لا حلول في الأفق لأزمة شح السيولة بالليرة النقدية. ولعبة “القط والفار” الدائرة بين مصرف لبنان والمصارف والصرافين والمضاربين، يبدو أنها متواصلة إلى أجل غير محدَّد. مع اعتراف الجميع بأن كل الإجراءات المعتمدة، ما هي سوى محاولات مؤقتة لمنع التفلُّت الكامل.
وعلى الرغم من أن البنك المركزي ذكَّر المصارف بأنها تستطيع أن تستحصل على الليرة اللبنانية نقداً مقابل بيع الدولار الأميركي الورقي على سعر منصة صيرفة، وبالتالي تأمين حاجات المودعين لديها بالليرة من دون التقيد بالكوتا التي يمنحها لها مصرف لبنان، وأن على المصارف عدم خفض سقوفات السحوبات لزبائنها شهرياً بالليرة نقداً، لا تزال الأخيرة تمارس تقنين الليرة النقدية للمودعين، والذي ارتفع في الآونة الأخيرة. وقد لا يكون الأمر بعيداً عن الرغبة بالاحتفاظ بالليرات النقدية لاستخدامات في السوق من خارج المعاملات المصرفية.
رئيس لجنة الرقابة على المصارف السابق، سمير حمود، يوضح، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، ما يحصل عملياً، وهو أن “مصرف لبنان لا مشكلة لديه بتأمين الليرة للمصارف مقابل إعطائه الدولار النقدي”.
ويشرح، أن “الكتلة بالليرة موزَّعة إلى جزئين: الجزء النقدي وجزء الحسابات المصرفية، بنسبة 40 تريليون ليرة تقريباً لكل منهما. ويمكن بالنسبة للجزء الأول التحكم بكتلة الليرة بهذه الطريقة، أي المصارف تعطي دولار والمركزي يعطي ليرة، لأنه في النهاية سيشتري أحدهم الدولار من مصرف لبنان ويعطيه ليرات لبنانية نقدية”.
ويضيف، “أما التعامل مع القطاع المصرفي على طريقة، عدم أخذ دولارات منه ومدِّه بالليرة النقدية من حساباته لدى البنك المركزي، عندها سيتم تسخير الـ40 تريليون ليرة المسجّلة في المصارف كحسابات جارية وحسابات ادخار، لاستخدامها في السوق لشراء الدولار”.
بمعنى، أنه “يمكن لأي مودع اليوم سحب مبالغ بالليرة، نقداً، من حسابه المصرفي بالليرة، وإن كان بسقوف معينة مختلفة بين مصرف وآخر، كما هو الحال على أرض الواقع. ويمكن أيضاً سحب ليرات نقدية من الحسابات بالدولار، على سعر 8.000 ل.ل للدولار بموجب التعميم 151 المعدّل. لكن سحب المبالغ بالليرة من هذه الحسابات، نقداً، لا دولارات نقدية مقابلها، بالتالي الشح بالليرة النقدية بالنسبة لهذه الحسابات مستمر، لأن جزء منها يستخدم للتهافت على الدولار من السوق، من خارج سيطرة وضبط مصرف لبنان”.
ويعتبر حمود، أنه “لا يمكن لمصرف لبنان الاسترسال كثيراً في عملية شحّ السيولة بالليرة النقدية، لأن عليه: تأمين الرواتب والأجور للموظفين شهرياً، وتأمين السحب بالليرة النقدية على سعر الـ8.000 ل.ل للدولار، بالإضافة إلى الحسابات الجارية وحسابات الادخار بالليرة البالغة نحو 40 تريليون ليرة، والتي لا يمكن منع السحب منها ولو بالقطارة، لكن على عددها الكبير سيكون إزاء ضخّ كميات كبيرة بالليرة في السوق. بالتالي هذا ما يحاول البنك المركزي دوزنته بعملية الشحّ بالليرة”.
ويرى، أن “هذه العملية لا يمكن أن تستمر إلى ما شاء الله. وكل ما هو غير طبيعي وغير حرّ في تعاملات الأسواق، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى خلق مشكلة لا إلى إيجاد حلول. ويمكن مراجعة التاريخ للتأكد من أن كل الدول التي مرَّت بأزمات مالية واقتصادية، لم تخرج منها إلا عندما حرَّرت الأسواق لا بمزيد من القيود على الاقتصاد”.
ويشدد حمود، على أنه “يجب إعادة خلق قطاع مصرفي صحيح بمعايير دولية، وكذلك فتح الاقتصاد، في حين إن هذين العاملين مخنوقان”، لافتاً إلى أن “أي مراقب يلاحظ، بل جولة بسيطة لأي شخص في الأسواق، يمكنه معها ملاحظة أن البلد شبه مقفل. فهل بهذا الاختناق يمكن إنشاء اقتصاد مزدهر؟”.
أي عملية نسخ من دون ذكر المصدر تعرض صاحبها للملاحقة القانونية