كتب أنطوان مراد في “المسيرة” – العدد 1727
ليس غريبًا أن يمثل إستحقاق 15 أيار عنواناً يفتح باب الأمل العريض بالنسبة للبعض ويمثل هاجسًا مرعبًا للبعض الآخر، لأن الوقائع أثبتت أن اللبنانيين يؤمنون بالديموقراطية كملاذ أخير بعد تراجع الثورة وارفضاض جمهورها، بسبب أداء بعض راكبي موجتها وإصرار بعض المزايدين على أخذ الناس إلى خيارات لا تمت إلى تطلعاتهم بصلة.
مصدر الأمل لدى شرائح واسعة من اللبنانيين هو الرغبة في وضع حد لمسلسل الخيبات والنكسات، والسقطات والنكبات، والكوارث والأزمات، وهو مسلسل غير مسبوق أشبه بفيلم لبناني مأساوي طويل بإنتاج من المحور الممانع وإخراج من حلف السلطة الفاسدة والدويلة، على أن هذا الحلف يتخبّط بحالة إرتباك ويسعى بمختلف الوسائل غير المشروعة وأحياناً غير الشرعية، للتملّص من الإستحقاق الانتخابي عبر محاولات إطاحته أو تأجيله أو إفراغه من بعض الشروط الموضوعية التي تؤمن صحة التمثيل لا سيما بالنسبة للإنتشار.
ومن المبرّرات المحتملة والمفتعلة، التضييق على السلك الدبلوماسي في السفارات والقنصليات من الباب المادي واللوجستي سواء في ما يتعلق بمخصصاتهم وتعويضاتهم، أو في ما يتعلق بكلفة العملية الانتخابية في الخارج، بينما على خط آخر، لا يُستبعد أن تبرز حجة أخرى تتمثل بمعوقات في وجه القضاء من خلال الدور القانوني المفترض للقضاة في تولّي الإشراف على لجان القيد، وهي حجج إجرائية ومادية تُضاف إلى حجج أخرى لوجستية، علمًا أن الرهان الأساسي يبقى لدى بعض أهل السلطة على افتعال حالة أمنية معيّنة تضع الانتخابات أمام حتمية التأجيل، ومع ذلك الانتخابات حاصلة ولن تؤجل إلا لسبب جوهري قاهر جدًا.
أما السبب الأساسي لمناورات السلطة والممانعة فهو سياسي، ويتمثل بالخشية من انقلاب المعادلة وتحوّل الأكثرية من جهة إلى أخرى، أو على الأقل الوصول إلى حالة توازن بين السياديين من جهة وفريق السلطة الفاسدة والدويلة من جهة ثانية. والخشية الأكبر لدى هذا الفريق تتمثل بـ»القوات اللبنانية»، التي تقضّ مضاجعهم يومًا بعد يوم وتتحوّل إلى ما يشبه الكابوس في ضوء يقينهم بتنامي التأييد الشعبي لطروحاتها ومشروعها المتعلّق ببناء الدولة بعد استعادتها من مصادريها. والأدلة كثيرة:
أولاً: إصرار الثنائي ولو بشيء من التمايز بين طرفيه شكلاً ومضموناً، على اتهام «القوات اللبنانية» ورئيسها بأحداث الطيونة وما تخلّلها من دم وخراب وتحريض وبوادر فتنة، وهي وقائع يتحمّل تبعاتها بالدرجة الأولى «حزب الله» إلى حليفه في الثنائي وحليفه الآخر في تفاهم مار مخايل. فأحداث الطيونة كانت عمليًا غزوة أو مشروع غزوة لعين الرمانة وفرن الشباك، والهدف كان حرف الأنظار عن قضية تفجير المرفأ وإلصاق الشبهة بالتحقيق العدلي في التسبّب بفتنة كبيرة وخطيرة، وتاليًا إبعاد كأس الإتهام وربما الإدانة عن «حزب الله» في الإنفجار الأكبر غير النووي في التاريخ. وقد وجد الحزب في الهوية المقاوِمة تاريخيًا لعين الرمانة الحجة سعيًا لتوريط «القوات اللبنانية» زورًا وبهتاناً، علمًا أن من تصدى للمعتدين والرعاع المدججين بالقذائف الصاروخية والرشاشات الثقيلة والخفيفة هو الجيش اللبناني بالدرجة الأولى وبتأكيد مختلف القرائن والشهود والشواهد، وأهالي عين الرمانة بالدرجة الثانية وبشكل محدود.
وها هو القاضي فادي عقيقي يكرّر فعلته باستدعاء سمير جعجع، علمًا أن الإصرار على هذه الخطوة بحد ذاتها وفي هذا التوقيت هو محاولة جديدة للتهويل والضغط قبيل الانتخابات النيابية، لا سيما وأن الإستدعاء كما في المرة الأولى تم بخلفية سياسية، وفي مطلق الأحوال سيلقى المصير نفسه، لأن الإستنساب فاضح وسافر، وإذا كان لا بد من إستدعاء سليم، فليشمل أولاً الأمين العام لـ»حزب الله»، وليمتثل النواب والوزراء السابقون لاستدعاءات المحقق العدلي في قضية تفجير المرفأ وهي القضية الأم والأخطر، علمًا أنهم في خانة المدعى عليهم.
ثانيًا: الإستنفار الصريح لـ»حزب الله» سعي|ًا لدعم حليفه البرتقالي الذي يعاني التآكل في جمهوره ويواجه خسارة أكيدة تفقده الموقع النيابي التمثيلي الأول لمصلحة «القوات اللبنانية»، ولذلك يجهد الحزب لتعويم التيار ورفده بالأصوات الشيعية لإنقاذه من التراجع الهائل وتأمين حواصل له في عدد من الدوائر تسمح له بزيادة عدد نوابه ولو بأصوات غير المسيحيين ليتمكن من الإستمرار في ادعاء تمثيل المسيحيين. ولا عجب أن يصدر الحزب ما يمكن إدراجه في خانة التكليف الشرعي أو في خانة التهويل والإبتزار لمنع مرشحين من التحالف مع «القوات اللبنانية»، أو لمنع الناخبين من الإقتراع للوائح التي تشكلها أو تشارك فيها أو تدعمها.
ثالثاً: إعتماد أساليب بائدة في استهداف «القوات اللبنانية» عبر محاولة اتهامها بتنفيذ أجندات أميركية وغربية وسعودية وخليجية، في موازاة لملمة شتات حلفائه على الساحات السنيّة والدرزية والمسيحية ودفعهم إلى المشاركة مع التيار في لوائح واحدة، أو إلى دعمه بحجة أن «القوات» هي الخصم المشترك الذي يهدد بضرب الغطاء المسيحي والمظلة الوطنية للمقاومة.
رابعًا: لا يتورّع التيار الوطني الحر ورئيسه تحديدًا عن استحضار الماضي والحرب والأحقاد القديمة التي تم الإتفاق على وأدها عبر المصالحة الشهيرة، فيلجأ الى شيطنة «القوات» ورئيسها وإلى وصفه بالمجرم حيناً وبالمنافق حيناً آخر، مُصرًّا على نبش القبور، إعتقادا منه أنه يشدّ العصب، وقد ينجح بالنسبة لفئة من المتشددين في التيار، لكنه يُبعد بهذا الأسلوب المزيد من الجمهور غير الحزبي ومن المستقلين، علمًا أن سمير جعجع رفض الإنجرار إلى السجال، مسقطاً من يد جبران باسيل ورقة راهن عليها لتعديل ولو جزئي في المشهد الانتخابي مسيحيًا.
وفي ضوء ما تقدم لا بد من التأكيد أن «القوات اللبنانية» باتت في مكان أبعد ما يكون عن اللغة الطائفية المبتذلة، وعن المواجهات الهامشية التي يراد منها ازاحة الأنظار عن المشكلة الأساسية المتمثلة بهيمنة الدويلة على الدولة والغطاء الذي يوفره لها التيار البرتقالي على مختلف المستويات، وصولاً إلى دفاع رئيس الجمهورية عن سلاح «حزب الله» ومفاعيله وتبريره بأنه للمقاومة حصرًا.
«القوات اللبنانية» اليوم هي الأكثر إنسجامًا مع ذاتها، وترفض اللجوء إلى أي تحالفات هجينة ولو منحتها فرصة زيادة مقاعدها، وإذا كان لا بد من تحالف إستثنائي ما، فيكون تحالف الضرورة وعلى قاعدة التلاقي في الموقف السيادي. ولذلك تعتمد «القوات» على خطابها الوطني الجامع من دون افتئات على أي جهة، لأن عناوين السيادة والحرية والشراكة الحقيقية والتنوّع ليست حكرًا على أحد أو على حزب أو على طائفة، بل هي عناوين وطنية بمنزلة المسلّمات. ومن هنا المواجهة هي بين من يريد لبنان الوطن والدولة كما أراده الآباء المؤسسون، وبين من يريد لبنان الريف والولاية كما يريده الفاسدون والمرتهنون.
أنطوان مراد – مستشار رئيس حزب “القوات اللبنانية” لشؤون الرئاسة
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]