق النقد، فوُلدت قصة الكابيتال كونترول، الذي لم يكن أصلاً مشروع قانون من الحكومة أو اقتراح قانون من البرلمان، بل مجرد ورقة أُلقيت في أروقة وكواليس لجنة المال والموازنة واللجان المشتركة وتضمَّنت بنوداً كان من الواضح أنها ستكون مرفوضة سلفاً”.
ويضيف، “عشية وصول وفد صندوق النقد إلى لبنان، ولاستكمال المسرحية يقوم رئيس الحكومة بإبراز الجانب الآخر. بما يعني أنه حاول تلبية مطالب الصندوق، لكنها رُفضت داخل مجلس النواب. ومن هنا، هو يرفع من درجة الأزمة عبر حرفها باتجاه أزمة حكومة، على هامش مطالب صندوق النقد”.
ويشدد حمادة، على أن “كل مسألة طلب طرح الثقة بالحكومة وما حصل في جلسة البرلمان أمس، عبارة عن مسرحية استكمالاً لمسرحية الكابيتال كونترول، من أجل إظهار الحكومة أنها واقعة تحت ضغط شعبي ونيابي، وغير قادرة على تلبية مطالب صندوق النقد. علماً بأن الأخير لم يطلب معظم البنود التي تضمَّنتها ورقة الكابيتال كونترول التي رُميت للبرلمان، بالشكل الذي وردت فيه”، لافتاً إلى أن “ما طُرح عملياً مجرد ورقة، أقل من مشروع قانون أو اقتراح قانون، وُصفت باليتيمة واللقيطة لأن الجميع تنصَّل من أبوّتها”.
ويرى، أننا “اليوم أصبحنا أمام واقع وصول وفد صندوق النقد الدولي إلى بيروت لاستعجال المباشرة بالمفاوضات مع الحكومة، لكن من دون إقرار قانون للكابيتال كونترول. والسؤال المطروح الآن، هل سيبتلع الصندوق الطعم الذي رُمي له؟ وهل سيصدِّق التوليفة المسرحية التي جرت في بيروت في اليومين الماضيين، ويقبل التفاوض متجاوزاً اشتراط الكابيتال كونترول المسبق؟”.
وإذ يؤكد حمادة، أن “الكابيتال كونترول بالصيغة التي طُرحت في هذه الورقة اللقيطة، مرفوض شعبياً ونيابياً، لأن ما من أحد يستطيع تحمُّل هذه البنود”، يشدد على أنه “في المقابل، القطاع المصرفي، ومن حيث المبدأ، يتهرَّب من أي كابيتال كونترول أيّاً كان، لأن قسماً كبيراً من المصارف غير قادر على تلبية مضمون أي كابيتال كونترول على مستوى السيولة حتى في أدنى درجة”.
ويوضح، أن “مسألة إقرار الكابيتال كونترول مطلوبة لأنها تفتح الباب مباشرة على إعادة هيكلة القطاع المصرفي، التي تفترض من ضمن ما تفترضه، اتفاقاً على هيركات معيَّن ودمج عدد من المصارف في ما بينها، لأن المصارف الصغيرة لا تستطيع تلبية شروطه”.
بالتالي، “الجميع يهرب”، وفق حمادة، “القطاع المصرفي، والحكومة التي لا تريد الالتزام بهذه المسألة التي لا تتحمّلها من رئيسها إلى مكوّناتها، بالإضافة إلى مجلس النواب الذي لا يريد قسم كبير منه التعرُّض لهزّات شعبية على أبواب الانتخابات. وبالخلاصة، ما جرى في مجلس النواب بالأمس، مجرد مسرحية استكمالاً لمسرحية ورقة الكابيتال كونترول اللقيطة”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية